هل نسير نحو التحضر؟.. جهود للحفاظ على المنشآت الاجتماعية والقضاء على الآفات

خراب كبير، ظل يطال المنشآت العمومية، لسنوات، بسبب قلة انتشار الوعي بين المواطنين، فلا تكاد تجلس في موقف أو حافلة أو قطار، إلا ولاحظت الكراسي ممزقة والزجاج مكسرا. وكذلك الأمر، بالنسبة إلى طاولات المدارس وسبوراتها وعتاد المستشفيات، وما إلى ذلك، يعيث فيه أبناء الشعب دمارا، وكأنهم ليسوا المستفيد الأول والأخير منه، ما جعل الالتزام بسياسة اجتماعية صارمة لضبط السلوك المدني أمرا في غاية الضرورة على طريق التحضر واللحاق بركب البلدان التي تحترم نفسها.
صناعة القدوة، ثقافة جديدة في المجتمع الجزائري
بدأ تركيز الأولياء على الجهود الشخصية يزيد، خلال السنوات الأخيرة، ولم يعد يعول أو يعتمد كليا على ما يعلمه الطفل بالفطرة أو يتعلمه بالصدفة، كأسلوب ناجع لإخراج جيل سوي، حين طغى الطالح على الصالح في المجتمع. لهذا، نلاحظ أن العديد من الأسر الجزائرية، في الآونة الأخيرة، قد أخذت زمام الالتزام بالأخلاق العالية والقيم الدينية والحضارية، لتقدم بذاتها النموذج الصحيح لأبنائها، من خلال تعليمهم منذ الصغر وبالتجربة الميدانية ضرورة الحفاظ على الملكية العامة، لتعود إليهم سليمة، كواجب مدني وديني وإنساني. تؤكد الأخصائية في علم النفس، الأستاذة نادية جوادي: “من خلال احتكاكي مع عدد كبير من الأولياء، الذين يسعون إلى تطوير مهارات التواصل السليم والاستماع الجيد والإقناع، لمست رغبتهم في تحسين سلوك أبنائهم من أجل غاية جماعية. فالأجيال السابقة، لم تكن بهذا الوعي الذي يدفعها إلى التطور، لترك تأثير أشد في نفوس أبنائهم وإعطائهم القواعد السليمة..”.
تحدثت الأخصائية للشروق العربي عن ظواهر تأتت عن جهود صناعة القدوة: “التزام الأولياء المتزايد بقيم مثل الإخلاص والتعاون والتحلي بالمسؤولية، والتعاطف.. يساعدنا تدريجيا على انتشال المجتمع، ليس فقط من التخريب المادي، وإنما حتى مما طاله من انتشار آفات حثيثة كالتنمر، و”الحقرة”، المحسوبية..”.
يدا بيد.. المدرسة تكثف جهودها في مساعدة الأولياء لتربية جيل بناء
يبدو، أن سياسات الردع التي لطالما انتهجها المنشئون قد باءت بالفشل. فهذا، ما أظهرته نتائجها على جميع المستويات، الضرب وحرمان الحقوق والإقصاء.. كلها مناهج تقليدية عقيمة لم تأت إلا بأجيال من المتمردين، المفتقرين إلى الوطنية وروح المسؤولية. لهذا، تعمل المنظومة التربوية اليوم، وبالتكاتف مع أولياء التلاميذ، على إصلاح ما فاتها مع الأجيال السابقة. وذلك، بخلق أنشطة تحبب التلميذ في محيطه المدرسي، وتقنعه بأن كل محيط يستغله هو امتداد لملكيته الخاصة، فالمستوصف الذي يتلقى فيه العلاج يخصه هو أيضا ومن واجبه الحفاظ على نظافته واحترام طاقمه، لأنه في الموقع الذي يستفيد منه..
إن بناء هذه الروح الجماعية أمر صعب، بحسب الخبراء. تقول الأستاذة كريمة رويبي، مختصة في الشأن الاجتماعي: “ليس من السهل زرع روح المسؤولية في الناشئة، خاصة في وجود الكثير من الأنانيين والساخطين في محيطهم، ولكن ما نلاحظه اليوم، هو سعي جبار باستخدام كل الوسائل الأخلاقية والدينية والإنسانية، لبناء نماذج إيجابية في المجتمع، بدءا من رياض الأطفال التي باتت تشركهم على صغر سنهم في التنظيف والترتيب وتلقنهم التربية الحضارية، منذ أولى سنواتهم، مرورا بالتوعية والإرشاد وتغيير لهجة الأمر إلى التحبيب والترغيب في خدمة الوطن والحفاظ على منشآته..”.
ما دور مواقع التواصل الاجتماعي؟
لعله أكبر دور تبناه الشعب ذاته عبر الإنترنت، من خلال إطلاق حملات توعوية عبارة عن منشورات مكتوبة، مرسومة أو ولوحات تمثيلية، وبأسلوب آخر، كان ولا يزال الردع باستخدام المواقع بقوة ما يمارسه القانون، أو لنقل دورين متكاملين، المواطن غيّر الرأي في سلوك مشين، تخريب أو سرقة.. يصور الجاني ويطلق فيديوهاته على المواقع، حتى يتم التعرف عليه من قبل المواطنين ورجال القانون أيضا، وللفضيحة أحيانا حكم أكبر من عقاب المشرع.