-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

.. وأشهر السودانُ سيفه

صالح عوض
  • 1004
  • 1
.. وأشهر السودانُ سيفه

كان السودان هو موجة الارتداد الخطيرة، التي حاول زلزال الربيع أن يعصف من خلالها ببلد هو العمق العربي الإفريقي، وذلك لعدة أسباب لا تتعلق كلها بسلوك النظام السوداني.. فمنها ما له علاقة بالجيوبوليتيك لبلد من المفترض أن يمسك بزمام الأمور في القرن الإفريقي، ويمتد إلى باب المندب، ويتصدى للتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا “إريتريا وتشاد وإثيوبيا وجيبوتي”.. فهو بهذه الاعتبارات ضمانة الأمن القومي على ثغر خطير.. وأصبح استهدافه للأسباب المذكورة أمرا حيويا لصانعي السياسات في البيت الأبيض والبنتاغون، فمن غير المنطقي حسب تفسيرهم أن يُترك هذا البلد مستقرا متماسكا واعدا، فيما يصار إلى تفتيت اليمن، وتمزيق الصومال، وترسيخ القواعد الأمريكية في جيبوتي، وقيام المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بتدريب الجيش التشادي، وتعميق علاقاتها بإريتريا، وإثيوبيا.. إنّ وجود بلد هو السودان في حالة استقرار وبهذه المساحة الجغرافية الشاسعة والغنية بمواردها الطبيعية سيكون بلا شك خطرا استراتيجيا على مستقبل السياسات الاستعمارية.
وبعد أن أخضعوا السودان للقبول بفصل جنوبه اكتشفوا أن السودان تخفف من حمل الحروب التي ما كانت لتنتهي وكان الاستعماريون يرون فيها بابا لاستنزاف ثروات البلد وتعطيله وإدخاله في دوامة المتابعات الدولية.. خرج من الحرب بالانفصال ولكنه لم يغلق أبوابه للجنوبيين الفارِّين من جحيم التنازع بين القبائل المتناحرة فكان موئلا للملايين منهم ولملايين من الحبشة وإريتريا يعملون ويقيمون.. فكان بهذا مؤهلا لأن يكون البلد العربي القادر على صناعة تكتل إفريقي طبيعي في مواجهة تحديات مستقبلية على المنطقة..
لم تنجح المحاولات المتلاحقة في إدخال السودان المدخل الذي ولجته المنطقة العربية القريبة منه: إريتريا وجيبوتي ومصر ودول الخليج حيث أصبحت إسرائيل دولة صديقة، وهنا أصبح موقف النظام السوداني وخطه السياسي بالإضافة إلى موقع السودان سببا إضافيا استراتيجيا في التسريع بتوجيه ضربة إليه بعد أن عجز الانفصال والحصار عن إسقاطه.. لم يقبل السودان تطبيعا مع إسرائيل وأصر على أنّ فلسطين قضية عقيدة لا تنازل عنها وأصرّ على الالتزام بقضايا أمته العربية والإسلامية فكانت الملاحقات بالعقوبات الدولية من حصار وتضييق بحيث كان المقصود شلّ البلد وإلغاء أي إمكانية للتنمية فيه.
توّج السودان كل هذا بأن كسر الحصار العربي عن سورية وفتح الباب أمام توبة النظام العربي وتشجيع المترددين فكانت خطوته إعلانا صارخا بأن الحصار الغربي والحليف قد تصدع كما أنه كان بمثابة الإعلان المدوّي أن السودان يمتلك المبادرة وأن قراره بيده.. هذه الأسباب الحقيقية لإحراق البلد متدثرة بشعارات تمس معيشة الناس المرهقة بفعل الحصار والعقوبات.
أشهر السودان سيفه أمام الربيع العربي في ارتداداته الأخيرة.. وكما تكسر الربيع على أسوار دمشق فإنه سقط في نيل السودان.. وانفضح أمر الأحزاب المخملية التي حاولت أن تعطي لارتدادته طعما سياسيا رغم رائحته الكريهة التي زكمت الأنوف ونجا السودان من المصيدة.. حمى الله أمّتنا من الفتن.. وتولانا برحمته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • صالح بوقدير

    إذا لم تستحي فقل ماشئت
    الخلط بين مفهوم الدولة ومفهوم السلطة عند المثقف العربي برر لللإستبداد وألحق الهزيمة بالشعوب وجعلها تفرمن أوطانها طلبا للآمان ورغبة في حياة أفضل
    إن السيادة للشعب كما تقر بذلك كل دساتير العالم إلا أن الوضع في العالم العربي يختلف لأن مثقفيه وقعوا في حضن أعدائه فباعوا شعبهم بغرض من الدنيا قليل وهم يفتخرون بذلك ولكن إذا لم تستحي فقل ماشئت.