-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وزارة التعليم العالي… ترتجل!

وزارة التعليم العالي… ترتجل!
ح.م

 في يوم 11 نوفمبر الجاري بعث مدير التعاون والتبادل بين الجامعات بوزارة التعليم العالي بتعليمة عاجلة لرؤساء الندوات الجهوية ومديري المؤسسات الجامعية. وقد جاءت في آخر سطر لهذه التعليمة عبارة واحدة هي “Extrême urgence signalée”، أي “هذه حالة استعجالية قصوى”. واحتوى السطر الذي قبله على عبارة واحدة هي “الأمر يستدعي جوابا سريعا من طرفكم”!

 تونس والمغرب!

عندما يقرأ الإنسان هذه العبارات يتصور أن الأمر يتعلق بقضية ستحدث كارثة، وينبغي الحد من خطورتها في أقرب الآجال. وربما يعتقد صاحب التعليمة ذلك، لكنه لم يشر إلى أي مبرر في رسالته، بل اكتفى بتوجيه الأوامر لمديري المؤسسات الجامعية. وما هي هذه الأوامر؟

تقول التعليمة التي وردتنا بالفرنسية دون غيرها: “يشرفني أن أطلب منكم الإلغاء الفوري لكل التربصات قصيرة المدى والتنقلات المبرمجة نحو تونس والمغرب الأقصى، وأن توافوني في أجل لا يتجاوز أسبوعا بكل تقارير التربصات لسنتي 2017 و2018 ضمن ردكم على العنوان الإلكتروني (الشخصي لمدير التعاون)… مرفقة بتقرير يبرز وقع وآثار هذه التربصات، لاسيما بالنسبة للوقع من الناحية البيداغوجية (المناهج، تطوير الشهادات المشتركة…)، وكذا الوقع من ناحية الإنتاج العلمي (إنتاج مشترك، النشر في مجلات عالمية…). وقد عددت المراسلة 8 محاور في حقل البيداغوجيا، و4 محاور في مجال الإنتاج العلمي. وبعدها يؤكد صاحب التعليمة أن المطلوب من هؤلاء المتابعة الشخصية لهذا الملف!

يلاحظ القارئ أن هناك نقطة غامضة في التعليمة، تقع في العبارة التي تطلب تقديم “كل تقارير التربصات”. فهل يعني صاحب الرسالة تقارير كل الأساتذة الذين استفادوا من تربصات مهما كانت وجهاتهم، أو هل يعني من توجهوا منهم إلى تونس والمغرب دون سواهم؟

ثم يطالب صاحب التعليمة بأن يتم ذلك في أجل أقصاه 7 أيام! فهل تتصوّر مديرية التعاون أن المسؤولين على مستوى الجامعات قادرون في ظرف أسبوع على تجميع تربصات مئات المستفيدين، ثم تحليلها، وبعد ذلك صياغة تقارير تعكس محتواها ضمن المحاور الـ12 التي نصت عليها التعليمة؟!

ولنفرض جدلا أن الواقفين على التربصات في المؤسسات الجامعية استطاعوا رغم ذلك تجاوز هذه المحنة (نسخ جميع تقارير المتربصين وكتابة تقاريرهم حولها) وقدموا ما طلب منهم وأرسلوها إلى البريد الإلكتروني الشخصي للسيد مدير التعاون كما هو منصوص عليه في التعليمة! نلاحظ أن عدد المؤسسات الجامعية يفوق 100 مؤسسة عبر الوطن (من جامعات ومراكز جامعية ومدارس عليا للأساتذة ومدارس وطنية عليا، ناهيك عن مراكز البحث)، وإحصاء بسيط يجعلنا ندرك أن عدد هذه التقارير -على مدى سنتين – التي ستصل إلى صاحبنا لا تقل عن 4 آلاف تقرير وقد تصل 8 آلاف تقرير أو يزيد. هل نصدق بأن طالب كل هذه التقارير سيكلف نفسه بالاطلاع عليها كلها أو جلها؟ لا نعتقد ذلك أبدا… ولا نراها سوى مضيعة لوقت من سيقوم بهذه المهمة في مؤسساتنا الجامعية.

 فوضى التربصات

ومن بين التساؤلات الأخرى: ما قصة “الإلغاء الفوري” للتربصات نحو تونس والمغرب حصريا؟ صاحب التعليمة لم يفصح عن السبب فاتحا بذلك المجال لكل التأويلات. ولذا من حقنا أن نقول بأن السبب المحتمل هو ملاحظة كثرة المتوجهين نحو هذين البلدين من المتربصين. هل لاحظوا ذلك في شهر نوفمبر فبهتوا؟!!

وبطبيعة الحال، لا بد أن ندرك الدواعي التي أدت إلى هذا التوجه. فمنذ بدء التوتر والحروب في المشرق العربي تناقص عدد المتوجهين إلى المشرق، وتضاءل، بل اختفى في بعض البلدان، مثل سوريا والعراق. ومن جهة أخرى، صار الزملاء الراغبون في زيارة مراكز أوروبية يعانون من الحصول على تأشيرات الدخول إلى الفضاء الأوروبي. ولذلك ازداد عدد القاصدين لبلاد المغرب العربي وتركيا.

