-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تزور هولييود أوروبا.. "الشينيشيتا"

هنا صورت كازانوفا والدولشي فيتا.. وأبدع ليوني أفلام الوسترن

الطاهر حليسي
  • 1130
  • 0
هنا صورت كازانوفا والدولشي فيتا.. وأبدع ليوني أفلام الوسترن
ح.م

تقع “الشينيشيتا” مدينة السينما في حي دون بوسكو على بُعد بضعة كيلومترات جنوب شرق روما، وفي زمن لا يتعدى العشرين دقيقة عبر ميترو الأنفاق يبدأ من باتيستيني باتجاه أنانيينا.

بناها موسوليني لنشر الفاشية فتحوّلت لمعقل الدولشي فيتا!

والشينيشيتا هي أعظم مدينة سينمائية في أوروبا حتى سميت هوليوود أوروبا بالنظر لمئات الأفلام التي صُوّرت باستديوهاتها الضخمة التي لم تستغرق الإنجاز سوى 15 شهرا خلال العام 1936 وافتتحت بصفة رسمية العام 1937 على يد الدوتشي الفاشي حاكم إيطاليا بينيتو موسيليني.
تقول إيلينا وهي دليلة إيطالية بمركز الشينيشيتا أن فكرة إنشاء المدينة ظلت تراود أحلام مدير السينما الإيطالية لويجي فريدي منذ سنة 1936 بهدف واضح كان مواجهة المد السينمائي الأمريكي الهوليوودي، وسرعان ما تلقف الدوتشي بينيتو موسوليني الفكرة وحوّلها لمشروع ضخم يمتد على 60 هكتارا وبكلفة 4 ملايين ليرة لإنتاج وصناعة أفلام ومواد سينمائية تُروّج للدعاية الفاشية في تلك الفترة القلقة، فانطلقت أولى الأعمال السينمائية في تلك الأستديوهات الضخمة التي أنجزت قرب الأراضي الفلاحية لناحية جوليو أقريكولا، المتوفرة على الضوء والامتداد الذي يمنح السينمائيين الراحة والخيال والمناخ الملائم، وأنتجت المدينة التي صارت تسمى هوليوود التيبر نسبة لأشهر نهر في إيطاليا 300 فيلم ما بين سنوات 1937/1943 بعدما أنجز بها 13 مسرحا للتصوير ومسبحا كبيرا لتصوير المشاهد البحرية، غير أن ذلك المد الفني السينمائي سرعان ما توقف خلال الحرب العالمية الثانية جراء القصف الذي طال مدينة السينما وروما وباقي مدن إيطاليا.

العصر الأمريكي وسنوات فيليني وسرجيو ليوني

الصورة

مع قدوم الأمريكيين وسقوط الإمبراطور موسوليني هبّت رياح الانفتاح على تلك المدينة التي أسست لمحاربة المد الأمريكي، جاء العصر الذهبي بين سنوات 1940 و1960 حين تحوّلت لإنتاج أفلام ضخمة أسست للواقعية الإيطالية الجديدة والأفلام ذات النزعة الأمريكية التي عرفت بالمسحة الإيطالية، فأنتجت أفلام هيلينا الطروادية 1956 وبان هور في 1959 وكليوباترا 1962.
تقول مرافقتنا إيلينا: “لفترة طويلة اقترن مجد الشينيشيتا بالمخرج الايطالي العبقري فديريكو فليني الذي حوّل المركز لمعبد سينمائي خرجت منه عشرات الأفلام الخالدة مثل رائعته “الدولشي فيتا” 1960-الحياة الناعمة- والذي كان له الفضل في التعريف بمعالم روما مثل ساحة فينيزيا وقصر الفيتوريانو ونافورة العشاق في تريفي”.
لم يكن فليني الأشهر مع أنه الأعظم، فمن هنا أيضا صنع المبدع سيرجيو ليوني أفلام الوسترن الشهيرة مثل “من أجل حفنة من الدولارات” مع موسيقى العبقري إينيو موريكون وكذا أفلام ترينيتا التي داعبت خيال أجيال كاملة، رغم أن جل تلك الأفلام أنجزت خلال خمس سنوات كاملة، وهي الأفلام التي أصبغت بتسمية “أفلام السباغيتي”، حيث تشير مرافقتنا أنها صوّرت ما بين “ريف إسبانيا الصحراوي واستديوهات الشينيشيتا”..فلا تزال شواهد محفوظة هنا من استيودهات الصالون ولباس رعاة البقر و أغراضهم وبعض البنايات التي بنيت على طراز مدن الغرب الأمريكي.

