هكذا التهم تضخيم الفواتير ثلث فاتورة الاستيراد في 10 سنوات!

يُجمع خبراء الاقتصاد على أن السبب الأول لتفاقم ظاهرة تضخيم الفواتير التي التهمت ثلث فاتورة الاستيراد بين سنتي 2009 و2019 هو القرض المستندي، إذ كان المستورد ملزما بهذا القرض عند التوطين البنكي ـ أي يدفع فاتورة الاستيراد قبل تلقّي السلع ـ وهو ما يتطابق مع ما لمّح إليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في تصريحات صحفية قبل أيام، حينما أكد أن “طريقة تمويل الاستيراد كانت خاطئة وقتها”.
وبالمقابل، يؤكد الخبراء أن الحل للقضاء على الظاهرة بشكل نهائي في وقت قياسي هو الرقمنة، عبر استحداث منصّة رقمية وبنك معطيات لتبادل المعلومات الدقيقة بين مختلف الفاعلين في التجارة الخارجية، وتحيين مستمر لأسعار السلع في الأسواق العالمية.
ويقول الخبير الاقتصادي في مجال الحوكمة الاقتصادية، البروفيسور عبد القادر بريش في تصريح لـ”الشروق”، أن تضخيم الفواتير جريمة استفحلت بشكل أكبر، بعد فتح باب الاستيراد دون ضوابط وانتهاج سياسة “اقتصاد البازار”، خاصة بعد تطبيق إجراء إلزامية المرور على القرض المستندي لتوطين عملية الاستيراد في قانون المالية التكميلي لسنة 2009، أين أصبحت التحويلات المالية للخارج تتمّ قبل التحقق من دخول السلع، لتتفاقم بعد ذلك بشكل أكبر ظاهرة تحويل العملة الصعبة للخارج واستنزاف احتياطي الصرف.
وفي سياق الحلول المقترحة للتصدّي لظاهرة تضخيم الفواتير، يشدّد بريش: “لابد من الاستمرار في عقلنة الواردات والمسارعة في تفعيل دور المجلس الأعلى لضبط الواردات المنصّب حديثا من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ومعرفة الاحتياجات الحقيقية من المواد الأولية والسلع الاستهلاكية وتحديد القدرات الإنتاجية الوطنية والحرص الصارم على تطبيق مبدأ ألا نستورد إلا ما نحتاجه”.
ويُفصّل المتحدث في الملف أكثر، مُضيفا: “الاستيراد يجب أن يكون مُكمّلا للإنتاج الوطني وتلبية لاحتياجات السوق الوطنية حتى لا تقع الحكومة في ورطة الندرة وخلق وضعيات احتكارية لبعض المتعاملين، هدفها التحكم في سوق بعض المواد والسلع ورفع الأسعار والإضرار بالقدرة الشرائية للمواطنين”.
وفي الجانب التقني، يرى الخبير نفسه، أنه من أجل التحكم في ضبط الواردات ومحاربة ظاهرة تضخيم الفواتير، لابدّ من استحداث منصّة رقمية لتبادل المعلومات بين مختلف الفاعلين والمتدخلين في عملية الاستيراد وهم البنك المركزي، البنوك الأخرى، الجمارك، الضرائب ومصالح التجارة الخارجية.
ولمعرفة أسعار السلع والمواد في الخارج، لابد حسب بريش، من إيجاد آليات لتبادل المعلومات مع جمارك دول أجنبية حول تطوّر وتغيّر أسعار المواد الأولية والسلع الصناعية والمنتجات الاستهلاكية وتكوين بنك معطيات محيّن لتتبّع هذه الأسعار، ومقارنتها بالأسعار التي يصرّح بها المستوردون، كما يقتضي الأمر الصرامة والشدّة في تطبيق قوانين الصرف وتحويل الأموال للخارج وقانون الجمارك عند التصريح الجمركي، وفرض عقوبات قاسية على المخالفين من أجل الردع، باعتبار أن التلاعب بأموال الجزائر وباحتياطي الصرف يعتبر مساسا بالأمن المالي للبلاد.
ويُثمّن عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني هشام صفر في تصريح لـ”الشروق”، ما سبق أن أعلن عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قبل أيام في حوار للصحافة الوطنية، حينما تحدّث عن مطالبة المتورطين في تضخيم الفواتير في السابق، وتحديدا الفترة الممتدة بين سنتي 2009 و2019، والتي شهدت وقتها تضخيما عادلت نسبته ثلث فاتورة الاستيراد، بإعادة الأموال المنهوبة خارج القانون، قائلا إن “هذه الخطوة كإجراء تندرج ضمن مساعي الرئيس لاستعادة الأموال المنهوبة، أي الالتزام بتعهّداته في برنامجه الانتخابي”، داعيا إلى “الشروع في تطبيقها في أسرع وقت ممكن، دون منح هؤلاء المتورّطين المزيد من الوقت”.
ويشدّد صفر على أن طرق تضخيم الفواتير وقتها تعدّدت وتجاوزت كل التوقعات، إذ تم استيراد مصانع مهترئة بأسعار قياسية، وتقديم طلبيات لاستيراد عتاد، لتتفطّن مصالح الجمارك في بعض المرّات بدخول حاويات أحجار وأخرى فارغة مقابل مليارات الدولارات، معتبرا أن الوضع اختلف اليوم، ونسبة التضخيم تقلّصت بفضل الرقابة الثلاثية المعتمدة من قبل الجمارك والتي تكون قبلية وحين وصول السلع وبعد جمركتها أيضا، تُضاف لها التعليمات الصارمة لمراقبة عملية الاستيراد ومختلف حيثياته، فضلا عن تشديد الرقابة على مستوى البنوك.