-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل ترحل العصابة ويبقى برلمانُها؟

هل ترحل العصابة ويبقى برلمانُها؟
ح.م

من عجائب السياسة في الجزائر، أن يطيح نفس النوائب والنائبات برئيس الغرفة السفلى للبرلمان، معاذ بوشارب، وهم الذين بسطوا أمامه السجاد الأحمر قبل سبعة أشهر لاعتلاء عرش قصر زيغود يوسف، خلفًا للمبعَد السعيد بوحجة، إثر واقعة “الكادنة” المشؤومة.

لا ندري بأيِّ منطق يسوِّغ اليوم هؤلاء النوائب والنائبات الانقلابَ المفضوح على رئيسهم المطرود، بعد أن داسوا لأجل صعوده كل القوانين والأعراف والأخلاق، بل كسروا ما بقي من مصداقية السلطات والمؤسسات الدستوريّة، لتظهر الجزائر في أعين العالم مجرّد غابة، لا تحكمها ضوابط الدولة وأدبياتها المعاصرة، وإنما تخضع لسلطان القوّة والغلبة، تميل سلطاتها المستقلة افتراضيّا، حيث تميل موازين القوى، في إخلال سافر بقاعدة الفصل بين السلطات، وهي من أبرز ركائز الديمقراطية ومؤشرات دولة الحق والقانون الحديثة.

لا شكّ أنّ هذه البيادق المأجورة، حاشا الشرفاء فيهم، لم يتحركوا تلبية لمطالب الحَراك برحيل رموز النظام السابق، لأنهم لو فعلوا ذلك لقدّموا استقالاتهم جماعيّا، فهم معنيون بالرحيل قبل غيرها، بل إنهم فقط يقدِّمون الخدمة المطلوبة في تنفيذ الأوامر الفوقيّة، طمعًا في نيل الرضا بهدف البقاء في مواقع الامتياز والنفوذ.

رئيس البرلمان المخلوع لم يكن شرعيّا في المنصب، فضلاً على أنّ رأسه يُعدّ مطلبًا شعبيّا واسعًا، فليذهب غير مأسوف عليه، بل إنه يستحق نهاية أسوأ، ليتجرّع من ذات الكأس، ويتعلم الآخرون أنّ دوام الحال من المحال، وكما تَدين تُدان، ولا يخلّد التاريخ إلا مواقف الشرف والمبادئ، أمّا الخيانة وأفعال المرتزقة وقطَّاع الطرق فهي ضمن سمات العار التي تعلو جبين أصحابها على مرّ الأجيال.

إنّ الحلّ الآن بعد أن رمى بوشارب المنشفة مُكرهاً هو الاستعداد لحلّ البرلمان نهائيّا، وتسريح نوابه ليعودوا أدراجهم في الصفوف الخلفيّة للمجتمع، باستثناء النزهاء منهم، الذين انتخبهم الشعب فعلا ودافعوا عن مصالحه بإخلاص.

صحيحٌ أن قرار الحلّ سيكون مؤجّلاً إلى غاية انتخاب رئيس للجمهورية، تفاديًا للفراغ المؤسساتي الكامل، لكنه خيارٌ حتمي يجب الذهاب إليه، لاعتبارات كثيرة، ولو في آخر يوم من نهاية العهدة التشريعيّة، لإسقاط الشرعيّة عن برلمان صوري موروث عن نظام بائد، ثار ضدّه الشعب منذ 22 فبراير الماضي.

إنّ البرلمان الحالي لم يكن منذ تنصيبه، وعلى غرار العهدات السابقة، سوى غرفة تسجيل لمشاريع السلطة التنفيذية التي ندفع اليوم ضريبة فسادها وسوء إدارتها للشأن العام، فهو الذي منحها الضوء الأخضر في كل مواعيد التشريع، وزكّى أفعالها ورجالها، ليفتح لها باب الاستمرار، بنيابة زائفة عن الشعب المغيّب، ولم يجرؤ يومًا على ردّ قانون واحد لها، أو تقديم مقترح قانونٍ مستقل عن إرادتها، بل كان دومًا مُصادِقا على مبادراتها التشريعية والسياسيّة، ثمّ مصفقا لإنجازاتها في أكبر احتيال تمثيلي لديمقراطية الواجهة.

ولا ننسى كذلك أن تشكيلة البرلمان القائم، فيما يتعلّق بالأغلبية النيابيّة، هي نتاج التزوير الرسمي والمال الفاسد وشراء الذمم والمقاطعة الشعبية الواسعة لعملية انتخابيّة مزيّفة، ما جعل الكثير من أعضائها مجرّد وسطاء منتفعين لدى الإدارة في مختلف المستويات، لقضاء المآرب الخاصّة وتحصيل المشاريع التجارية والمقاولاتيّة، هذا ناهيك عن مؤهلات بعضهم في النيابة عن الشعب، عبر سلطة تشريعية مقدّسة، مهمتها سنّ القوانين والرقابة على أعمال الحكومة.

وعليه، فإنّ هذه السلطة البرلمانيّة المزعومة ليست في واقع الحال سوى بعرة في ذيل العصابة المتساقطة، لا يمكن أن تتطهّر البلاد من درن الفساد والاستبداد، وهي جاثمة على صدر الشعب، بل وجب أن تلحق بها، حتى يستكمل الحراك ثورة الحريّة والإصلاح.

في الحقيقة أنَّ أزمة البرلمان الجزائري ليست وليدة اليوم، فهي من تداعيات الانحراف السياسي التاريخي، منذ فعاليات المجلس الوطني للثورة خلال مؤتمر طرابلس المعلّق، ثمّ تكرّست مطلع الاستقلال مع “المجلس التأسيسي” في زمن فرحات عباس، وبعده “المجلس الوطني” بقيادة الحاج بن يعلا، فقد تعاملت معه السلطة الفعليّة دائمًا كجهاز وظيفي، لتمرير رؤيتها وأفكارها وقراراتها، دون أن تكون له صلاحياتٌ عمليّة للمبادرة أو الاعتراض على أي شيء، وقد حان الوقت لتصحيح المسار بانطلاقةٍ جديدة على السكة الصحيحة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    "..وعليه، فإنّ هذه السلطة البرلمانيّة المزعومة ليست في واقع الحال سوى بعرة في ذيل العصابة المتساقطة، لا يمكن أن تتطهّر البلاد من درن الفساد والاستبداد، وهي جاثمة على صدر الشعب، بل وجب أن تلحق بها، حتى يستكمل الحراك ثورة الحريّة والإصلاح."
    لك جزيل الشكر