هل تعرفون هذا الروائي المشهور في العالم والنكرة في وطنه؟!

تعني الأمم بتراثها العلمي والأدبي والديني، لأنه نوع من الغذاء الروحي لعلمائها ومفكريها وسائر المتعلمين فيها، وللشعب عموما. ولعلنا نحن في الجزائر، من أغنى الأمم تراثا، فقد تعاقبت على هذه الأرض الطاهرة حضارات مختلفة منذ فجر التاريخ إلى اليوم، وفي كل حضارة، قمنا بقسط وافر من واجبنا العلمي والأدبي والديني نحو العالم والبشرية جمعاء.
وأجدادنا الأوائل لم يكونوا قبل نزول الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يعبدون الأصنام، مثل العرب في شبه الجزيرة، بل كانوا موحدين يعبدون الله، فالقديس اوغشطين (Saint Augustin) مثلا، وهو من مواليد 13 نوفمبر 354 م، بمدينة طاغست (سوق أهراس اليوم)، كان مسيحيّا مثل ورقة بن نوفل، الذي أكد بنزول الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما استنجدت به زوجة رسول الله خديجة أم المؤمنين، وكان هذا في عام 610م. فهل مسيحية ورقة بن نوفل في شبه الجزيرة العربية نثق بها ونحترمها، ومسيحية القديس أوغشطين في طاغست (سوق أهراس بالجزائر) نقوم بطمسها والتنكيل بها؟
قلت، لا يكفي اليوم أن نتحدث عن مجدنا العلمي والأدبي والديني كما لو كان أسطورة أو حديث خرافي يتغنى به الشعراء ويتغالى في وصفه الخيال، بل يجب أن يظهر هذا المجد في صورة ملموسة تراها الأعين وتنالها الأيدي، لذلك كان من المهم أن نعنى بنشر الكتب والأعمال العلمية والثقافية والدينية التي وضعها آباؤنا وأجدادنا الأوائل خصوصا إذا كانت هذه الكتب هامة الأثر في تكيف التفكير البشري.
لا شك أن في مقدمة هذه الكتب والأعمال الفكرية والثقافية الهامة، تُعتبر أعمال المفكر والفيلسوف والخطيب والأديب الجزائري الكبير ليسيوس أفولاي (Apulée de Madaura)، المعروف عبر كل دول العالم، والنكرة في وطنه، هذا الخطيب الممتاز والمفكّر المحترف الذي ولد في عام 124 م، أي في القرن الثاني الميلادي، وتحديدا في مادورا بضواحي مدينة مداوروش بولاية سوق أهراس بالجزائر.
ولا شك أن في مقدمة هذه الكتب والأعمال الفكرية والثقافية الهامة، تُعتبر أعمال المفكر والفيلسوف والخطيب والأديب الجزائري الكبير ليسيوس أفولاي (Apulée de Madaura)، المعروف عبر كل دول العالم، والنكرة في وطنه، هذا الخطيب الممتاز والمفكّر المحترف الذي ولد في عام 124 م، أي في القرن الثاني الميلادي، وتحديدا في مادورا بضواحي مدينة مداوروش بولاية سوق أهراس بالجزائر.
هذا المفكر الأفلاطوني، والمبدع الاستثنائي، المروج الذاتي الذي لا هوادة فيه، والمؤلف متعدد المواهب لمجموعة متنوعة بشكل ملحوظ من الأعمال الفكرية، والكثير من أعماله قد ضاعت عنا ولم تصلنا.
ومن بين أعماله الفكرية التي وصلت إلينا، رواية الحمار الذهبي أو التحولات، والفلوريدات، وإلاه سقراط، و المحاكمة، العالم وأفلاطون، حول العالم. نعم، مع أفولاي، وخاصة مع روايته الأسطورية والتي عنوانها: «الحمار الذهبي أو التحولات»، قام بنوع من الإبداع الأدبي والفكري، إذ يقوم بإخراجنا من الواقع إلى الخيال بل وحتى إلى الخرافة، خاصة في تلك الحقبة التاريخية التي مازالت صالحة حتى يومنا هذا.
كما أن التعتيم الذي قامت به فرنسا الاستعمارية خلال فترة احتلالها للجزائر على مدى 132 سنة، إذ طمست وحرفت كل شيء له علاقة بثقافة السكان الأصليين، بالإضافة إلى انقسام النخبة المثقفة بعد الاستقلال إلى قسمين، الأولى فرانكوفيلية وقِبلتها باريس، والثانية معربة وقبلتها القاهرة. هذا التقسيم، جعل الوسط الثقافي الجزائري في حرب دامت عقودا، وتوقفت هذه المواجهة مع تعريب المدرسة الجزائرية، وظهور فئة موحّدة من المثقفين خريجي المدرسة الأساسية، إذ أصبح كل التلاميذ يدرسون البرنامج ذاته من السنة أولى ابتدائي إلى غاية شهادة البكالوريا.
