-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل يمكن للجزائر استنساخُ التجربة الماليزية؟

محمد بوالروايح
  • 1937
  • 10
هل يمكن للجزائر استنساخُ التجربة الماليزية؟
أرشيف

“الفشل عارضٌ إنساني ولكنه ليس عائقا إنسانيا”، الفشل عارض إنساني لأن الإنسان بحكم طبيعته الإنسانية لا يمكن أن يكون ناجحا في كل شيء وإنما يعتريه النجاح والفشل، من الممكن أن يطغى أحدهما على الآخر ولكن من غير الممكن أن يلغي أحدُهما الآخر، من الطبيعي أن يفشل الإنسان باستعدادات وقدرات أكبر، ومن الطبيعي أيضا أن ينجح باستعدادات وقدرات أقلّ، الفشل عارضٌ إنساني ولكنه ليس عائقا إنسانيا لأن الفشل يمكن أن يكون حافزا لانطلاقة جديدة تكلل في النهاية بنجاح باهر غير متوقع، هذه هي معادلة الفشل والنجاح وهي موقوفة في كلتا الحالتين على إرادة التحدي.
إن إرادة التحدي لدى العنصر الإنساني هي التي تمكنه من الوصول إلى القمة وهي التي تمكنه من تدارك الفشل والعودة إلى القمة من جديد. إن إرادة التحدي هي التي جعلت ماليزيا بلدا متطورا بعد أن ظلت لسنوات بلدا آسيويا فقيرا تمزقه الصراعات ويعيش سكانه في الغابات. لقد استطاعت ماليزيا في عهد مهاتير محمد أن تحقق قفزة اقتصادية نوعية وغير مسبوقة بفضل السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجها مهاتير الذي استطاع أن يحوِّل أفكاره النظرية إلى مشاريع عملية جعلت ماليزيا قوة اقتصادية عالمية ينافس اقتصادها كبرى الاقتصادات العالمية.
لا أريد الخوض في تفاصيل التجربة الماليزية وإنما أريد أن أقف عند أسباب نجاح هذه التجربة وأحاول استقراء الواقع الجزائري وبيان مدى قابليته لإحداث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية. يلخص مهاتير محمد في كتابه “التحدي” الآليات التي اعتمد عليها في تحقيق النهضة الماليزية، ومن هذه الآليات تدعيم فكرة الاستقرار السياسي لإيمانه بأن الأفكار الجيدة لا يمكنها أن تُثمر إلا في بيئة سياسية سليمة، فعمل من أجل تحقيق هذه الغاية على إرساء آلية الحوار الوطني الشامل بين الأحزاب السياسية وتجاوز إشكالية التعدُّد العرقي، ومن هذه الآليات أيضا الاعتماد على القدرات الذاتية والموارد الوطنية، ومن هذه الآليات أيضا تحسين المؤشرات الاجتماعية من أجل القضاء على مظاهر الطبقية الاجتماعية واعتماد نظام الصيرفة الإسلامية للقضاء على مظاهر التضخُّم المالي بسبب المعاملات المالية الربوية، ومن هذه الآليات أيضا إعطاء الأولوية للاستثمار الوطني والتعامل بحذر مع الاستثمار الأجنبي، ومن هذه الآليات أيضا إعطاء التعليم المكانة والأهمية اللائقة… وهذه الآليات مجتمعة تقوم على آلية أساسية وهي التركيز على الاستثمار في العنصر البشري لأنه أساس أيّ نهضة اجتماعية أو اقتصادية.
تمثل التجربة الماليزية طفرة اقتصادية جديرة بأن نستلهم منها نحن الجزائريين من أجل تحقيق تجربة مماثلة لها أو قريبة منها، تجربة جزائرية نراها ممكنة ويراها بعض المحللين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين ضربا من الخيال بدعوى أن الإرادة الماليزية غائبة في الحالة الجزائرية، وأن العنصر البشري الجزائري غير مؤهل لتحقيق هذه التجربة، وأن آلة الفساد في الجزائر أشد فتكا بالاقتصاد وهي عائقٌ يحول دون تحقيق هذه التجربة.
