هل نفرح بالمشروع الأمريكي 2.0؟

نظريتان مطروحتان الآن بشأن السياسة الأمريكية في المنطقة العربية. واحدة تقول إن الأمريكي إنما هو قادمٌ لإدخال بعض التغيير في استراتيجيته، إن لم يكن قد بدأ في طرح مشروع جديد 2.0 يختلف عن المشروع السابق الذي بدأ منذ إعلان الحرب على الإرهاب سنة 2001، يُعطي الأولوية للاقتصادي والسياسي على الأمني العسكري. والثانية ترى بأن لا تغيير في الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وأن الاستناد إلى القوة العسكرية والأمنية وذراعها الكيان الصهيوني يبقى هو العمود الفقري للسياسة الأمريكية ولا تحقيق للمصالح من أي نوع كانت بدونهما، فأي من النظرتين أقرب إلى الواقع والحقيقة؟
هناك عدة مؤشرات يمكن الاستناد إليها للفصل فيما إذا كان هناك تغيير أم لا، وما هي شدة هذا التغيير، وأي المآلات سيعرفها في المستقبل؟
المؤشر الأول يتعلق بعلاقة العسكري بالاقتصادي في العلاقات الدولية اليوم. هل ثمة فصل بينهما؟ يبدو من خلال التوجّه العامّ للقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي أن الاتجاه الغالب في العالم هو التحول نحو مزيد من الارتكاز على القوة العسكرية لضمان المصالح الاقتصادية ولِضمان الريادة في العالم. أي ليس هناك أي تفريط في امتلاك مزيد من القدرات العسكرية لحماية المصالح الاقتصادية. ومما يدل على ذلك هو توجه السياسة الأمريكية الحالية لتأمين المعابر البحرية عسكريا، والسعي لإيجاد حلول عاجلة لبؤر التوتر السائدة في العالم من خلال التفاوض مع القوى الدولية والكيانات المحلية ذات الشأن العسكري والتي لم تتمكن القوة العسكرية الأمريكية من التغلب عليها أو تحييدها (روسيا في أوكرانيا، إيران في الخليج كدول والحوثيون والمقاومة الفلسطينية كقوى دون مستوى الدولة).
أما المؤشر الثاني فيتعلق بعلاقة الصين بكل هذا، إذ يبدو أن السياسة الأمريكية في طبعتها الثانية هذه إنما أرادت البدء من حيث انتهت إليه الصين (لا حروبا عسكرية بل تجارية فقط)، لعلها تُنقص من الهوة الفاصلة بين تجارتها والصين وتدّخر بعض الجهد للمنافسة الشرسة القادمة في مجالات التكنولوجيات المتقدمة. ولذلك تجد ترامب اليوم في منطقة الخليج يرافقه وفدٌ كبير من المستثمرين والشركات والمؤسسات المالية المرموقة على رأسهم “تسلا” و”بلاك هوك” و”سيتي غروب” و”بوينغ “… يريد تقليص المساحات أمام الصين التي باتت شريكا قويا في منطقة الخليج وبخاصة مع السعودية من دون تكاليف عسكرية تُذكر.
وبين هذين المؤشرين تأتي القضية الفلسطينية لتكون المؤشر الفاصل (المتغير الخفي) الذي يمكنه أن يُفيدنا أن ما يحدث اليوم هو تغير حقيقي في الاستراتيجية الأمريكية أم مجرد سعي لتطوير علاقات مصلحية وتجارية ستنتهي بانتهاء عهدة ترامب… ذلك أن القضية الفلسطينية إنما تحمل في طياتها جميع الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية والأيديولوجية والعقائدية والحضارية، وهي التي يمكنها أن تدلنا على طبيعة التوجه الحالي والمستقبلي للسياسة الأمريكية في المنطقة.
إذا ما اقترنت كل عناصر الشراكة الجديدة للسعودية والدول الخليجية الأخرى مع الولايات المتحدة بحل عادل للقضية الفلسطينية يُفرَض على الكيان الصهيوني القبول به ضمن محتوى المبادرة العربية في أدنى حدودها (قيام الدولتين)، فإنَّنا يمكن الحديث عن وجود مشروع أمريكي 2.0، والبداية سنعرفها في الأيام القليلة القادمة من خلال التعامل مع ملف العدوان على غزة. إذا ما أوقفت الحرب، وبدأت عملية الإغاثة ثم الإعمار، فإننا سنكون بالفعل أمام تبدُّل جوهري في السياسة الأمريكية يوقف التعامل مع التطرف الصهيوني في المنطقة ويسعى للتراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان من طرف واحد، ويفضي بالمحصلة إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة… أما إذا ما تأجل ذلك، أو بقي غامضا، بعد نهاية زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة، فإن كل ما اعتبر شراكة أو اتفاقيات استراتيجية لن يكون سوى استمرار لما عرفته المنطقة من قبل، ولا حديث عن مشروع أمريكي 2.0 ولا هم يحزنون.