ومن ثمّ نقول -إن كان هذا هو السبب- فأدعى بمديرية التعاون أن تسعى مع البلدان الأوروبية إلى حل مشكل تأشيرة الدخول للفضاء الأوروبي، بدل الانشغال البائس بتجميع آلاف التقارير الخاصة بالتربصات في صندوق بريد إلكتروني. ومهما يكن من أمر: هل يعقل أن يتم توجيه أمر في نهاية السنة بالإلغاء الفوري للتربصات نحو أي بلد كان؟… حتى أننا سمعنا بأن زملاء معنيين بهذه التعليمة يطلبون الآن من مؤسساتهم تغيير وجهة التربص من تونس والمغرب إلى بلد ثالث؟!

ولا يسعنا هنا إلى أن نؤكد بأن ملف التربصات القصيرة المدى يتم تسييره بعشوائية لا مثيل لها: فمن المفروض أن هذه التربصات (حسب النصوص المحددة لها) تسمح لطلبة الدكتوراه والأساتذة بالالتقاء بزملائهم في الخارج في مواعيد معينة، وإنتاج أعمال مشتركة. وتتيح بوجه خاص لعدد كبير من الباحثين إجراء تجارب في مخابر أجنبية لا يمكنهم إجراؤها داخل الوطن لنقص مواد التجارب في المخابر الوطنية وقلة تجهيزاتها وعتادها. وإجراء هذه اللقاءات والتجارب يتطلب تحديد مواعيد مسبقة يتفق عليها المعنيون في الداخل والخارج، وعلى ضوئها يتم تحديد تاريخ التربص من طرف طالبه.

لكن، انظر ماذا يجري عمليا: البيروقراطية القاتلة في مؤسساتنا تقف حجر عثرة أمام تلك المواعيد. فهذا الوظيف العمومي لا يوقع في الوقت المناسب على قائمة المتربصين، وهذا المراقب المالي يدير شؤون التربصات على هواه، وهذه المصالح الداخلية في كل مؤسسة تعتبر أن منح تربص للأستاذ أو الطالب مِنّة، وأنها ليست مطالبة باحترام المواعيد.

هذه هي القضايا الجوهرية التي كان على مديرية التعاون الانكباب عليها والسعي إلى حلها: عندما يطلب باحث تربصا في موعد معين، ويقبل طلبه، فلتُسَلم له وثائقه في الموعد المطلوب، وليُحاسَب بعد ذلك على ما أنتج وأنجز. أما ألا تُحترم مواعيده من قبل الوصاية، ويُطالب بأداء مهمته على أكمل وجه… فهذا عبث ما بعده عبث.

وهكذا، ومادام الحبل قد وضع على الغارب، فقد ساد الاستهتار في جميع المراحل التي يمرّ بها ملف المتربص، وصارت هذه التربصات أشبه بالرحلات السياحية… إلا من رحم ربك. وهنا نعتبر أن إداراتنا من القمة إلى القاعدة هي المسؤولة عن هذا الوضع المزري.

ولذلك، فالعقلانية في التسيير تتطلب أن تُيسَّر أمور التربصات، وأن يُحاسب المستفيد بناءً عما ينتجه بعد التربص -وليس عما يسجله من عبارات منمّقة في طلبه أو تقريره- وأن يحرَم منه من لم ينتج إنتاجا علميا مقبولا. أما أن نعرقل المستفيد بيروقراطيًا في أداء هذه المهمة، وفي نفس الوقت نطالبه بأدائها على أحسن وجه، فهذا ما لا يقبله عقل، ومن الأفضل في هذه الحالة تجميد ملف التربصات!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • عمار بن عمار

    يا معالي وزير التعليم العالي و يا معالي وزير العدل و يا حكومة بدوي، في العشريات الماضية تمّ توظيف أساتذة جامعيين بالرشوة و المعريفة و البنعميس ، وهؤلاء ليس لهم علاقة بالعلم و التعليم و منهم من يحمل شهادات مزيفة خارج التخصص الذي درسه في الليسانس. إلى متى يبقى الطلبة رهينة في أيدي هؤلاء المجرمين و تبقى جامعاتنا في ذيل الترتيب و مؤخرته؟ لما لا تسنحدث مناصب للمفتشين الأكفاء كما هو معمول به في أطوار وزارة التربية؟ هل لديكم إحساس بمستقبل الجزائر و أجيالها المقبلة؟ هل لديكم الرغبة في تحسين الوضع؟ أين منظمات الطلبة ، أم فقط دورها في الدفاع عن نوعية الوجبة و التمكريش؟

  • عمار بن عمار

    ألحق بجامعاتنا المظلومة يا قايدنا المغوار و نصرك الله على المفسدين أينما تواجدوا ، يا حكومة بدوي هل تعلمون أن: في الجامعات يوجد أساتذة يحملون شهادة “أستاذ دكتور أي بروفيسور” ولا يحوزون على شهادة البكالوريا ، أليس هذا فسادا و سببا من أسباب تدهور المستوى…و أساتذة و مسؤولين زوروا الشهادات و أساتذة مستواهم أدنى من مستوى تلميذ في المتوسطة. لماذا لا تستوردون كما كان ذلك خلال السبعينيات و الثمانينات أساتذة من الخارج مثلا تونس المغرب أو السنيغال أو جنوب افريقيا أو الصومال فكلهم أحسن منا بكثير من حيث سلّم ترتيب الجامعات زيادة على ذلك مستوى الأجور لديهم يساوي العشر مما عندنا و لا يطالبون بالرفع…