هذه هي الأسباب التي يؤسس عليها بعض المحللين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين نظريتهم حول استحالة استنساخ التجربة الماليزية في الجزائر، وأقول: إن القول بأن إرادة التحوّل الاقتصادي غائبة في الحالة الجزائرية هو أمرٌ مبالغ فيه بدليل أن الإرادة الوطنية الجزائرية تتجه منذ مدة نحو تنويع مصادر الاقتصاد الوطني والخروج من الاقتصاد الكلاسيكي إلى الاقتصاد الرقمي، وأما القول بأن العنصر البشري الجزائري غير مؤهل لتحقيق التجربة الجزائرية فمشكلة آنية وتقنية يمكن حلها باستقطاب الكفاءات العلمية الوطنية المهاجرة وتوفير الظروف الملائمة لها، وأما القول بأن آلة الفساد في الجزائر أشد فتكا بالاقتصاد وبأنها تشكل عائقا من عوائق التنمية فنردُّ عليه بأن الفساد ليس جزائريا، فقد عانت ماليزيا قبل النهضة وبعد النهضة من آثار الفساد المالي والاقتصادي بدليل الخطة الاستعجالية التي وضعها مهاتير محمد للقضاء على مظاهر الفساد بعد عودته إلى السلطة بعد أن بلغ من الكبر عتيا، وفي الحالة الجزائرية تم إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد وهي ماضية في عملها ومن غير العدل الحكم عليها حكما مسبقا أو اتهامها بأنها هيئة فاشلة منذ البداية بناء على خلفيات أو حسابات سياسية.
إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية أمرٌ ممكن ولكنه مشروط بالتفافنا نحن الجزائريين حول الوطن وبإيماننا بأن بناء الإجماع الوطني ضروري لبناء الاقتصاد الوطني، وبتخلينا عن المعارضة السلبية التي تركز على السلبيات وتستثمر في المشكلات.
إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية مشروط بتخلينا عن فكرة استبدال القيادات الحالية -فقط لأنها بلغت من الكبر عتيا- بقيادات شابة جديدة من غير التركيز على عنصر الإرادة والكفاءة، فمهاتير محمد الذي ناهز التسعين سنة قد عاد إلى الواجهة وإلى دواليب السلطة بسبب إجماع نسبة كبيرة من الماليزيين على كفاءته العالية وعلى أنه الرجل المناسب للمرحلة التي تمر بها ماليزيا.
إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية مشروط بقبولنا بمبدأ الحوار الوطني وبمحاربة كل مظاهر الإقصاء السياسي والاجتماعي وبإيماننا بأن بناء الاقتصاد الوطني هو قضيتنا جميعا وبأن كل من يستنزف مواردنا الاقتصادية أو يشجع على ذلك هو عدونا جميعا.
إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية مشروط بإثبات قدراتنا الذاتية في تحقيق التنمية الوطنية وبتفعيل مبدأ الجزأرة في مجال الاستثمار الاقتصادي والاجتماعي.
إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية مشروط بدراسة عوامل نجاح هذه التجربة وغيرها من التجارب الاقتصادية الرائدة دراسة واعية واستلهام عناصر القوة فيها، فمن الأفكار التي قامت عليها نظرية مهاتير محمد فكرة “التوجُّه شرقا” أي نحو اليابان لإيمانه بأن التجربة اليابانية تعدُّ أنموذجا اقتصاديا ناجحا، ومما قاله بهذا الشأن: “إذا أردت الحج فتوجَّه إلى مكة وإذا أردت العلم فتوجَّه إلى اليابان”.

* إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية مشروط بقبولنا بمبدأ الحوار الوطني وبمحاربة كل مظاهر الإقصاء السياسي والاجتماعي وبإيماننا بأن بناء الاقتصاد الوطني هو قضيتنا جميعا وبأن كل من يستنزف مواردنا الاقتصادية أو يشجع على ذلك هو عدونا جميعا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
10
  • جزائري

    نعم الاستثمار في العنصر البشري يعني تطبيق الآية : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. الباقي تفاصيل ليست مهمة لأنه عندما يتغير الإنسان نحو الأفضل فسينعكس ذلك إيجابا على كل مناحي الحياة. التغيير لا يعني فقط السلطة وقد فشل هذا الطرح في جميع دول ما يسمى بالربيع العربي وظهر بوضوح أن المجتمع كله بحاجة إلى تغيير ما بنفسه.

  • عبد المؤمن

    الأحقاد في الجزائر والبغضاء تحرق حتى الغابات ولا أفهم كيف تشتغل بعض العقول الجزائرية التي تجرأ على هذه المقارنات السخيفة: تارة فييتنام، تارة تركيا، تارة ماليزيا وتارة...

  • عبد المؤمن

    مرة أخرى نقارن أنفسنا ببلد مختلف عنا كل الاختلاف! الظروف التي حالت وتحول دون إقلاع الجزائر لا توجد في ماليزيا. تاريخ الجزائر المتميز بالعنف الأبدي والحروب والغزو والمقاومة يختلف كليا عن تاريخ ماليزيا. موقع الجزائر الجيوسياسي وقربها من أوربا عامل آخر يؤثر سلبيا علينا بينما بعد ماليزيا الجغرافي عن اليهود والنصارى يضعها في مأمن عن كيدهم. الغرب ينظر إلى الماليزيين والأندونيسيين على أنهم أسيويون أقرب إلى أجناس الشرق الأقصى بخلاف نظرته إلينا نحن العدو التاريخي الذي لا زال يملأ وعي ولا وعي الأوربي بذكريات وكوابيس مرعبة. لا ننسى وباء الاستعمار الفرنسي (أخبث و أنجس استعمار غربي) الذي يقتل الثقافات...

  • **عبدو**

    >>Kahina
    العام كامل و انتم العرب اذا قرأوا !!!
    العرب اناس كغيرهم من الناس لديهم عقول لكن يتكلمون العربية ، فالمشكلة مشكلة استخدام العقل و تطبيق تلك الافكار في الواقع

  • Kahina

    لا مجال للمقارنة انت تتكلم عن الرجل الاصفر الذي يسيطر على العالم اجمع يجب ان تعود الى التاريخ اين كان العرب حين كانو الصينيين في اوج حضاراتهم ثم يجب عليك ان تبحث عن التركيبة البشرية لماليزيا و الجزائر لكي تستطيع ان تقارن بين البشر.
    فالعرب قوم لا يقراو و اذا قراو لم يفهمو .
    فالجزائري مشكلته تكمن في عدم تقبله للاخر و يشك في كل ما ياتيه من الخارج من اسباب تخلفه هو يرى نفسه غير معني بما يفعله الاخرون و خيل له من خلال عقيدته ان لا يجب ان يبحث كثيرا في سبل تطوير حياته فبمجرد ان يصوم و يصلي وو ...فهو ضامن للجنة فبالتالي لا يريد اكثر من ذلك .

  • mahmoud

    la malaisie c'est un état laïque et l’Algérie a pris l'islam comme religion de l’état le travail de l’état normalement c'est de faire ovaire une meilleur vie et le confort a ça pullulation mais pas décidé de celui qu'il va au paradis au en enfer donc el islam din el dawla ce n’est pas çà place

  • صالح بوقدير

    وقبل هذا وذاك والذي غاب عنك هو استقلالية القرار الاقتصادي وهو بيت القصيد.

  • أعمر الشاوي

    أولا يا استاذ ما حدث في ماليزيا لم يكن تجربة بل كان برنامجا مدروسا ام تطبيقه ةفق أسس علمية , العلم ثم العلم و هذا ما كان يرفضه من يحكمنا ,ثانيا كم من اجربة مرت عليها الجزائر و لم تفلح ؟ دراسة الحالة الجزائر تتلخص في مشكلة الرجال و ليس البرامج أو التجارب كما تسميها , من هم في الحكم عصابة مافيا ليس إلا , و هذا هو المشكل , ثالثا لماذا تريدنا أن نستنسخ برنامج أو تجربة كما تسميها أنت لدولة ما ؟ ألسنا قادرين أن نخلق برنامجا يكون رائدا ؟ لكن سيدي عذرا لما سأقوله , عند قرائتي لمقالاتك و أنت أستاذ جامعي أعلم بأن هذا مستحيل لرداءة مستواها ونقص معلومات و إن كانت فهي غير مؤكدة و كأنها كلام مقاهي , شكرا

  • ابن الجبل

    ماتقوله هذا يا أستاذ عبارة عن حلم .. ! الجزائر لا تنقصه الثروات الباطنية أو الثروات البشرية . ولكن تنقصه الارادة السياسية للنهوض بالجزائر . الفساد والنهب منتشر في البر والبحر ، سوء استغلال الكفاءات البشرية والتي اجبرت على الهجرة الى الخارج ، آلاف الأطباء ، آلاف المهندسين ... نحن مازلنا بعيدين عن النهوض والتطور ياأستاذ !.

  • واحد برك

    اولا استاذ جامعي في اي تخصص يا صاحب المقال؟ فان كان في غير الاقتصاد فتلك مصيبة وان كان في الاقتصاد فالمصيبة أعظم. اولا ادعاء ان النظام المصرفي في ماليزيا غير ربوي باطل. اكتب في جوجل malaysia central bank interest rate وردلنا بالخبر. ثمو اي نظام مبني على نظام الاحتياطي الجزئي هو حتما ربوي. اما النموذج الذي انخدعت به وامثالك اليك ابحث عن malaysia a desastrous social and economic development model في موقع malaysia today وانظر وتمعن. او ابحث عن samsung and panasonic supply chain labour abuses in malaysia او زيد children living in poverty in malaysia ومزال مزال ولكن بزايد يكفيك ان كنت تريد الحق.