-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل نشهد الحرب الإيرانية–الإسرائيلية الكبرى؟

لؤي صوالحة
  • 539
  • 0
هل نشهد الحرب الإيرانية–الإسرائيلية الكبرى؟
أرشيف
العدوان الصهيوني على إيران

في فجر الثالث عشر من يونيو/حزيران 2025، استيقظ العالم على صوت مختلف، لا يشبه صواريخ غزة، ولا يشبه اشتباكات الحدود اللبنانية، ولا حتى المناوشات في مضيق هرمز.

هذه المرة، الضربة جاءت من فوق تل ألربيع إلى عمق أصفهان وقلب طهران. ماتسمى باسرائيل شنه ما وصفه أجهزتها الاستخبارية بأنه “ضربة استباقية معقدة ودقيقة”، لكنها في الواقع كانت إعلانًا غير مباشر بأن الصراع مع إيران لم يعد مسألة تهديدات بل انتقل إلى طور التنفيذ. والرد الإيراني، كما كان متوقعًا، لم يأتِ ببيان، بل بأسراب من المسيّرات والصواريخ في عملية وُصفت بأنها الأعنف منذ حرب الخليج.

السؤال الذي طرح نفسه في اللحظة التالية مباشرة، لم يكن عن مدى نجاح الغارات، أو عن عدد القتلى، بل عن المصطلح ذاته: هل ما يحدث “حرب”؟ وإن لم تكن كذلك، فمتى تبدأ الحروب؟ ومتى يُعلن للعالم أنها بدأت؟ نحن هنا لا نتحدث عن سفطئة لغوية أو ترف مفاهيمي. توصيف الحدث ليس مجرد جدل إعلامي، بل مفتاح قانوني وسياسي.

فبمجرد أن نصف ما جرى بـ”الحرب”، تتغيّر قواعد الاشتباك، وتتدخل قوانين لاهاي وجنيف، ويُستدعى القانون الدولي الإنساني، وتُفتح ملفات جرائم الحرب، وتُنشّط تحركات مجلس الأمن. وهذا ما تخشاه كل من دولة الكيان الصهيوني وطهران في هذه المرحلة الحساسة.

ومع ذلك، فإن كل ما جرى حتى اللحظة يُشبه الحروب الكاملة: الهجمات استهدفت مواقع سيادية وعسكرية، طالت قيادات بارزة في الحرس الثوري الإيراني بينهم اللواء حسين سلامي واللواء محمد باقري، وضربت منشآت مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.

أما الرد الإيراني، فحمل توقيع الدولة لا الميليشيا، استخدم مئات الطائرات المسيّرة، نظم موجات صاروخية، وأسقط قواعد اشتباك عمرها عقدان. فمتى تبدأ الحرب إذاً، إن لم تكن قد بدأت حين تقصف دولةٌ عاصمة دولةٍ أخرى وترد الثانية بصواريخ باليستية على العمق؟ هل تحتاج الحرب إلى إعلان رسمي كي تُعترف بها؟ أم أن إعلانها بات لُغوًا قديمًا في زمن تتحول فيه الصواريخ إلى رسائل دبلوماسية؟ ثمة شيء أكثر خطورة في هذا النوع من الصراع: هو صراع بلا اسم، بلا توقيع واضح، لكن نتائجه دامية ومدوية.

الحرب هنا تُخاض على شاشات الرادار وغرف التحكم عن بعد، وفي الفضاء الإلكتروني، وعبر فرق الظل. لم تعد الحروب تتطلب تحريك فيالق، بل مجرّد ضغط على زر.

والحروب الجديدة لا تحتاج إلى جيوش نظامية، بل إلى طائرات بلا طيار، وفِرق سيبرانية، ومراكز تحليل بيانات. ومع ذلك، هناك بُعد لا يمكن تجاهله: هذه الضربات ليست مجرد رسائل ردع، بل تعكس تحوّلًا جذريًا في معادلة القوة. إسرائيل، بعد سنوات من التحرك عبر الوكلاء، اتخذت قرارًا بالمواجهة المباشرة.