ورغم هذا العمل الكبير في المنظومة التربوية، إلا أن الجامعة لم تقم بعد بنفض الغبار عن التراث الثقافي والتاريخي والديني الجزائري القديم. وأعتقد أن مشكلة اللغة مازالت عائقا في وجه هذه العملية. فالتراث الثقافي الجزائري القديم، واقصد هنا فترة ما قبل الفتح الإسلامي، والذي كتب باللغة اللاتينية، ومنه أيضا من كتب باللغة اليونانية، والبونيقية ولغات أخرى…
قلت، من بين هؤلاء المفكرين والفلاسفة، والروائيين الجزائريين الأوائل، والذي وصل إلى العالمية منذ القرون الوسطى، ومازال إلى يومنا هذا محلًّا للبحث والدراسة والتحليل في الجامعات العالمية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والدول الإسكندنافية وحتى في أوروبا واسيا وأمريكا وإفريقيا. ولكن لم يُعطَ له الاعتبار ذاته في الجامعات العربية وخاصة في وطنه الأصلي الجزائر.
لقد كان المسار المهني للسيسوس أفولاي، في الفكر والفلسفة والعلوم، وكان ذلك في القرن الثاني الميلادي من الامبراطورية الرومانية، إذ كانت الجزائر جزءًا منها، ولكنه أيضا مفكر معاصر كبير في الحضارة اليونانية في تلك الحقبة ذاتها.
في ذلك الوقت من القرن الثاني الميلادي، بدأ كما هو معروف العهد الفلسفي الثاني. كانت هذه الحركة والتي يقودها خطباء يونانيون يزعمون أنها ستعيد إحياء الثقافة البكر للقرن الخامس قبل الميلاد التي كانت سائدة في أثينا باليونان. لكن في الواقع ركزوا على الأسلوب الرائع، في حين أن معظم محتواهم كان متعباً ومتحذلقَا.
كما أن أفولاي الأصيل الأمازيغي، فصيح في ثلاثة لغات وهي: البونقية واليونانية واللاتينية، وخطبُه تتكون من تمارين بلاغية تستند إلى مواقف خيالية، في توجيه الأدب بشكل عامّ.
ينسب إلى أفولاي على وجه الخصوص خطاب دفاعه القانوني ضد تهم السحر، والذي جسّده في سبعينيات القرن الماضي الدكتور أحمد حمدي في مسرحية رائعة وباللغة العربية. قلت كان خطابه القانوني ضد تهم السحر، وبعض الأطروحات الأفلاطونية المشتقة للغاية، وأعظم تحفة من الخيال النثري الجيد والقديم، التحفة الوحيدة من قديم الخيال النثري، تلك الرواية اللاتينية الكاملة الوحيدة – «الحمار الذهبي أو التحولات» والتي عرّبها لنا في الجزائر في سبعينيات القرن الماضي الدكتور أبو العيد دودو. ويعتبر كل من الدكتور أحمد حمدي والدكتور أبو العيد دودو، أبرز الجزائريين الذين تطرقوا إلى هذا المفكر الجزائري الكبير.
والحقيقة عن حياة أفولاي، أن أصله من مداوروش بولاية سوق أهراس، بالجزائر، ودراسته الخطابية النشطة وأسفاره العديدة والواسعة، ومشاكله القانونية بعد زواجه من امرأة ثرية، وهي أمّ صديق له، تعتمد مشاركته في الطوائف الغامضة بشكل أساسي على شهادة كتاباته الخاصة ولكنها معقولة بما فيه الكفاية.
وحتى عندما كان يتحدث عن الماضي بشوق، كان أفولاي يؤثث المستقبل، عالمه الكوميدي الكامل عاطفي ومنطقي، بطريقة حديثة للغاية، إذ يطالب بالاستسلام لخيال القارئ منذ اللحظة الأولى الذي يسافر فيه الراوي (يستمع إلى قصة سحر)، نحو المدينة حيث سيدخل في فنون الظلام ويحكم على نفسه بالعديد من أشهر العبودية المؤلمة كحمار.
تدوم سلطة سرد القصص القاسية من خلال جميع الناجين من ليسيوس أفولاي، والبقرات، بغض النظر عن مدى غرابة ذلك، وحتى خَلاصُه، يعدّ معجزة، وتجاوز ليسيوس أفولاي جميع التجارب العلمية، بنجاح وهو لا يزال يركل.
والأكثر إثارة للإعجاب نظرا للمهمة الأسلوبية التي حددها أفولاي لنفسه، والذكاء المستمر والذي يتأجج دائما، والذي لم يعرفه أي كاتب خيالي سابق من الذين نعرفهم، أنه يجمع بين عامية «بلوتوس»، وتطور «شيشرون» وسلوكيات «سينيكا»، واللمسات الشعرية من الملحمة الغنائية، وبعض الكلمات التي لم يتم العثور عليها في أي مكان آخر، هذه هي بقوليات «أفولاي»: قال الأشياء مرة واحدة، تحدّث مرة واحدة فقط في جميع الأدبيات اللاتينية الموجودة.
أفولاي هو النوع الجيد من الفائض، مع الانضباط المعقد، يعمل على المرح، يسد الفجوات المجنونة بين السجلات بالقافية أو الجناس، ويشدد المعنى في الوقت ذاته.
طوال الوقت، يعلق الراوي من منظور الشخص الأول، وهو في جملة واحدة، يكون أحيانا عربانيا، وأحيانا ساذجا، وأحيانا ساخرا، ومتعاطفا، لكن يمكن للمؤلف البارع حقا أن يجلدك ثلاث مرات في ثانيتين ولا يثير غضبك بل يجعلك تتنهد بإعجاب. هذا هو ليسيوس أفولاي الفيلسوف والروائي المشهور في العالم بالأمس واليوم والنكرة في وطنه؟!…