-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل ستنفع السكة الحديدية اقتصاد الجزائر؟ (الجزء الثاني)

عمار تو
  • 1448
  • 0
هل ستنفع السكة الحديدية اقتصاد الجزائر؟ (الجزء الثاني)

إلى جانب هذه المنجزات العملاقة المنتظرة من تحقيق هذا البرنامج التنموي الجديد في ميدان توسيع شبكة السكة الحديدية في الجزائر الذي تقرر ضمن الأجواء الاقتصادية الملائمة في سياق قانون المالية لسنة 2025 وفي سياق الأحكام الإيجابية التي أصدرتها المؤسسات المالية الدولية في حق أداء الاقتصاد الجزائري منذ 2021 باستشرافاته المريحة، يتحتم منطقيا، الانتقال الآني إلى صناعة حقيقية واسعة للقطارات والقاطرات وعربات القطارات لنقل المسافرين والسلع. وذلك في تواز مع وجوب ترسيخ العودة الفعلية، منذ بضع سنين، إلى صناعة عربات نقل القمح والحصى والمحروقات والسوائل الأخرى وصناعة الحاويات، في مركب عتاد السكة الحديدية التاريخي لمدينة عناية.

بالفعل، فواجب استغلال هذه السانحة الاقتصادية التاريخية التي  تعيشها الجزائر، من أجل تجاوز روتينية استهلاك للقطارات المستورَدة وعتادها الملحق وروتينية تجديدها، آليًّا، بعد اهتلاكها المحاسبي أو الاقتصادي كقدر محتوم، وذلك بتجسيد الطموح في إقامة صناعة هذه القطارات العصرية وهذا العتاد، تماما كما جرى، منذ 2020، إحياء الطموح بضرورة بعث القاعدة الصناعية التي كانت قائمة قبل تحطيمها بعد الأزمة الاقتصادية لسنة 1986 بمسبِّباتها الداخلية والخارجية المؤلمة المعروفة.

وأقصر السبل لبداية تحقيق هذا الهدف الأسمى، هو إحياء مركّب عنابة لصناعة مختلف عتاد السكة الحديدية الملحق بالقطارات الذي يدعمه تواجد الوحدة الصناعية القائمة بداخله والمتخصصة في تركيب عربات الترامواي بنسبة اندماج تكون قد تجاوزت 30 % التعاقدية، وهذا ما يسمح  برفع الطموح الإدماجي في إنتاج وتركيب القطارات العصرية وعتاد السكة الحديدية في شراكة مع من يقبل من المستثمرين الأجانب بنسبة إدماجية معقولة، مما يخدم الطموح الجزائري في إحياء وتطوير مستويات تصنيعية أعلى لمراكز الصيانة الكبرى المتواجدة في عنابة والخروب بقسنطينة والدار البيضاء وحسين داي بالجزائر العاصمة والمحمدية بولاية معسكر وسيدي بلعباس، مع توسيعها إلى الهضاب العليا والجنوب الصحراوي، تماشيا مع التوسُّع الهائل التاريخي  لشبكة السكة الحديدية الجاري إنجازه.

وقد  يكون من السهل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي بالمساعي الهامة الملخصة التالية:

– إعادة تأهيل المركب الصناعي للسكة الحديدية لمدينة عنابة الذي كان قبل 1989، يصنِّع كثيرا من عتاد السكة الحديدية. ويمثّل احتضانه لمصنع تركيب عربات الترامواي السابق ذكره، مصدر مضاهاة لبذل قصارى الجهود من أجل استرجاع نشاطاته الصناعية التي كانت مزدهرة قبل 1989.

– صناعة القطارات العصرية، في شراكة حتمية مع الأجانب ذوي الصّيت بغرض التصدير، مستقبلا، بعد تلبية الحاجيات الوطنية أو بالتوازي معها، بمستوى إدماج طَموح، قد يتلاءم مع بنيات الصيانة القاعدية القائمة في سيدي بلعباس  الأكبر إفريقيا، لاسيما وهي تأوي، اليوم، ومنذ بداية 2010، ورشات تحديث ناجح لعربات قطارات المسافرين مع إدماج منظومات التكييف الهوائي بنجاح.

– التعاقد مع الصين سنة 2023 في هذا الميدان الصناعي، ينسجم، تماما، مع هذا الطموح المجنون للمشروع، فملامح هذا المشروع الضخم يكون قد جرى ضبطها بنسبة 25 % و30 % التي تهدف إلى جعل الجزائر رائدة في صناعات السكة الحديدية في السوق الإفريقية. وقد حدِّدت للمصنع بطاقة إنتاجية سنوية تصل 2000 عربة قطار وغيرها من العتاد.