لم تعد تكتفي باغتيال قادة في بغداد أو دمشق، بل دخلت إلى قلب المؤسسة الأمنية والعلمية الإيرانية. الهدف الواضح هو تقويض البنية التحتية لأي مشروع نووي عسكري إيراني، قبل أن يقترب من العتبة الحرجة.

في المقابل، جاءت الردود الإيرانية أكثر تنظيمًا من أي وقت مضى. لم تكن هذه المرة انتقامًا شعبويًا أو تحركًا متهورًا، بل عملية متدرجة، منسقة، مع رسائل واضحة في كل اتجاه: إيران قادرة على الرد، ولديها القدرة على خرق الدفاعات، والوصول إلى العمق الإسرائيلي. والعالم يراقب بصمت.

واشنطن تُرسل إشارات متضاربة، تدعو إلى التهدئة لكنها لا تُدين الهجوم الصهيوني ، وتؤكد على “حق الدوله الصهيونيه في الدفاع عن نفسها”، فيما تدعو إيران إلى “ضبط النفس”.

روسيا والصين في وضع مراقبة تكتيكية، تسجّلان النقاط بهدوء، بينما أوروبا تتخبط بين الخوف من حرب إقليمية شاملة وفقدان السيطرة على أي مفاوضات مستقبلية بشأن البرنامج النووي الإيراني. لكن ما يثير القلق أن الطرفين، رغم الضربات والردود، لا يسعيان إلى الحرب الكاملة، ولا إلى السلام الحقيقي. ما نراه هو إدارة تصعيد، لا حسم.

كل طرف يريد أن يُضعف الآخر، دون أن يدفع ثمن الحرب المباشرة. لكن في مثل هذه المعادلة، الخطأ مكلف. صاروخ واحد في الاتجاه الخطأ، أو مقتل شخصية بالخطأ، قد يجرّ المنطقة كلها إلى دوامة لا خروج منها.

الأخطر أن هذه المواجهة تجري في وقت يختنق فيه الإقليم بأزمات مفتوحة: من غزة التي لم تلتقط أنفاسها بعد من عدوان مايو، إلى الضفة الغربية التي تشهد عمليات اقتحام يومية، إلى لبنان المعلّق بين هدنة قابلة للانفجار واشتباك مؤجل. في مثل هذا السياق، كل شرارة قد تصبح نارًا. ولا بد أن نعترف بأن المشهد لا يُدار فقط من طهران والكيان الصهيوني.

هناك غرفة تحكّم غير مرئية تدير الإيقاع: واشنطن تراقب توقيت الضربات وسقف الردود، والرياض تزن أثر التصعيد على خارطة التطبيع، وبغداد ودمشق وبيروت تستعدّ للأسوأ في حال توسّع الاشتباك. ومع كل هذا، تبقى الشعوب هي الخاسر الوحيد.

ففي إيران، استُهدفت نخبة من العلماء والضباط الذين يُعتبرون رموزًا وطنية، وفي إسرائيل، يهرع ملايين إلى الملاجئ كلما سُمعت صفارات الإنذار، وفي غزة، يُقرأ هذا التصعيد كإنذار باقتراب مرحلة أكثر دموية. الحروب في الشرق الأوسط لم تعد تبدأ بإعلان ولا تنتهي باتفاق، بل تبدأ بتصعيد لا أحد يريد أن يسميه باسمه، وتستمر كأنها واقع لا مفرّ منه.

وإذا كان التاريخ يُكتب اليوم بصواريخ، فإن الجغرافيا تُعاد رسمها بخطوط النار. نحن أمام مشهد غير مسبوق. ما يحدث ليس حربًا تقليدية، لكنه يتجاوز كل ما كان يسمى “مواجهة محدودة”. إنه فصل جديد في المواجهة الطويلة بين إيران وإلكيان الصهيوني ، لكنه ليس الأخير.

فطالما بقيت المنطقة بلا توازن حقيقي، وطالما بقيت العواصم تُدار من الخارج أكثر مما تُدار من الداخل، فإن هذه الحرب – مهما كان اسمها – ستبقى تتكرّر بأشكال وأصوات مختلفة. وهكذا، دون إعلان، ودون رايات، ودون بيان رسمي، بدأت الحرب. وربما لن تنتهي قريبًا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!