هذه استراتيجية ماكرون للتقارب مع الجزائر على طريقة سانشيز

يراهن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على استراتيجية خفض التصعيد مع الجزائر مستلهما من الكيفية التي لعبت عليها حكومة بيدرو سانشيز الإسبانية، في أعقاب الأزمة الدبلوماسية التي عصفت بالعلاقات الثنائية بعد التغير المفاجئ في موقف مدريد القاضي بدعم أطروحة النظام المغربي في القضية الصحراوية.
وفي الوقت الذي تعيش فيه العلاقات الجزائرية الفرنسية حالة قطيعة دبلوماسية منذ أن قرر الرئيس الفرنسي دعم مخطط الحكم الذاتي للنظام المغربي في الصحراء الغربية، صعّد قصر الإيليزي من وتيرة اللعب على ملف الذاكرة، وكان آخر فصول هذه المناورة، قيام رئيس بلدية باريس، آن هيدالغو، نهاية الأسبوع، بتدشين معلم في العاصمة الفرنسية، يخلد مجزرة الأغواط، التي راح ضحيتها ثلثا سكان المدينة على يد جيش الاحتلال الفرنسي في العام 1852.
ويستهدف الرئيس الفرنسي تسليط حالة من الضغط على الطرف الجزائري، عبر ملف الذاكرة الذي يعتبر من الملفات الحساسة جدا في نظر الجزائريين، في محاولة لإغراء السلطات بالتجاوب معه، وهي الاستراتيجية التي تبناها رئيس الحكومة الإسبانية، وإن كان تركيزه على دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية والذي تمظهر من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فضلا عن الإقلاع عن دعم الطرح المغربي بشأن الصحراء الغربية واكتفائه بالحديث عن جهود الأمم المتحدة فقط.
وتقوم استراتيجية السلطات الفرنسية على مزيد من ضخ المبادرات المتعلقة بملف الذاكرة في قرارات أحادية لم تعد تحدث التأثير المنتظر لدى الطرف الجزائري، الذي قرر وقف عمل اللجنة المختلطة الجزائرية الفرنسية، من الجانب الجزائري، كما جاء على لسان المؤرخ ورئيس اللجنة من الجانب الفرنسي، بنجامان ستورا، في تصريحات لإحدى القنوات التلفزيونية العمومية الفرنسية مؤخرا.
ويشعر ماكرون بأنه المتسبب الرئيسي في وقف التقدم الذي حصل في الأشهر السابقة على صعيد ملف الذاكرة، بعدما قرر الانخراط في لحظة من الجنون، بدعم مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به النظام المغربي في سنة 2007، ولذلك يحاول من خلال تكرار مبادراته، إصلاح ما أفسده، غير أن الضرر الذي لحق بالعلاقات الثنائية، يبدو أنه أصعب بكثير مما يعتقد الطرف الفرنسي الذي غرق في هذا المأزق.
واستنادا إلى تقارير فرنسية إعلامية، فإن ماكرون، وبعدما يئس من نجاحه في إقناع الطرف الجزائري باستكمال عمل اللجنة المختلطة الجزائرية الفرنسية لبحث ملف الذاكرة، عمد إلى العمل انطلاقا من التقرير الذي قدمه المؤرخ بنجامان ستورا، للرئاسة الفرنسية في جانفي 2021، والذي كان من المفترض أن يرافقه تقرير آخر ينجزه المستشار برئاسة الجمهورية، عبد المجيد شيخي، المكلف بملف الذاكرة، وهو ما لم يحصل.
وتشكل المبادرات التي جسدها الرئيس الفرنسي لحد الآن جزءا لا يتجزأ من تقرير بنجامان ستورا، ويمكن الإشارة هنا إلى تخليد ذكرى قمع مظاهرات الجزائريين بفرنسا في 17 أكتوبر 1961، سنويا، واعتراف فرنسا باغتيال المحامي والناشط السياسي، علي بومنجل خلال معركة الجزائر العام 1957 والتي أقر بها الضابط الفرنسي بول أوساريس في مذكراته.
كما تم تجسيد نقطة أخرى شدد عليها ستورا في تقريره، وهي تلك المتعلقة بالأرشيف، حيث تم الإعلان في شهر ماي المنصرم عن نسخ ونقل ملفوفات الأرشيف الجزائري المنهوب والمخزن في الأقبية الفرنسية، من باريس إلى الجزائر، والسماح للباحثين من البلدين بالاطلاع على الأرشيف الفرنسي والجزائري، فضلا عن إقامة مواقع للذاكرة في المدن الفرنسية، ويعتبر ما أقيم في باريس نهاية الأسبوع المنصرم جزءا مما اقترحه تقرير بنجامان ستورا.
وفي السياق ذاته، لا يستبعد أن يقدم الرئيس الفرنسي لاحقا، على طلب نقل رفات المحامية جيزيل حليمي التي ناصرت الثورة التحريرية ودافعت عن المساجين الجزائريين في السجون الفرنسية، إلى مقبرة العظماء في العالية بالعاصمة الجزائرية، وهو أيضا من مقترحات ستورا، بالإضافة إلى مقترحات أخرى ستعرف طريقها إلى التجسيد أيضا، ولكن عبر سياسة التقطير، في محاولة لإحراج الطرف الجزائري عبر التكرار ومحاولة تصويره على أنه رافض للتقارب.