-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
شبكات تتغذى على الإغراءات والجهل الإلكتروني

هكذا يقع الجزائريون في فخ الاحتيال الرقمي!

سمير مخربش
  • 1501
  • 0
هكذا يقع الجزائريون في فخ الاحتيال الرقمي!
ح.م

أصبحت منصات التواصل الاجتماعي في الجزائر، وعلى رأسها “الفايس بوك”، “إنستغرام”، و”تيك توك”، مسرحًا متناميًا لعمليات احتيال إلكترونية تستهدف مئات المواطنين الباحثين عن صفقات مغرية لشراء الهواتف أو الأجهزة الكهرومنزلية أو حتى الملابس الفاخرة بأسعار لا تُصدق، وبطرق دفع مغرية كالتقسيط أو الدفع المسبق الجزئي.

الظاهرة لم تعد مجرد حالات فردية عشوائية، بل تحوّلت إلى نمط إجرامي منظم، تشرف عليه شبكات افتراضية تمتلك من الوسائل التقنية والحِيل ما يكفي للإيقاع بالضحايا بسهولة. الأساليب باتت متطورة، والعروض تبدو مقنعة، لدرجة أن الضحية غالبًا لا يدرك أنه وقع في الفخ إلا بعد فوات الأوان.
الانتشار المذهل لجرائم النصب الإلكتروني في الجزائر، وما تم اكتشافه بولاية سطيف منذ أيام، أصبح مصدر قلق حقيقي للمواطنين والسلطات على حد سواء. فقد كشفت النيابة العامة بمجلس قضاء سطيف عن تفاصيل إحدى أخطر الشبكات التي كانت تنشط عبر أكثر من 115 حساب على منصات “إنستغرام”، “الفايس بوك”، “واتساب”، “تيك توك”، تستخدم 80 رقما هاتفيا و19 حسابا بريديا لجمع الأموال وتحويلها وتبييضها.
هي افتراضيا وواقعيا شبكة تتفنن في استدراج الضحايا بعروض بيع أجهزة ذكية وأجهزة كهرومنزلية بأسعار تقل عن السوق بنسبة تصل أحيانا إلى 50 بالمائة، وتعدهم بإرسال الطلبيات عبر التوصيل السريع، بشرط دفع عربون عبر “بريدي موب” أو التحويل البريدي السريع. بعض الصفحات تنشر حتى مقاطع فيديو “مقنعة” توهم المتابعين أن الزبائن استلموا طلبياتهم بنجاح، فيما الحقيقة أن كل ذلك مركّب بدقة ضمن خطة لإغراء أكبر عدد ممكن من المستهلكين.

أشخاص نسجوا ثوب الضحية بأيديهم
الضحايا أنفسهم يعترفون بأنهم لم يكونوا يتوقعون أبدًا الوقوع في مثل هذا الفخ. أحد الضحايا من بلدية عين ولمان بولاية سطيف، يدعى (ن.ز)، يقول إنه كان يبحث فقط عن هاتف جديد لابنه، فعثر على إعلان يروج لهاتف ذكي بسعر 14 ألف دج مع ضمان عام، فسارع إلى التواصل مع الصفحة، وأرسل المبلغ المطلوب إلى حساب بريدي، أُعطي له بعد محادثة قصيرة عبر “ماسنجر”.
“كان كل شيء يبدو طبيعيا، حتى أن هناك من ردّ علي بصوت مهذب، ويبدو شخصا محترمًا… لم أشك للحظة، حتى تم حظري واختفى كل أثر للصفحة”، ليكتشف بعدها أنه فقد المبلغ في لحظة غفلة.
طالبة جامعية من نفس الولاية، تدعى (س.ي)، أكدت أنها كانت تبحث عن كمبيوتر محمول للدراسة، ووجدت إعلانًا جذابًا على “تيك توك”، تواصلت مع صاحبه، وأرسل لها رابطًا لصفحة خارجية تشبه متجرًا إلكترونيًا احترافيًا، ثم طلب منها رقم بطاقتها البنكية بحجة خصم رسوم الشحن فقط، وللتحقق من تطابق الهوية، حسب قوله.
“أرسلت له رقم البطاقة، وتاريخ انتهائها، وبعض التفاصيل، وبعد دقائق، اختفت من رصيدي أكثر من 22 ألف دينار، ولم يصلن شيء. لم أكن أعرف أن تلك المعلومات تكفي لسرقة حسابي”.
مصالح الأمن قيدت عدة حالات مماثلة، عن ضحايا من مختلف الولايات وقعوا في فخ صفحات وهمية تدّعي بيع هواتف عبر الدفع عند الاستلام، لكنها، بعد إقناع الزبائن بالدفع الجزئي المسبق لضمان الجدية، تختفي نهائيا، بل أن بعضها يستخدم وثائق تعريف مزوّرة، أو أسماء تجار معروفين لخلق انطباع بالثقة، بل هناك شبكات توظف صور نساء جميلات كـواجهة تسويقية عبر حسابات “إنستغرام” مخصّصة لبيع ملابس ومواد تجميل، لتسهيل استدراج الفتيات وتحصيل مبالغ مالية تحت مبرر “العربون”.

