هل سيكون 5 نوفمبر 2024 آخر انتخاب شرعي في الولايات المتحدة؟!
يُظهر بعض المثقفين الأمريكيين قلقهم إذا فاز دونالد ترامب مرة ثانية هذه المرة؛ فإذا تم حقا انتخابه، فإنه سيخاطر بالحكم كما لو كانت الولايات المتحدة مؤسسة خاصة يمكنه العبث بها وتدميرها كما يحلو له.
الولايات المتحدة اليوم على وشك النزول إلى قاع الهاوية، ومن يدري هل ستخرج يومًا ما، من هذا القاع. قد يكون 5 نوفمبر 2024 هو تاريخ آخر انتخاب شرعي في الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد أدرك هؤلاء المثقفون أن شيئًا ما كان خطأ عندما أعلن دونالد ترامب حشد أتباعه «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» يجب أن يأتوا بالتأكيد للتصويت له في يوم الانتخابات لأنهم لن يحتاجوا بعد ذلك إلى التصويت؛ فالبعض افترض أنه كان عرضًا لامعًا يقدّمه، وأن الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية، بشعره البرتقالي الكاذب وبشرته البرتقالية الغريبة، كان معجبًا بأصدقائه. ولكن اليوم الأمر غير ذلك.
لقد فشل ترامب في محاولته الانقلابية الأولى في عام 2021. (للانتخابات الرئاسية لعام 2020)، كان قد طوَّر طريقة خاصة به للعثور على ناخبين كبار كاذبين لصالحه، لكن الخطة لم تنجح، بفضل مايك بنس، نائبه وقتها، والذي في بادرة عن عدم الثقة في رئيسه ترامب، صادق على عدد الناخبين في كل ولاية.
ومع ذلك، لم يستسلم ترامب. شجع أنصاره الفخورين به وغيرهم من العنصريين البيض على مهاجمة مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، لمحاولة شنق مايك بنس وصعق نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، من أجل الاستمرار في الإقامة في شارع بنسلفانيا (حيث يقع البيت الأبيض في واشنطن)، ضحية انتخابات مزورة. لقد هوجم ضباط الشرطة وشُوّهوا أثناء الاعتداء وتوفي أحدهم متأثرا بجراحه، لكن مبنى الكابيتول استمر.
لقد أعلِن فوز جو بايدن في الانتخابات، وهي نتيجة جرى التصديق عليها في ذلك المساء من قبل الكونغرس الذي عاد إلى مبنى الكابيتول. ومع ذلك، صوّت عدد من الجمهوريين، الذين تعرضت حياتهم للتهديد قبل ساعات قليلة، لصالح التصديق على فوز بايدن. ولولا هذا التصديق من طرف الجمهوريين، لدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في حرب أهلية، إذ اندلعت في وقت ماضي وتحديدا في القرن الثامن عشر بين الشمال الصناعي والجنوب الفلاحي.
مشروع 2025 خطير جدًّا
لقد أحاطت حالة من «عدم الشرعية» ببايدن طوال فترة رئاسته، ولا يزال هذا هو الحال. قام ترامب ببساطة بتركيب مكتب افتراضي بيضاوي في منزله في مارالاغو في بالم بيتش في فلوريدا. وبالنسبة للعديد من مؤيديه، يظل الرئيس الشبح، ورئيسًا بشعر برتقالي ووجه عابر وسريع الغضب. بغضّ النظر عن عدد التهم الموجهة إليه، وعدد الوثائق السرية التي تتجول في حمامات وأقبية مارالاغو، لن تتم محاكمة ترامب أبدًا بتهمة الخيانة العظمى.
لسوء الحظ، لم يكن الحزب الجمهوري هو الذي أنشأ ترامب بهذا الشكل؛ بل في المقام الأول يرجع إلى أبيه الذي منحه هذه التربية الغربية، إذ كان يفضِّله على بقية أولاده وبناته، وجعله منذ الصغر نائبه ومسيِّر أعماله. وأيضا إلى الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية والذين لم يقترحوا قطّ «تتويج» الرئيس الأول جورج واشنطن ملكًا، لكنهم عاملوه على أنه ملك.
