-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
لم يترك مجالا إعلاميا إلا وطرق بابه بنجاح

هكذا بنى علي فضيل أكبر صرح إعلامي في الجزائر

هكذا بنى علي فضيل أكبر صرح إعلامي في الجزائر

قد يكون ألم الفراق موجعا، ولا يمكن للسنوات أن تكفكفه، خاصة إذا كان الراحل عنّا بحجم رجل جمع بين الأخلاق وقوة الحضور والثقافة العالية والذكاء الذي امتلكه الإعلامي الكبير، علي فضيل، موهبة واكتسابا، ولكن، إذا نظرنا إلى ما حققه من إنجازات إعلامية متميزة، نكاد نجزم بأن رسالة الرجل الإعلامية والاجتماعية اكتملت، حتى قلنا له في قبره: مرحى وطوبى لك، فقد كنت على الدوام عنوانا للنجاح، مهما كان نوع هذا المجال، سواء كان ورقيا أم إلكترونيا أم سمعيا بصريا.

بمجرد أن ظهر بصيص من الأمل لخوض الجزائر الصحافة الحرة، بعد سنوات الأحادية العجاف، حتى ودّع الأستاذ، علي فوضيل، في قمة عطائه وعنفوانه العملي والشبابي الجرائد العمومية، التي كان مُسيرا ورئيس تحرير فيها من الشعب إلى المساء، وبثقة بالنفس، أبرق إلى الجزائريين المشتاقين إلى الإعلام الحر، أول عدد من “الشروق العربي”، في ربيع 1991، عندما كانت الجزائر تعيش شتاء أمنيا، بأعاصيره ورعوده الدامية، التي غرقت فيها.. لم يكن الأمر هيّنا، ولكن الذين مازالوا يذكرون صيحات “الشروق العربي” وأقلامها الرصاصية، يشهدون على أن الصحافة الحرة في الجزائر بدأت كبيرة.. بل كبيرة جدا، بفضل عدد من الصحف، ومن بينها “الشروق العربي”.

ولو عددنا الأقلام التي باشرت العمل وتعاملت مع “الشروق العربي”، وقادت بعد ذلك وسائل إعلام عربية وحتى غربية، لأحصينا قرابة الخمسين من رجال ونساء، بعضهم احترف مهنة المتاعب في دول الخليج، وآخرون جاوروا الأهرامات الثلاثة، وآخرون مازالوا إلى حد الآن يصنعون ربيع بعض الصحف والتلفزيونات، وحتى المواقع الإلكترونية في البلاد الأوربية.

كان الجزائريون ينتظرون نسخ أسبوعية “الشروق العربي”، بما يشبه الظاهرة الثقافية والاجتماعية، فقد كانت “الشروق العربي” أول صحيفة في تاريخ الجزائر تطرق باب العائلات، وتلامس الأيدي الناعمة للجنس اللطيف، وبين الفن والآهات الاجتماعية، وأخبار نجوم الكرة، كانت “الشروق العربي” تعجن بإتقان طبخات سياسية، فجرت الكثير من الأقلام، حتى نكاد نجزم بأن كل من له حاليا عنوان إعلامي أو قناة تلفزيونية أو شرفة إلكترونية يطل منها، كان تلميذا تخرّج من مدرسة “الشروق العربي”، التي مازالت تطلّ إلى حد الآن على قرائها في شكل مجلة باهية الشكل والمضمون، وستحتفل في شهر ماي القادم بعيد ميلادها الثلاثين، لتكون الوسيلة الإعلامية الورقية الأكثر صمودا من بين كل وسائل الإعلام في الجزائر، ولم يحدث أن غادر اسم شروقي المؤسسة، إلا لأجل تأسيس عنوان آخر، أو ليتبوأ مكانا مرموقا في عالم مهنة المتاعب، الذي تحوّل إلى مهنة الألفة والمتعة والطمأنينة، مع الراحل، علي فضيل.

عانت “الشروق العربي” من الحواجز السياسية المزيفة، وكان في غالب الأحيان الوزير الأول السابق، أحمد أويحيى، هو من يضع هذه المتاريس، فقد كان يريدها جزءا من قاطرة الاستئصال، وكانت تريد النور مثل اسمها، وتمكن بقوة ما يملكه حينها من سلطة، من نسف حلم جميل كان يصحو عليه وينام عشاق الحرف العربي، إلى أن ظهرت “الشروق اليومي”، في نوفمبر من سنة 2000، لتكمل المسيرة، وتبلغ أيضا في ظرف وجيز عمر النضج وصناعة الحدث، بالدفاع عن ثوابت الأمة، قبل أن تحطم كل أرقام السحب في شتاء 2009، عندما بلغ سحبها المليونين، ولم تكن حينها الأهرام المصرية، تسحب أكثر من ثلاثمائة ألف نسخة.