وتستدعي، بالضرورة، مراكز الصيانة القائمة في ميدان السكة الحديدية المشار إليها أعلاه، دعما لبنيتها التحتية وتجهيزاتها وإثراء لمهامّها، بالإضافة إلى أدوارها المعتادة في ميدان صيانة القطارات والعربات والقاطرات والعتاد الآخر للسكة الحديدية، مع واجب إثرائها بالمناولة الصناعية المتخصّصة مع مصنع القطارات العصرية وتجديد القطارات في سيدي بلعباس إذا تأكّد اختيارها كمقر لهذه الصناعة مع الصينيين.

ويجدر التنبيه إلى أن هذا الطموح الصناعي للجزائر يصطدم بطموحات جهوية منافسة في المنطقة العربية في ميدان صناعة القطارات العصرية، يجري، حاليا، تجسيدها بالأهداف نفسها تجاه الأسواق العربية والإفريقية وغيرها، ضمن مفهوم توطين صناعات الدول الصناعية في البلدان الأقلّ تصنيعا، تلبية لطلب هذه الدول الداخلي ولطلب الأسواق العالمية.

3- ضرورة كهربة الشبكة

لقد  بلغت نسبة كهربة شبكة السكة الحديدية  في  الجزائر إلى غاية اليوم، نحو 25%  فقط من مجموع الشبكة القائمة حاليا، رغم تسجيل عمليات كهربة كل الشبكة التي كانت قائمة وتلك المبرمجة في المخطط الخماسي 2010- 2014، إلى جانب برمجة  كل الشبكة إلى التجهيز بمنظومات الأمن والمواصلات الحديثة المعروفة في الميدان.

وبهذا الصدد، يجدر التذكر بأن وزارة النقل ووزارة الطاقة والمناجم كانتا قد اتّفقتا في بداية العشرية 2010، تحت الرعاية المباشرة للوزيرين وبحضورهما، على إنشاء مؤسّسة عمومية مختلطة بين المؤسسة العمومية للنقل بالسكة الحديدية والمؤسسة العمومية “كهركيب” لتعنى بكهربة شبكة السكة الحديدية الوطنية برمّتها، قديمها وجديدها. لكن هذه المؤسسة، أسفًا، لم تتجسّد ميدانيّا، لأسباب واهية تكون لها علاقة بتكاليف الكهربة التي تكون أعلى من تلك التي يقترحها المتعاملون الأجانب. وكان الهدف  المنشود، اقتصاديا وبيئيا، هو اقتصاد استهلاك المازوت وتجنّب تلويث المحيط.

والأمر يبدو، اليوم، أكثر إلحاحا، بالنظر إلى ضخامة المشروع التنموي للسّكة الحديدية وإلى الأهمية التي يكتسيها، حاليا، ملف البيئة وطنيا ودوليا، وإلى الأهمية التي توليها الجزائر للموضوع  وإلى التزاماتها مع الهيئات الأممية المختصة.

وفكرة مؤسسة متخصّصة في كهربة الشبكة كلها تستدعي، من حيث الدراسة على الأقل، تناولا استثنائيا ومستعجلا، لما لها من منفعة اقتصادية وبيئية آنية.

واستنباطا تكميليا لما حاولنا إيصاله، من خلال تحاليلنا السابقة، يتضح أن مبررات التأخرات الإرادية التي طبعت برامج السكة الحديدية المسطّرة للإنجاز وتلك التي كانت منتظرة للبرمجة بغرض الإنجاز كما أوردناها أعلاه، تطبعها واهية الحجية التي احتمي بها لتبرير التأخرات المسجلة.

4- حجج واهية

فيما يتعلق بتبرير التأخرات الخطيرة التي عرفها تنفيذ المخطط التنموي للسكة الحديدية بين 2014 و 2019، فالحجية المبنية على أزمة انهيار أسعار البترول ابتداء من جوان 2014، لا تلقى الصدى الإيجابي، بالنظر، من جهة، إلى الإنفاقات المالية لتغطية الواردات التي استمرّت خلال الفترة ذاتها وبمستوى الفترة السابقة نفسه، لسلع عديمة المنفعة الاجتماعية بالنسبة لأغلبية الجزائريين، وبالنظر، من جهة أخرى، إلى رفع التجميد على هذه البرامج ابتداء من 2021 مع توسعتها توسعة استثنائية كما تعبّر عنه مشاريع السكة الحديدية الجاري إنجازها أو تلك المبرمجة لانطلاق إنجازها في الشهور المقبلة من السنة الجارية كما فصلناه أعلاه، وكذا، على سبيل المثال لا الحصر، عديد المستشفيات المستلمة أو المبرمجة للاستلام خلال هذه السنة بعد رفع التجميد عنها (88 مستشفى من مختلف الأحجام: 60 و120 و240 سرير للمستشفى الواحد) أو خلال السنة المقبلة (ثلاثة مستشفيات جامعية من 500 سرير للمستشفى الواحد). وهذا رغم تراجع أسعار البترول تراجعا متواصلا وعميقا، من نحو 120 دولار للبرميل بلغها في 2022 إلى أقلّ من 62  دولارا للبرميل انحدر إليها حاليا، في بداية ماي 2025.

