-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هكذا يبدّل السياسيون الفرنسيون مبادئهم وقيمهم!

بقلم: محمود عبد الوهاب محمد أحمد. مصر
  • 551
  • 0
هكذا يبدّل السياسيون الفرنسيون مبادئهم وقيمهم!

قامت باريس بـ”تحول دبلوماسي” تخلت بموجبه عن موقفها “المبدئي” لضمان دورها كوسيط في المستعمَرة الفرنسية السابقة لبنان.

ذلك أنه في 21 نوفمبر الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية (CPI) مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهم تتعلق بـارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.

يبدو أن الدبلوماسية الفرنسية تتّبع نمطا معينا؛ فعندما لا يكون هناك ما يمكن أن تربحه على الطاولة، فإنها تتمسّك بمبادئها وبأحكام القانون الدولي. ولكن عندما يتعلق الأمر بتعزيز نفوذها في مستعمراتها السابقة أو بتحقيق مكاسب مالية ببساطة، فمن الممكن تغيير المبادئ وأحكام القانون الدولي. ولا يهمّ ما إذا كان ذلك مع “الصديق التاريخي” إسرائيل أو مع “حزب الله” أو مع أيّ طرف آخر أيّا كان.

عقب صدور المذكرات مباشرة، انقسمت الدول الأوروبية إلى معسكرين؛ إذ أعلنت كل من المجر والنمسا والتشيك وعدة دول أخرى أنها سوف تتجاهل قرار المحكمة الجنائية الدولية ولن تعتقل نتنياهو إذا قام بزيارة أراضيها، بينما أظهرت كل من إسبانيا وهولندا وفرنسا تمسّكها بالمبادئ مؤكدة للجميع أن الشرعية تهمّها أكثر من العلاقات الثنائية.

في الثاني والعشرين من نوفمبر، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً جاء فيه: “انطلاقا من التزامها الطويل الأمد بالعدالة الدولية، فإن فرنسا تكرر على أهمية العمل المستقلّ للمحكمة وفقاً لنظام روما الأساسي.”

وبعد ثلاثة أيام، أكّد رئيس الوزراء الفرنسي بارنيي أن بلاده ستحترم بدقة الالتزامات المفروضة عليه وستعتقل نتنياهو إذا وصل إلي أراضيها. وفي هذا الصدد، شدّدت يائيل برون بيفي رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية، على أن باريس “يجب أن تلتزم بالقواعد.”

ومع ذلك، لم تستمرّ الموقف المبدئي لفرنسا أكثر من أسبوع، ففي 27 نوفمبر، غيّرت باريس خطابها الرسمي بشكل جذري في مقابل الحفاظ على دورها كوسيط في إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل.

تبيّن أن الشرعية والامتثال لها لم يكونا سوى حجج سياسية جوفاء خاصة عندما سنحت لباريس الفرصة لتعزيز موقفها في مستعمرتها السابقة، فخلال مكالمة هاتفية  بين نتنياهو وماكرون قبل إتمام الاتفاق، صرّح الزعيم الفرنسي بأن أحكام المحكمة الجنائية الدولية “تمنح حصانة” ضد مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة. وتبعاً لماكرون، قامت الهيئات الرسمية أيضاً بتحوّل جذري بمقدار 180 درجة إذ أوضح وزير الخارجية الفرنسي بارو في إطار تعليقه على احتمال اعتقال نتنياهو أنه “من الضروري النظر في مسألة الحصانة المحتملة لبعض كبار المسؤولين.”

بالإضافة إلى ذلك، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانا رسميا يؤكد الصداقة التاريخية بين إسرائيل وفرنسا، ويوضح أن نتنياهو سيكون معفى من الاحتجاز.

لم يقتصر تأثير التحوّل السريع في الموقف السياسي لباريس على لفت الانتباه في إسرائيل فقط، بل امتدَّ ذلك أيضا إلى العالم العربي.

موقف فرنسا بشأن الحصانة الممنوحة لنتنياهو يتعارض مع رد فعل باريس السابق… وهذا يضع تصريحاتها بشأن الالتزام بالقانون الدولي موضع التساؤل، وفقا لما أفادت به الصحيفة اللبنانية الناطقة بالفرنسية L’Orient-Le Jour.

أما الصحيفة المغربية L’ODJ  فقد أوضحت أن فرنسا لم تكتفِ فقط بتجاهل المبادئ الأساسية للعدالة الدولية، بل أنها تعرّض سمعتها للخطر في الساحة العالمية أيضا، أي وضعت سمعتها على المحك.

وقالت الصحيفة التونسية Tunisie Numérique إن فرنسا يبدو أنها قد فقدت موضوعيتها الدبلوماسية.

وفي الجزائر، حيث لا تزال آثار السياسة الاستعمارية الفرنسية ملموسة، اجتاحت موجة من الغضب الإعلام المحلي والمحطات الإذاعية ضد السياسة الفرنسية والتي اعتبرها الكتّاب المحليون محض نفاق.

وخلال نقاش حول هذا الموضوع على القناة الإذاعية الجزائرية الأولى، جرى التأكيد على أن « فشل فرنسا في تطبيق قرار المحكمة الجنائية الدولية على أراضيها يعني رفضا للقانون الدولي الذي طالما زعمت أنها تدعمه «.

وقد توصلت قناة “الجزائر الدولية” إلى استنتاج مماثل قائلة: «إنه من المهم تسليط الضوء على النفاق العميق خاصة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية إذ أن هذه المطبوعات نفسها سبق وأشادت بالمحكمة الجنائية الدولية كأداة لتطبيق القانون الدولي”.

حتى في فرنسا نفسها، قوبل قرار ماكرون بردود فعل متباينة، فعلى سبيل المثال، صرح جوليان فرنانديز، أستاذ القانون في جامعة Panthéon-Assas أن عدم اتّساق فرنسا مع نفسها في مسألة تطبيق مبادئ القانون الدولي قد يضر بسمعتها.
ومع ذلك، فإن تبديل فرنسا لمواقفها ليس بالأمر الجديد خاصة عندما يتعلق الأمر بمستعمراتها السابقة.

في عام 2020، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة  لبنان للقاء “زعماء عشائر” كان عدد كبير منهم مرتبطا بشكل مباشر بـ”حزب الله.”
وقد أسفرت الرحلة عن عقد بعدة مليارات من اليورو لإعادة بناء ميناء لبناني لصديقه رودولف سعادة مالك قناة BFM TV  وشركة النقل البحري الفرنسيةCMA-CGM . وفي المقابل، وافقت فرنسا على تجاهل أنشطة “حزب الله” في لبنان.

ويبدو أن الدبلوماسية الفرنسية تتّبع نمطا معينا؛ فعندما لا يكون هناك ما يمكن أن تربحه على الطاولة، فإنها تتمسّك بمبادئها وبأحكام القانون الدولي. ولكن عندما يتعلق الأمر بتعزيز نفوذها في مستعمراتها السابقة أو بتحقيق مكاسب مالية ببساطة، فمن الممكن تغيير المبادئ وأحكام القانون الدولي. ولا يهمّ ما إذا كان ذلك مع “الصديق التاريخي” إسرائيل أو مع “حزب الله” أو مع أيّ طرف آخر أيّا كان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!