لقد كان الكونغرس الأمريكي الذي جرى تشكيله وقتها سيسمح بكل فخر وسرور لجورج واشنطن – الأب المؤسس نفسه- بالاحتفاظ بالسلطة طالما رغب في ذلك. لكنه تقاعد في عام 1797 بعد عهدتين مدة كل عهدة أربع سنوات، خوفًا من أن يؤدي استمرار رئاسته إلى الاستبداد. كانت هذه هي الحالة الأولى للنقل السلمي للسلطة الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية. واليوم يأمل ترامب في عكس هذا الاتجاه. ورغبته غير الخفية حقًّا هي تولي الرئاسة والتمسُّك بالمكتب البيضاوي حتى نهاية أيامه ليصبح أول ديكتاتور للولايات المتحدة.
تسعى مؤسسة هيريتيج، وهي أقوى مؤسسة فكرية محافظة في البلاد، إلى مساعدته على تحقيق هذا الهدف من خلال مشروع 2025، وهي خطة للتخلص من جميع الموظفين الفيدراليين واستبدالهم بأبواق مخلصين لجعل البيت الأبيض مقرّ السلطة، والرئيس الديكتاتور لسنوات قادمة.
ترامب ورفاقه لديهم القليل من الاهتمام بنتائج الانتخابات. إنهم لا يسعون حتى إلى الحصول على الفوز أو النصر. بالنسبة لهم، تعدّ الانتخابات الرئاسية ليوم 5 نوفمبر 2024 مجرّد مسرحية بسيطة لعرض الأزياء.
هذا أحد أسباب ترامب، وهو مشتت للغاية اليوم في حملته الانتخابية. إنه ليس مضطربًا عقليًّا. إن العملية الانتخابية ببساطة تزعجه؛ فبمجرد عودته إلى البيت الأبيض، يخطط لاستخدام القوات المسلحة الأمريكية ليقتل في المهد كل شكل من أشكال المعارضة أو الإخلال بالنظام العامّ، أو حتى إطلاق النار على المتظاهرين إذا لزم الأمر.
ترامب لا يخجل ولا يستحي. كان ينوي تمزيق الدستور الأمريكي والحكم كما لو كانت الولايات المتحدة شركة خاصّة سيكون له الحرية في الاستمتاع بها ويمكنه تدميرها كما يراه مناسبًا، كما فعل مع شركات أخرى في الماضي. والحزب الجمهوري تركه حرًّا. وقيل إنه زعيم تنظيم طائفي سري.
المسيحيون الإنجيليون في الولايات المتحدة الأمريكية، يعتبرونه مخلوقا إلهيا مقدسا، والمتعصبون منهم وصلوا إلى درجة أنهم أصبحوا يعبدونه لأنه سيحميهم يسوع ذو الشعر البرتقالي الجديد لأنهم يرون أعدادهم تنخفض وهم على وشك أن يفقدوا هيمنتهم على السياسة الأمريكية لصالح اللاتينيين والسود- الأفارقة والآسيويين والهنود الأمريكيين. ومع ذلك، فإن الحزب الجمهوري، أو ما تبقى منه اليوم، ليس الجاني الوحيد. لقد أدّى الديمقراطيون نفس العمل أيضا؛ فبايدن كان قد وعد بالحكم لعهدة واحدة فقط، ثُمّ يُكلف الحزب الديمقراطي بمرشح أصغر سنّا. ولكن لم يفِ بعهده وغيّر رأيه وقرر الترشح مرة أخرى.
هذا أحد أسباب ترامب، وهو مشتت للغاية اليوم في حملته الانتخابية. إنه ليس مضطربًا عقليًّا. إن العملية الانتخابية ببساطة تزعجه؛ فبمجرد عودته إلى البيت الأبيض، يخطط لاستخدام القوات المسلحة الأمريكية ليقتل في المهد كل شكل من أشكال المعارضة أو الإخلال بالنظام العامّ، أو حتى إطلاق النار على المتظاهرين إذا لزم الأمر.
وخلال لقائه الوحيد وجها لوجه مع ترامب، والتي ظهر خلالها معوزًا ومنفصلاً عن بيئته والواقع، وافق أخيرًا على الانسحاب وإعطاء «مباركته» لنائبته، كامالا هاريس، لتكون مرشحة له.
