-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل كان أفضل رمضان صُمناه؟

سلطان بركاني
  • 562
  • 0
هل كان أفضل رمضان صُمناه؟

رمضان هذا العام لم يكن كأيّ رمضان آخر عشناه.. جاء سريعا ومرّ سريعا ورحل سريعا، كما هي عادة ضيفنا العزيز، لكنّنا وجدنا فيه شعورا مختلفا.. أدركنا فيه أنّ الأمّة تحبّ دينها وتحبّ العودة إليه، وهي تنتظر من يسعفها ويقودها.. في رمضان هذا العام أعلنت كثير من وسائل الإعلام -كعادتها- الاستنفار لشغل المسلمين بدنياهم عن رمضان، وكثّفت نشاطها وضاعفت جهودها، لكنّ عباد الله المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أقبلوا على بيوت الله وعلى القيام وأعمال الخير إقبالا لم يسبق له مثيل.
ازدادت أفواج العائدين إلى الله، وزاد عدد الشباب التائبين بفضل الله، وامتلأت المساجد عن آخرها وصلى الناس في الساحات.. ((أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ الَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا)).. وبقيت المساجد عامرة إلى آخر ليلة من رمضان بخلاف السنوات الماضية.. عانت الأمّة هذا العام غلاءً فاحشا لم تعرف له من قبل نظيرا، لكن مع ذلك تضاعفت الصّدقات والأعطيات، وعاين النّاشطون في المساجد من الخير ما أذهلهم؛ رجال يقفون مواقف في عمل الخير تذكّر بأحوال السلف الأوائل، ينفقون نفقة من لا يخشى الفقر. رجال أياديهم بيضاء لا تكلّ ولا تملّ، أدخلوا بأيديهم المعطاءة الفرحة إلى عشرات البيوت الفقيرة، فلله كم أفرحوا من أرامل وأيتام وفقراء معدمين! ولله كم من أيد ارتفعت لهم بالدعاء أن يجزيهم الله في الدنيا والآخرة خير الجزاء وأن يجعل ما قدّموا ذخرا لهم ويجعلهم في ظلّ صدقاتهم يوم القيامة.
رمضان هذا العام جعلنا نتمنّى حقيقة أن لو كان العام كلّه رمضان، وكانت الأشهر كلّها رمضان.. وهذا ممكن.. فهذا الشّهر الفضيل يعود كلّ عام ليذكّرنا بأنّ الحياة كلّها يمكن أن تتحوّل إلى رمضان.. بل يجب أن تكون أشهرنا كلّها مثل رمضان.. وإذا أردنا أن تكون حياتنا كلّها أعيادا وتكون آخرتنا عيدا، فلنجعل حياتنا كلّها رمضان؛ نغضّ أبصارنا عن الحرام في كلّ يوم، ونكفّ ألسنتنا عن الغيبة وقول الزّور والكلام فيما لا يعنينا كلّ يوم.. ونعمر بيوت الله عند كلّ صلاة، ونتلو كتاب الله في كلّ يوم، ونقوم الليل في كلّ ليلة، ونصوم في كلّ أسبوع وفي كلّ شهر، ونبذل من رواتبنا ومن أرباح تجاراتنا كلّ شهر.
في كلّ يوم من رمضان، نجد في قلوبنا فرحة غامرة عند الإفطار بعد يوم من الجوع والعطش والتعب، ثمّ تزداد السعادة في قلوبنا وأرواحنا عند آخر تسليمة من صلاة التراويح.. ثمّ إذا أتممنا عدّة شهر رمضان، فرحنا يوم العيد بصيامنا وقيامنا وختمنا لكلام الله.. وصدق الحبيب المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى حين قال: “للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه”.
إنّها السّعادة الحقيقية والحياة الطيبة التي وعد الله عبده المستقيم على طاعته ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون))، ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون)).. سعادة يمكن أن تستمرّ مع العبد المؤمن بعد رمضان، وفي أيام عمره كلّها، إن هو داوم على طاعة الله وثبت على الاستقامة، سعادة تجعله يعيش ببدنه في الدّنيا بينما قلبه وروحه في الجنّة، وما عند الله أوفى، يقول أحد العلماء: “لو عشت حياتك كأنك في رمضان، ستجد آخرتك عيدا”.. العيد يعقب رمضان، وهو يوم فرحة حقيقية لكلّ عبد صام أيام رمضان وقام لياليه إيمانا واحتسابا، وهكذا العبد المؤمن الذي يجعل حياته كلّها رمضان، فإنّه يفرح يوم يلقى ربّه، ويكون يوم لقائه بمولاه الذي خشيه واتّقاه بالغيب، عيدا.
هكذا يتعلّم العبد المؤمن درسا من أهمّ دروس رمضان، ويُدرك أنّ الحياة الطيّبة والسّعادة ليست في المآكل والمشارب والملاذّ، إنّما هي في دمعة تسيل على الخدّ من خشية الله وشوقا إلى جنّته ومستقرّ رحمته.. السعادة الحقيقية في ركعتين تركعهما المؤمنة في جوف الله ثمّ ترفع يديها وتدعو وتتذلّل وتسبل الدّمعات، ليصبح القلب منشرحا والوجه منيرا بإذن الله ربّ الأرض والسّماوات.. الحياة الطيّبة والسّعادة في الصّلاة لوقتها في بيت الله مع جماعة المسلمين.. في مجاهدة النّفس على الخشوع في الصّلاة وترويض القلب على الحضور عند تكبيرة الإحرام.. في الأنس بكتاب الله جلّ وعلا.. حين يستشعر العبد المؤمن وهو يفتح المصحف أنّه يقرأ كلام ملك الملوك وربّ الأرباب.. حينما يحسّ بأنّ الله يخاطبه بذلك الكلام.. يأمره وينهاه.. يعظه ويذكّره ويرغّبه ويرهّبه… هذه هي الحياة الطيّبة التي يجدها العبد المؤمن في أيام وليالي رمضان بقلبه وروحه وجوانحه وجوارحه، فلا ينقضي رمضان إلا وقد ألفها واعتادها، وأصبح لا يقبل لها بديلا ولا يبغي عنها حولا، ولا يرضى أبدا أن ينكص عنها ويعود إلى حياة الغفلة والحرمان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!