أتمّ الراحل، علي فضيل، نجاحاته الإعلامية من خلال الموقع الإلكتروني لـ”الشروق اليومي”، الذي حاز عديد الجوائز على المستوى العربي، واحتل المركز الثاني عربيا، من حيث التأثير والمتابعة، وبصم على وجوده في المسابقات العربية الكبرى.. ولولا الطعنات الغادرة التي كانت تتلقاها “الشروق اليومي”، بين الحين والآخر، من نفس الأعداء، لنافست كبريات الصحف العالمية، وتفوقت عليها، ليس من حيث السحب اليومي، وإنما من حيث قوة تأثيرها، بعد أن صارت مواضيعها وسبقها الإعلامي وأقلامها مرجعا وصانعة للحدث، تقدم نموذجا راقيا يفتخر به كل الجزائريين الذين تابعوا بكثير من العزة معركة “الشروق اليومي” أمام أوزان الإعلام الثقيلة في مصر، في نهاية سنة 2009 وبداية سنة 2010، عندما ركبوا موجة توريث في بلادهم، على حساب مقدسات الجزائر، على خلفية خسارة الفراعنة مباراة في كرة القدم، كان الفوز فيها انتصارا سياسيا لحاكم مصر في ذلك الوقت، واعترف كبار الإعلاميين في مصر بعد أن وضعت تلك الحرب الإعلامية أوزارها، بأن “الشروق اليومي” خاضت المعركة باحترافية ورقي جعلا كل القوى الإعلامية العربية في الشام والخليج والمغرب العربي وحتى في مصر نفسها، تقف إلى صفها، وتعترف بنبل وأخلاق أقلامها وثقافتهم وذكائهم الإعلامي.

كان الأستاذ علي فضيل في أيام هذه المعركة يتنهد ويقول: “ليت الإعلام السمعي البصري في الجزائر أفسح لنا المجال لنطير مع الطيّارين دفاعا عن الجزائر”، ولم تمر سوى أشهر قليلة حتى بزغت فرصة أخرى للتحليق عاليا في عالم الإعلام العصري، فكانت قنوات “الشروق” التي كان عليها أن تكون المدرسة والجامعة ومكان التخرج والعمل في نفس الوقت لشلة من الصحافيين، الذين خاضوا التجربة تحت إشراف الأستاذ الموهوب علي فضيل، الذي كان كلما حقق نصرا إعلاميا إلا ودخل معركة إعلامية جديدة، غير معترف بما يسمى باستراحة المحارب، وفي كل محطة، تتكرر نفس الحكاية، فكل المغادرين من وجوه قنوات “الشروق”، البيت الكبير، إنما لقيادة تجارب أخرى، بذخيرة حصلوا عليها من المدرسة التي تقدم من دون توقف.

الآن، وقد مرّت سنة دامعة برحيل فارس الإعلام الأول في الجزائر، ننظر يمينا وشمالا، وفي كل مكان، فنجد صدى الرجل أحرفا ذهبية في “الشروق اليومي” وربورتاجات هادفة في “الشروق العربي”، وفضاء لامعا في تلفزيونات “الشروق” ومواقعه الإلكترونية، وفضاءاته الملوّنة.

سنة دامعة وحالمة من عمر أهل “الشروق”، أكملوا فيها مسار الألف ميل، وزادوا أميالا أخرى، ولن يكون لهم راحة بال ولا طمأنينة، إلا بالمحافظة على الإرث الثقيل، الذي تركه أخ وصديق عزيز، افتقدوه جسدا، ولكنه بينهم في قاعات التحرير، وفي مختلف الأقسام، وفي الذاكرة، وحتى في خرجاتهم الميدانية، وهم يحاورون المعذبين والمظلومين في الأرض، من أبناء الجزائر.

يختلط الدمع بالحبر وبالعرق، عندما نخطّ كلمات للذكرى، عن رجل بنى مؤسسة عملاقة لا تغرب عنها شمس المعارف والمصداقية، ولكن العزاء يبقى في صمود هذه المؤسسة، التي تمتلك شهداء ورموزا وأوفياء وقائدا خالدا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!