يخطط ترامب ورفاقه لزرع الفوضى الخلاقة في هذه الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وإخراجها عن مسارها بحيث لا يحصل أي من المرشحين، أي هو عن حزب الجمهوريين وكمالا هاريس عن حزب الديمقراطيين، على 270 صوتًا من الناخبين الكبار اللازمين للفوز، مما يعني أن ثقل القرار سيقع على عاتق مجلس النواب.
فنيل كاتيال، أحد أبرز القضاة في البلاد، يخشى خداع ترامب وحيله، ونيل كاتيال وهو قاضي كبير متخصِّص في القانون الدستوري، أدرك أنه إذا كان التصويت ضيِّقًا للغاية في هذه الانتخابات الرئاسية، في ولاية أو ولايتين، يصوِّت الناخبون الرئيسيون في وقت متأخّر، فسيكون لكل ولاية ممثله في مجلس النواب صوتٌ واحد لتحديد من سيكون الرئيس القادم؛ وفي الكونغرس الحالي، لدينا 26 ولاية حمراء و24 ولاية زرقاء، مما يعني أنه ما لم يكن هناك تغييرٌ في «لون» الكونغرس، فإن ترامب سيعود إلى البيت الأبيض، وفي الواقع لن يهمَّ كثيرًا ما إذا كان قد سيخسر أو سيفوز.
الاحتفال بالكراهية
إن أولئك الذين يؤمنون بإجراء انتخابات حرة ونزيهة قد تعرّضوا للتو للضرب بالمطرقة على رؤوسهم، فقد قررت صحيفة “واشنطن بوست”، التي ساهم عملها الاستقصائي العنيد في الماضي في سقوط رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي ريتشارد نيكسون من خلال العمل الذي قام به الصِّحافي الكبير بوب وودوارد، والذي يتحفنا اليوم بكتاب قيم بعنوان “الحرب”، يشكف فيه كواليس الحرب في أوكرانيا وأيضا الشرق الأوسط، وبعض المواقف المخزية لبعض الحكام العرب، الذين يساندون الكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية، ويعلنون صراحة في لقاءاتهم مع وزير الخارجية الأمريكية أنهم ضد حركة حماس، وحزب الله، باختصار هم مع التطبيع الكلي مع الكيان الصهيوني.
قلت إنّ هذه الصحيفة قررت عدم الانحياز إلى أي طرف في هذه الانتخابات، فلن تدعم اليوم أيًّا من المرشحين. وفي عام 2017، بعد فوز ترامب، تبنّت الصحيفة شعارا جديدا وضعته على رأس الصحيفة: “الديمقراطية تموت في الظلام”، لقد كانت صرخة حاشدة لأولئك الذين لم يعودوا قادرين على تحمّل أكاذيب ترامب الدائمة ومحاولاته المتكررة لاختطاف الرئاسة لصالحه.
دعونا نلقي نظرة خلف الستار عن جيف بيزوس، الرئيس السابق لشركة “أمازون” والمالك الحالي لصحيفة “واشنطن بوست”، لم يرغب في إزعاج ترامب في حالة تحقيق النصر. لقد أصبح جُبنه صرخة حرب لأنه أثار غضب الكثير من الناخبين الذين شعروا بالخيانة من قبل الصحيفة. وحتى إذا فازت كامالا هاريس، فلا يسعني إلا أن أعتقد أن الديمقراطية قد نزلت بالفعل إلى قلب الظلام وستبقى هناك لفترة طويلة جدًّا.
كان تجمع ترامب في ماديسون سكوير غاردن يوم الأحد، 27 أكتوبر، دليلاً حيًّا على ذلك. لقد كان «احتفالًا بالكراهية» وليس الاجتماع الختامي للحملة.
شوّه ترامب سمعة جميع الديمقراطيين ووصفهم بأنهم «العدو الداخلي»، ووصف هاريس بـ”عاهرة محاطة بقوَّادها”. ووصفت صحيفة “نيويورك تايمز” الحدث بأنه «مهرجان للشكاوى وكراهية النساء والعنصرية». إنه لأمرٌ مخيف أن يبدأ موت أمريكا وينتهي بكرنفال بشع جرى تنظيمه تحت قيادة الرئيس السابق والمرشح للرئاسيات اليوم دونالد ترامب.
فهل الصندوق الانتخابي الأمريكي في الخامس من نوفمبر 2024، سيؤكد ما كُتب في هذه المقالة، أم سيكذبها؟!.