طمع يعمي الأبصار ويحوّل الضحية إلى صيد سهل
في تفسيره لهذه الظاهرة، يرى الأستاذ كريم لعور، المتخصّص في الاتصال الرقمي والتسويق عبر الإنترنت، في حديثه لـ”الشروق”، أن الأمر يتعلق بتطوّر مذهل في أساليب الإغراء الرقمي.
المحتالون اليوم لا يعتمدون فقط على العشوائية، بل يستخدمون كل أدوات التسويق الحديثة، من تصميم شعار محترف، إلى نشر تعليقات مزيفة، وحتى تصميم متاجر إلكترونية وهمية بواجهة احترافية.
“الضحية العادي لا يستطيع التفرقة بين متجر حقيقي وآخر مزيّف إذا لم يكن يملك دراية تقنية. والمشكلة أن الكثيرين لا يعلمون أن مجرد إعطاء رقم البطاقة، وتاريخ انتهائها، ورمز التحقق من البطاقة CVV، يكفي للسماح لأي شخص لديه تطبيق دفع إلكتروني أن يسحب المال من حسابك خلال ثوانٍ”، يقول لعور.
ويضيف أن غياب التكوين الرقمي في المجتمع يجعل حتى المستخدمين المثقفين عرضة للخداع، لاسيما في ظل ضغط العروض المغرية، والرغبة في تحقيق ربح سريع أو صفقة لا تُعوّض.
ويشرح الدكتور زين العابدين لزرق، أستاذ علم الاجتماع، أن الضحية لا يقع فقط نتيجة الجهل الرقمي، بل أيضًا بسبب ما يسميه “الإغراء الرمزي”، أي أن الإنسان المعاصر أصبح يميل أكثر للاستجابة للعروض الرقمية التي تعده بتجاوز التكاليف التقليدية، وتحقيق راحة استثنائية من دون عناء، خاصة إذا علم أن المنتج سيصله الى المنزل من دون عناء. “العرض الرقمي، حتى وإن بدا غير منطقي، يغري الضحية، لأنه يُشبع حاجته النفسية للربح، ويوفر له مخرجًا من محدودية دخله. هنا لا نرى فقط عملية نصب، بل استغلالاً عميقًا لاحتياجات الإنسان العادي وتفاعله اللاواعي مع وعود الاستهلاك السريع”. الدكتور لزرق يؤكد أيضا أن الكثير من الضحايا يشعرون بالخجل بعد وقوعهم، ويميلون للصمت بدل التبليغ، ما يطيل عمر الشبكات الاحتيالية ويمنحها فرصة للإيقاع بالمزيد.

البداية بإعلان والنهاية جريمة قائمة الأركان
في زمن السرعة الرقمية، لم تعد السرقة تقتضي اقتحام بيت أو كسر قفل، بل يكفي منشور مغرٍ على “تيك توك” أو “إنستغرام” أو “الفايس بوك”، يتضمن صورة لهاتف بسعر رمزي، أو عرض لتقسيط أجهزة كهرومنزلية، أو رسالة على “ماسنجر” تطلب “شفرة بريدي موب”… حتى تبدأ الخسارة، وتتشكّل خيوط جريمة قائمة الأركان.
على الصعيد القانوني، ورغم وجود مواد قانونية تجرّم النصب والاحتيال، وتبييض الأموال وانتحال الصفة، فإن الواقع الميداني يكشف عن تحديات تنفيذية حقيقية، فقانون العقوبات الجزائري يجرم النصب الإلكتروني، كما أن قوانين مكافحة الجرائم المعلوماتية تتضمن عقوبات تصل إلى 10 سنوات سجنا في بعض الحالات.
إلا أن هناك تحديات تواجهها المصالح الأمنية لإثبات الجريمة الرقمية، خاصة حين يستخدم الجناة أسماء وحسابات مزورة، أو حين تقع الجرائم من خارج الحدود. الضحية لا يعرف أحيانا حتى بمن يشتكي، والشرطة تحتاج إلى أدوات تقنية دقيقة وإذن قضائي لتتبع بعض الحسابات.
ومع تصاعد هذا النوع من الجرائم، بدأت السلطات الأمنية تولي اهتمامًا أكبر للأمن السيبراني. فتم تعزيز فرق متخصّصة على مستوى الدرك والشرطة، وتطوير وسائل التتبع الرقمي بالتنسيق مع “بريد الجزائر” و”اتصالات الجزائر” وشركات الاتصالات. هذه الفرق نجحت في تفكيك شبكات محترفة، وهي تواجه تحديات لوجستية وتقنية، خاصة في ظل سرعة تغير أساليب الجريمة الرقمية، واعتمادها على تطبيقات ووسائط متطورة يصعب اختراقها.
جهود التوعية لا تزال في بدايتها، رغم بعض المبادرات التي أطلقتها المصالح الأمنية ومؤسسات المجتمع المدني، مثل حملات تحسيسية عبر برامج إعلامية وومضات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
المشكلة أن التكوين الرقمي في الجزائر لم يدرك مستوياته العليا، ما يترك فراغًا خطيرًا تستغله الشبكات الاحتيالية. وعلى سبيل المثال، هناك رابط باسم الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية لأجراء تم إطلاقه مؤخرا عبر مختلف المنصات، ونشره كرسالة عبر “ماسنجر” تفاعل معها العديد من الأشخاص بالرغم من أن الأمر يتعلق بعملية تزوير واحتيال، وقبله رابط آخر مزيّف لـ”بريد الجزائر” أوقع بالكثير من المستخدمين الذين لا يفرقون بين رابط آمن وآخر خبيث، ولا يعلمون أن الصفحة المزيّفة يمكن أن تحاكي كليًا تصميم الصفحات الرسمية للبريد أو البنوك أو المؤسسات المعروفة.
الربح السريع، التخفيضات، البيع بالتقسيط، الراحة والتسهيلات، تشكّل أدوات إغراء تدخل في تركيبة طُعم رقمي يُستعمل لاصطياد ضحايا عن بعد. وبين هذه الطعوم تتطور الأساليب وتتنوع الشبكات، ويبقى المواطن هو الحلقة الأضعف في منظومة رقمية لا ترحم، وهي تحتاج إلى وعي حقيقي يمتد إلى عمق المجتمع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!