هل ينقذ حل الدولتين العرب؟
جاء في النقطة 23 من القرار الصادر عن القمة العربية الاستثنائية المنعقدة بالرياض يوم الاثنين 11 نوفمبر 2024 ما يلي: “دعوة الأطراف الدولية الفاعلة إلى إطلاق خطة محددة الخطوات والتوقيت برعاية دولية لإنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس المحتلة على أساس حل الدولتين، ووفق المرجعيات المعتمدة ومبادرة السلام العربية لعام 2002”.
وكانت مبادرة السلام العربية المذكورة قد ربطت التطبيع مع الكيان الصهيوني بهذا الشرط؛ أي لا يحق لأيّ دولة عربية وفق هذه المبادرة أن تربط علاقات دبلوماسية مع الصهاينة قبل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض المحتلة في 5 جوان 1967، وكان يُفترَض على كل دولة عربية سبق وأن عَقَدَتْ اتفاقيات سلام مع الكيان -وفق روح هذه المبادرة- تجميد تطبيعها القائم إلى حين تحقق هذا الشرط. هذا لم يحدث، بل رأينا للأسف عكسه هو الذي حدث، إذ سارعت دول عربية إلى ربط علاقات كاملة مع الكيان في إطار ما يُعرَف بـ”الاتفاقات الإبراهيمية” من دون أن يتقدم حل الدولتين قيد أنملة، بل قامت بذلك في ظل توسيع الاستيطان، وحصار غزة، والضغط على سكان الضفة الغربية من الفلسطينيين لِمغادرة أراضيهم فضلا عن الاستمرار في تدنيس المسجد الأقصى، وفي ممارسة جميع أشكال القمع على أيّ محاولة فلسطينية للتعبير عن الحق في الوجود..
هذا واقعٌ لا يمكن إنكاره، ومع ذلك نقول: لِنفترض أن الذي حَدثَ حدثَ، ما الذي يمنع الدول العربية المُطبِّعة اليوم من تعليق هذا التطبيع إلى حين تحقق الشرط المطلوب؟ ما الذي يمنعها من القيام بذلك إلى حين تطبيق جميع بنود قرارها الأخير الذي صادقت عليه بالإجماع وليس فقط النقطة 23 منه؟ وكم هي مُهِمَّة النِّقاط الأخرى سواء المتعلقة بإدانة الكيان الصهيوني أو بتأكيد حق اللاجئين (النقطة 3) أو برفض سياسات الاحتلال تجاه تجويع الشعب الفلسطيني (النقطة11) أو الاعتداء على وكالة “الأونروا” (النقطة 29) أو اعتبار اعتداءات المستوطنين اعتداءات إرهابية (النقطة 22)… أو غيرها من النّقاط الهامة الأخرى…
يبدو لي أن الدول العربية والإسلامية في حاجة إلى فعالية في الأداء لِما اتخذته من قرارات مثل قرار اليوم، يكفيها هذا في هذه المرحلة.. صحيح إن المسألة تتعلق بمواجهة الولايات المتحدة، إحدى القوى الكبرى والدول الغربية المتحالفة معها وليس فقط الكيان الصهيوني، ولكن الأمر لا يتعلق بشنِّ حرب أو حتى المشاركة فيها، بل يتعلق فقط بالالتزام بتطبيق ما اتفق عليه على مستوى القمة الحالية، أو ما اتفق عليه من خلال مبادرة السلام العربية لسنة 2002 وهو متطابقٌ تماما مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية التي ترعاها الولايات المتحدة ذاتها! أي أن المطلوب هو الانسجام مع الذات وفقط، وهو الذي نتمنَّى أن يحدث.
لعل أقل المطلوب الآن هو ألا تُواصل الدول العربية المُتبقِّية التطبيع مع الكيان، على الأقل لكي تكون وفيَّة لمثل هذه المطالب التي رفعتها في هذا القرار. وهذا النّزر القليل من “المطلوب” سيكون كافيا لإعادة النظر في كل مسار التطبيع، بل وفي وقفه تماما. يكفي أنْ نَعلم أنَّ الهمَّ الأكبر للكيان الصهيوني اليوم هو التطبيع مع المملكة العربية السعودية، وإذا ما التزمت هذه الأخيرة بحل الدولتين، كما جاء في هذا القرار، من دون أن تقع في فخ التطبيع المسبق، تكون قد أفشلت كل المشروع الصهيوني المتطرِّف في المنطقة الذي يَعتبر أن إقامة أيّ دولة فلسطينية بعاصمتها القدس على أيِّ مساحة من أرض فلسطين يُعَدّ بداية نهايته… هل تفعلها المملكة؟ ذلك ما سيُعدِّل ميزان القوة في المنطقة وذلك ما نتمناه.