-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل يكفي رحيل سيدهم السعيد؟

هل يكفي رحيل سيدهم السعيد؟

وأخيرا سقط عرّاب “السلم الاجتماعي” المغشوش من على رأس المركزية النقابيّة للعمّال الجزائريين، تلك الهيئة التمثيليّة التي ظلّت في الحقيقة مختطَفة منذ أوائل الاستقلال، وإنْ بدرجات متفاوتة من مرحلة إلى أخرى، لكنها في كل الأحوال، لم تعبّر يومًا عن هموم الطبقة الشغيلة، بقدر دفاعها عن السياسة العامّة وتوجهات السلطة القائمة، من زمن الاشتراكية إلى العهدة الخامسة، مرورا بـ”لجنة إغراق الجمهوريّة” السيّئة الذكر.

ما ينطبق على نقابة العمال الأولى في الجزائر من انحرافٍ جوهري عن مبررات وجودها التنظيمي والجمعوي، ينسحب في الواقع على كافّة المنظمات الجماهيريّة الموروثة من عهد الأحاديّة البائدة، وإذا كان الدور التهريجي لتلك المنظمات الدعائيّة مفهومًا إلى حدّ ما في فترة الحزب الواحد، على اعتبار أنها مجرّد أدوات للتعبئة الشعبيّة لمشروع النظام السياسي ورموزه، فإنّ استنساخ تلك التجربة الفاسدة مع عشرات الأحزاب وآلاف الجمعيّات المدنيّة في ظلّ التعدّدية، منذ إجهاض المسار الانتخابي مطلع التسعينيات، كان مَفسدة خطيرة على الحياة العامّة، وليس فقط على الممارسة السياسيّة أو ديمقراطيّة الواجهة، لأنه أفضى في نهاية المطاف إلى فساد الأخلاق الاجتماعية، عن طريق تكريس الزبائنيّة السياسيّة لدى السلطة في كافّة المستويات المركزية والمحليّة، بخلق قطاع واسع من الانتهازيّين الذين باعوا شرفهم للطمع، واضعين مصالح الوطن العليا في مزاد النخاسة، لأجل قضاء مآربهم الساقطة.

اليوم، وعلى وقع الحَراك الشعبي المبارك، فرّ “سيدهم السعيد” بجلده من تمثيل عمال لم يفوّضوه مصيرهم إلا للدفاع عن حقوقهم، لكنه خلال ربع قرن تقريبًا، جعلهم سلعةً رخيصة للمقايضة السياسيّة بأثمان مهنيّة بخسة، حتى انفضّت الطبقة العماليّة من حوله، ولم يبق في المركزيّة العتيدة سوى ديناصورات مندثرة، أبتْ أن تبرح مواقعها طيلة عقودٍ من الاستغلال ونهب المزايا غير المستحقة، باستثناء مناضلين مخلصين في سبيل المقهورين من الموظّفين البسطاء.

إنّ “الهبوط الاضطراري” لرأس النقابة العماليّة لا يكفي وحده لتصحيح المسار الخطأ، بل وجب على القيادة الجديدة إعادة التنظيم سريعًا إلى قواعده ومبادئه وأهدافه، منافحًا عن الحقوق الاجتماعية، وسندًا للمجتمع في تطلعاته نحو الحريّة والكرامة، ولو أنّ الأصداء لا تبشّر بتحوّل كبير مأمول أضحى من حتميّات التاريخ والجغرافيا.

أكثر من ذلك، فإنّ مصير “سيدهم السعيد” يجب أن يمتدّ إلى باقي التنظيمات التاريخيّة، من الكشافة إلى الأسرة الثوريّة واتحاد النساء والتجار وسواها، وليس المقصود أبدا استخلاف شخص بآخر في عمليات تجميل مشوّهة لتغيير الجلود الجرباء، بل تصويب كامل للمسار المنحرف، بالعودة إلى الأصل التأسيسي، عبر المساهمة الصادقة في التنمية الوطنيّة، بعيدا عن الاستعمال غير الأخلاقي في تحقيق المنافع الخاصّة، وإلاّ ستُحال جميعها على المتحف وجوبًا، بفعل التآكل وانتهاء الصلاحيّة.

لقد ذكرنا المنظمات الرمزيّة في الذاكرة الجماعيّة للجزائريين، دون غيرها من تشكيلات حزبيّة، لأنّنا نعتبر الأولى موروثا حضاريّا مشتركًا، ومعالم أساسيّة في تاريخنا الوطني الحديث، لا نريد لها أن تندثر في غياهب النسيان بجريرة النفعيّين، بل أملنا أن تظلّ منارات متّقدة للنضال المتجدّد عبر الأجيال لأجل الوطن.

أمّا تلك التنظيمات المُستفيدة في موالاةٍ مُفيدة، بمختلف ألوانها وأشكالها ومجالات نشاطها، فقد لفظها التاريخ منذ اندلاع حراك 22 فيفري، وهي اليوم في اعتقادنا صفحة من الماضي الأسود للتجربة التعدّدية في بلادنا، فلا ينفعها ترقيعٌ ولا تلميع في استعادة عذريّة انتهكها زُناة المال العام، إلا أن تنتكس، لا قدّر الله، ثورة الشعب على أعقابها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • نسومر الأوراس

    لايكفي ، الشعب قال GAAA3