هل يدفع أرباب العمل أجرا مقابل عدم الإنتاج؟

تسمح كل المؤسسات العمومية أو الخاصة باستخدام موظفيها الهواتف الذكية. فلم يعد التحكم في استخدام الإنترنت ممكنا، خلال السنوات الأخيرة. وهذا، ما أثر سلبا على إنتاجية المؤسسات، لانشغال الموظف لساعات في التواصل عبر المواقع ومشاهدة المقاطع، بحيث يكون حاضرا بجسده غائبا بعقله وتفكيره، وهو ما استدعى من أرباب العمل اتخاذ إجراءات وسن تعليمات خاصة، بحسب طبيعة العمل لضمان استمراره.
موظفات يحضرن الأعراس والجنائز من المكتب
كانت الساعة تشير إلى نحو الرابعة وخمس دقائق من مساء يوم عمل عادي، عندما دخلنا مركز بريد وسط البليدة، يشهد حركية كبيرة.. الواقف في انتظار دوره، يلاحظ أن هناك شباكا لا يتم عرض رقمه على الشاشة، رغم أن به موظفة. دقائق ويظهر، الصدفة، أنه الرقم ذاته الذي علينا التوجه إليه، وقد كانت صاحبته لا تزال تحضر عرسا إلكترونيا بالصوت والصورة، منغمسة تماما وسط الزغاريد التي لا يظهر صداها بين فوضى مركز البريد، مبتسمة تارة، متعجبة أخرى، تقترب من الهاتف لتتفقد الحضور أو تعاين أمرا غير ذلك، فلم تنتبه حتى لوقوف عميل في الشباك، إلا بعد دقائق ثم مخاطبتها بصوت مرتفع.. لقد عدنا بها إلى الواقع مجددا، وهذا ما أزعجها وجعلها تفتعل أي سبب لعدم تقديم الخدمة.
الغريب، أن رئيسة المركز كان لها رد مؤيد: “نحضر الأعراس أو الجنائز، لا أحد له دخل مادمنا هنا في خدمة الشعب”.
هل ولى زمن المحاسبة على الحضور؟
لطالما كان غياب الموظفين يؤرق أرباب العمل، لكونه السبب الوحيد وراء تأخر الإنتاج في مختلف المجالات، هذا قبل أن تكون التكنولوجيا في يد الجميع، ويصبح الموظف حاضرا غائبا، لا يؤدي وظيفته التي وجد لأجلها، أو يتقاعس عنها، فلا ينتج بقدر المطلوب أو بالجودة المطلوبة، سواء كانت خدمة أم منتجا ماديا، وهو ربما من مؤشرات تردي الكثير من السلع والخدمات التي يشرف عليها البشر، دون الآلة.
عمي باديس، صاحب ورشة نجارة بالشفة غربي البليدة، يزاول نشاطه هذا منذ أزيد من 40 سنة، يتقاضى فيها النجارون أجرهم بيوم حضورهم، فلم يكن عليه الوقوف في الورشة لمتابعة العمل، غير أنه لاحظ خلال السنوات الأخيرة تأخرا غير معقول في الإنتاج، مع تردي الجودة ووجود الكثير من الأعطاب في أثاثه، ما جعل زبائنه يشتكون، يقول: “انتبهت إلى أن الشباب يقضون ساعات وساعات يضحكون على فيديوهات التيك توك، ويتحدثون مع الفتيات عبر الهاتف والمسنجر، يلتقطون الصور على أنهم منهمكون في العمل، فقررت تغيير أسلوب المحاسبة، بحيث يتلقى كل نجار أجر ما أنجز من قطع كاملة بلا عطب، حتى وإن أتى متأخرا إلى الورشة أو رحل قبل الوقت المناسب، فقدت الكثير من موظفي التيك توك كما أسميهم، وربحت بعض الشباب الجاد المتقن الذي لا تأخذ الإنترنت من عمره وجهده أجمله”.
كاميرات ترصد النشاط وتحد من خصوصية الموظفين
بالنسبة إلى الأستاذ لزهر زين الدين، وهو خبير اجتماعي: “استخدام الكاميرات في مقر العمل قد لا يتناسب مع طبيعة الموظف الجزائري، خاصة إذا كان من ضمن الفريق عاملات إناث، يتطفل عليهن رب العمل، مع أن القوانين تسمح بذلك، وأصبحت تشجع عليه لأسباب لا تتعلق بالإنتاجية وإنما بضمان توثيق حقوق العمال وأمانهم ضد الاعتداءات والتحرشات”. أما بالنسبة إلى العديد من أرباب العمل، فهذا يعتبر الحل الأمثل لتمييز الموظف الغشاش الذي يقضي وقته على الإنترنت، بينما لا ينجز مهامه، ويتقاضى أجرة من جهود البقية. السيدة سامية، صاحبة ورشة خياطة بالعاصمة، ظلت متعجبة فيما تقضي موظفاتها الست يومهن الطويل في غيابها، فركبت كميرا دون علمهن في البداية، تقول: “ليتني لم أفعل، منذ أول يوم وجدت الجميع يجلسن على كرسي الماكنة يغرسن أعينهن في هاتف، ثم يلتفتن إلى بعضهن ليضحكن على مقطع ما أو يناقشن موضوعا وجدته إحداهن على المواقع، يعملن قليلا ويغبن طويلا”. تؤكد السيدة سامية أنها عندما واجهت العاملات بالتسجيلات احتججن واتفقن على تهديدها بإدانتها ومتابعتها قضائيا، لانتهاك خصوصيتهن، بعد أشهر على هذا الوضع، يؤخذ المال مقابل ساعات على الإنترنت.