وكمثل داحض، فإنّ أشغال إنجاز الخط  الرابط بين توقرت وحاسي مسعود (157 كلم) والخط الرابط بين البيّض والمشرية (135 كلم)، لا زالا ينتظران الاستلام منذ صيف 2013، في حين أن الحساسية الاقتصادية للأول وهدف فك العزلة للثاني، لا يحتاجان إلى تبرير.

والمؤسسات المكلَّفة بإنجازهما هي، فوق كل ذلك، مؤسسات عمومية، من جهة، والتمويل هو بنسبة 90 % بالدينار الجزائري، من جهة أخرى. تماما كما هو الشأن بالنسبة للخط المحوري الإستراتيجي الرابط بين العفرون بولاية البليدة وبوغزول بولاية المدية، أو بين الخط الشمالي المزدوج وخط الهضاب العليا والحلقة الجنوبية-الشرقية والحلقة الجنوبية- الغربية والامتداد نحو تمنراست والذي لم يتحرّك الاهتمام به إلا بعد الزيارة الرئاسية لولاية الجلفة في أكتوبر 2023 مع التنبيه، بالإضافة إلى أهميته الإستراتيجية، إلى أنّ الدراسات المتخصصة قد أظهرت أن مردوديته هي الأعلى بالنسبة للخطوط المماثلة في غرب البلاد وشرقها.

أقصر السبل لبداية تحقيق هذا الهدف الأسمى، هو إحياء مركّب عنابة لصناعة مختلف عتاد السكة الحديدية الملحق بالقطارات الذي يدعّمه تواجد الوحدة الصناعية القائمة بداخله والمتخصّصة في تركيب عربات الترامواي بنسبة اندماج تكون قد تجاوزت 30 % التعاقدية، وهذا ما يسمح برفع الطموح الإدماجي في إنتاج وتركيب القطارات العصرية وعتاد السكة الحديدية في شراكة مع من يقبل من المستثمرين الأجانب بنسبة إدماجية معقولة.

بالإضافة إلى أنّ سبائك السكة الحديدية وحدها، هي المستوردة (بالعملة الصعبة) والتي لا تمثّل سوى نحو 7% من التكلفة الكلية لمشروع في السكة الحديدية، إلا في حالة أشغال استثنائية تستدعي اللجوء إلى متعاملين أجانب تُدفع مستحقاتهم بالقطع الأجنبي.

واستنتاجا، فإن المشاريع الإستراتيجية، اقتصادية كانت أو اجتماعية، خلال الأزمات الاقتصادية والمالية، لا تحتمل التأجيل حزمة واحدة، ففي أسوأ الأحوال، قد تحتمل تمديدا زمنيا على مستوى رزنامتها في الإنجاز مع الاحتفاظ بها ضمن الأولويات الوطنية حتمية الإنجاز.

والحلقة الجنوبية- الشرقية (الأغواط- غرداية- ورقلة- تقرت- بسكرة…) والحلقة الجنوبية- الغربية (الأغواط- غرداية- المنيعة- تيميمون- أدرار- بشار…) اللتان أشرنا إليهما سابقا، لا تستثنيان، هما أيضا، من تحفظاتنا التدبيرية.

والرهان المرفوع ببلوغ ناتج داخلي خام في مستوى 400 مليار دولار في أفق 2027، يستقي كثيرا من مقوِّماته، من روافد التنمية الاقتصادية الجاري تنفيذها في البلاد ومنها مشاريع الجنوب التي سقناها كأمثلة دامغة في سياق هذه المساهمة.

المراجع

1- البرامج الرئاسية لـ2019  و2024

2- مختلف مجالس الوزراء منذ 2020،

3- جريدة “الوطن” 26 جويلية 2023.

أمل زموري.

4- جريدة “المجاهد”

29/07/2023 الساعة 20ز53

httpts//www elmoudja…

5- الزيارات الرئاسية بتاريخ 29 أكتوبر 2023 إلى الجلفة.

6- الزيارة الرئاسية بتاريخ 30 نوفمبر 2023، إلى تندوف.

7- الزيارة الرئاسية في 24 أفريل 2025 إلى بشار.

8- وزارة النقل. تنمية قطاع النقل ودعم أمن الطرقات. 15 سبتمبر 2008

أفريل 2013

9- وزارة النقل. تقييم تنفيذ المخطط الخماسي 2010- 2014

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!