-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وقفات رمضانيّة

هل تحبّ الله؟

سلطان بركاني
  • 2528
  • 0
هل تحبّ الله؟

من السّهولة بمكان أن يسارع الواحد منّا إلى الإجابة عن هذا السّؤال دون تردّد، فيقول: نعم، أنا أحبّ الله. وهو صادق في ذلك، لأنّه ما من عبد يؤمن بوجود خالق عليم حكيم خبير رحيم إلا ويجد في قلبه محبّة “فطرية” له، وهو يرى آلاء عظمته ورحمته مبثوثة في هذا الكون الفسيح، لكنّ السّؤال يتعلّق بمحبّة شرعية تحرّك الجوانح والجوارح، يجني العبد ثمراتها في الدّنيا والآخرة. فمن منّا يستطيع أن يبرهن على محبّته لمولاه من حاله وواقعه؟

ماذا لو سأل كلّ واحد منّا نفسه في لحظة صدق: سنوات كثيرة عشتها بعد البلوغ، تُرى كم كان منها لله ولدينه؟ ساعات تنقضي من عمري كلّ يوم، ترى كم ساعة منها أجعلها لله؟ كم جعلت لله من قلبي ومن حياتي؟ ما الهمّ الأكبر الذي أحمله في هذه الدّنيا؟ هل قلبي متعلّق بالله وما عند الله، أم تراه متعلقا بالدّنيا أسيرا لهمومها؟ كم مرّة آثرت ما عند الله على شهواتٍ ومتع محرّمة من هذه الدّنيا؟ كم مرّة دعتني نفسي إلى ريبة فقلت: يا نفس اتّقي الله الذي يراك ويسمع سرّك ونجواك.

ربّما تكون الإجابة عن هذه الأسئلة محرجة لكثير منّا، والمقصود ليس أن يقف العبد المؤمن عند السّؤال والإجابة، وإنّما المقصود أن يعلم أنّه في أمسّ الحاجة إلى تنمية محبّة الله في قلبه، لأنّ هذه المحبّة كلّما عظمت في القلب، زاد اجتهاد صاحبه في طاعة الله وطلب رضاه، وزاد أُنسه بالقرب من خالقه ومولاه، وزادت سعادته بالعيش في كنف طاعته جلّ في علاه. 

 

هكذا تزيد محبّة الله في قلبك

تأمّل أخي المؤمن في نفسك وحالك وواقعك، وحاول أن تستحضر نِعم الله عليك في هذه الدّنيا لتشعر بالحياء من خالقك الذي يتودّد إليك بالنّعم وأنت معرض عنه، ولا تعطيه إلا فضول أوقاتك وهمومك!

ابدأ وعُدّ معي.. اختارك- جلّ وعلا- لتكون مسلما من بين الملايير من البشر، أنت مسلم مؤمن وحولك في هذا العالم أكثر من 05 ملايير كافر بين مشرك وملحد.. فتحَ أبواب رحمته لتتوب وتؤوب إليه سبحانه، ووعدك مغفرةَ الذّنوب وستر العيوب إن أنت ندمت ورجعت. وفوق هذا وذاك يفرح بتوبتك.. منحك من فرص مغفرة الذّنوب كلّ يوم وكلّ أسبوع ما لا يعدّ ولا يحصى: الوضوء الصّحيح والمشي إلى المسجد تغفر بهما الذّنوب، الصّلوات الخمس في بيت الله تمحى بها الخطايا والعيوب، الذّكر بعد الأذان وبعد لبس الثّوب وبعد الفراغ من الطّعام تقال به العثرات. الجمعة إلى الجمعة كفّارة لما بينهما لمن اغتسل وبكّر ودنا ولم يلغُ… وهكذا.

كتب سبحانه أن يضاعف الحسنات ولا يضاعف السيّئات، الحسنة بعشرة أمثالها إلى 700 ضعف، والسيّئة لا يكتبها ملك السيّئات إلا بعد 06 ساعات ينتظر لعلّ صاحبها يتوب، فإن لم يتب كتبها سيّئة واحدة، فإن تاب منها بعد ذلك محيت، فإن حسنت توبته كتبت مكانها حسنة. الحسنة تمحو السيّئة، والسيّئات مهما عظمت (دون الشّرك) فإنّها لا تمحو الحسنات.

يشتاق- جلّ في علاه- إلى عبده في بيته ويدعوه 05 مرات كلّ يوم. يشتاق إلى دعائه فيبتليه بالهموم والأمراض ونقص الأموال، لعلّه يرفع يديه ليسمع دعاءه ويرى بكاءه. يخفّف عنه في مرضه وسفره فيسقط عنه الصّوم، ويسقط عنه شطر الصّلاة. أحلّ له كلّ الطيبات ولم يحرّم عليه إلا الخبائث والمهلكات، بل وأباح له المحرّمات في حال الضّرورات.

يمتّعه بالصحّة والعافية ويكلّف ملائكته بحفظه ليلا ونهارا: ((لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ))، ويرزقه من حيث لا يحتسب: ((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)).

 

وماذا بعد كلّ هذا؟ 

هذه نعم أحصيناها من بين ما لا يحصيه إلا الله من النّعم التي يتقلّب فيها كلّ واحد منّا باللّيل والنّهار. أفلا يجعلنا كلّ هذا نحبّ الله ونستحي منه جلّ في علاه؟ أفلا يجعلنا كلّ هذا نستحي من أنفسنا يوم يضيّع الواحد منّا كلّ تلك الفرص التي منحه الله إياها، ويأتي يوم القيامة بسجلات أمثال الجبال من السيّئات؟ يأتي ليقف أمام الميزان تتملّكه الحسرة ويعلوه الذلّ والهوان، وهو يرى أناسا كان يعرفهم في الدّنيا معهم سجلاتُ حسناتٍ أمثال الجبال، فلا يملك إلا أن يعضّ أصابع النّدم ويقول: ((يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِين)).. وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ: أي: وإن كنت لمن اللاهين اللاعبين؛ كنت أظنّ العمر أطول من ذلك، كنت أظنّ الأمر أسهل وأهون من ذلك، ثمّ لا يملك إلا أن يقول: ((يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!