روما ثانية والقدس وفلورنسا مبنية من صمغ الخشب

في قلب المدينة مسارح سينمائية ضخمة مثل المسرح رقم 3 الذي يعج بالمهندسين وعمال الديكور الذين يصنعون الأثاث والعتاد اللازم للديكور حسب الحقب الزمنية المطلوبة للتصوير، وكلما دخلت للعمق وجدت بنايات ضخمة، بعضها يجسد شوارع نيويورك القديمة منجزة بمقاييس حقيقية والسبب أنها كانت مسرحا لتصوير الفيلم الشهير “عصابات نيوورك” أو نيويورك قانق للمخرج العالمي مارتن سكوسيزي وفيلم بان هور، غير أن العجيب حقا أنك تتجول في مدينة أخرى بمقاييس حقيقية لروما، الحقيقية بفورومها والبانتيون وأقواس النصر وإنك لتعتقد أنها مدن حقيقية بشوارعها وأسواقها وساحاتها، وغير بعيد عنها مدينة القدس أو أورشليم منحوتة بشكل حقيقي بألوانها وجدرانها ذات الطابع الشرقي، وبالقرب منها مدينة فلورنسا القديمة بكامل جلالها ومعالمها العائدة للعام 1400، وقد يعتقد أي زائر أنها مدن حقيقية لولا أن مرافقتنا تطلب منا لمسها ونقرها، ليتضح لنا أنها مجرد تجاويف فارغة وديكور مصنوع من الراتنج الخشبي الذي يستخدم كصمغ تطلى به السفن، منعا لتسرب المياه، توضح “كل ما تشاهدونه مصنوع من الراتنج الخشبي -لا ريزين- وهو مبني لتصوير الأفلام والمشاهد، فمدينة أورشليم استغرق مصمم ديكورها شهرين من العمل الدقيق والمضني ليسمح فقط بتصوير مشهد لا يدوم سوى دقائق التقى فيها المسيح بمدير معبد أورشليم في فيلم ألام المسيح لميل غيبسون.. الدقة الفنية والمهارة مطلوبتان لإقناع المشاهد وإمتاعه بصورة تكاد تكون حقيقية”.
لم يبق من مدينة السينما سوى 20 هكتارا، لكنها لا تزال منتجة لعديد الأفلام والمسلسلات الإيطالية الشهيرة، ومواكبة للتطورات التكنولوجية فهي تحوي شاشات عملاقة بطول جدران كبيرة تستخدم في الدمج الالكتروني للخلفيات الحقيقية حتى يسهل تركيبها مع المشاهد التمثيلية وتستعد المؤسسة لتصوير فيلم ضخم مقتبس من الرواية العظيمة باسم الوردة التي كتبها المبدع الإيطالي إمبرتو إيكو وترجمت لعديد اللغات العالمية وتوّجت صاحبها بجائزة نوبل للأداب قبل عدة سنوات.

الشينيشيتا من السينما للاستثمار السياحي

منذ سنة 2014 صارت مدينة السينما مقصدا سياحيا للألاف من الزوار يوميا، وهي مربوطة بخط ميترو يتوقف عند البوابة الرئيسية لها، ويدفع كل سائح مبلغ 10 يورو للكبار و8 يورو للأطفال للتمتع بزيارة موجهة من طرف أدلاء متخصصين باللغتين الإيطالية والإنجليزية يقومون بتأطير جولة داخل الاستديوهات الضخمة، ويعرفون بمختلف الأفلام المصورة هنا وبكبار المخرجين الذين مروا من هنا، وتلامس مختلف الديكورات العملاقة، ناهيك عن جولات حرة في متحف فديريكو فيليني ورشات صناعة الديكور وخياطة الملابس.
كما يمكنك مشاهدة الأفلام في غرف خاصة مجهزة بأحدث التقنيات، وتستفيد بشروحات حول بعض الخدع المستعملة كما تتجوّل في مجسم غواصة “أس 33” التي استخدمها المخرج الأمريكي جون موستو في تصوير فيلم يو 571 وسط مؤثرات صوتية حقيقية لحوارات أبطال الغواصة، وللأطفال جولات تطبيقية خاصة بورشة تربوية سينمائية تشرف عليها دائرة تربوية متخصصة في سينما الأطفال، وتقديريا يمكن للمسار السياحي أن يجلب 10.000 يورو يوميا إذا كان عدد السياح الألف ولكم أن تتخيلوا الدخل أسبوعيا وشهريا. اليوم لم تعد شينيشيتا مكانا لتصوير الأفلام، بل ولـ “تصوير” المال…فملايين السياح يقصدون مدينة السينما مثلما يقصدون الكوليزيوم وسلالم ساحة إسبانيا ونافورة تريفي وساحة نافونا البديعة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!