-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

.. وعاد إلى الجمعة نورها

سلطان بركاني
  • 467
  • 1
.. وعاد إلى الجمعة نورها
أرشيف

بعد ما يقرب من ثمانية أشهر من تعطيلها، ها هي المنابر تعود مرّة أخرى لتصدح في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.. ها هي الجمعة يعود إليها روحها ونورها ويأزر إليها بريقها ورونقها.. ثمانية أشهر وقلوب عباد الله المؤمنين تئنّ من حرمان إقامة صلاة الجمعة، وأرواحهم تحنّ شوقا إلى الجلوس في بيوت الله لسماع الخطب وإقامة أفضل صلاة في أفضل يوم من أيام الأسبوع.

عاد إلى الجمعة نورها، وعاد إلى ساعتها المشهودة أهلها ومحبّوها وهم يدعون الله ألا يحرمهم -مرّة أخرى- هذا الخير الذي عرفوا قدره بعد أشهر من الحرمان، ويرجونه أن يبعد هذا الوباء عن بيوته وعن عباده في كلّ مكان.. مخلوق صغير لا تراه الأعين، جعلنا نخاف على أنفسنا وأهلينا وأبنائنا وأرزاقنا، لكنّه -مع كلّ أسف- لم يحمل كثيرا منّا على أن يخافوا على دينهم وقلوبهم.. لم نخف على قلوبنا أن تقسو وتموت بسبب بعدنا عن بيوت الله.. مهما كنّا معذورين، فإنّه كان حريا بنا أن نخشى على قلوبنا أن يُطبع عليها وتُشرب حبّ الدّنيا ونحن لم نلبّ نداء الحقّ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون))، ما يربو على سبعة أشهر.. من إخواننا وأحبابنا من تركوا المساجد ولم يعودوا إليها إلى الآن؛ ركنوا إلى الراحة وأعجبتهم الصلاة في البيوت، وما عادوا يحثّون الخطى إلى بيوت الله كما كانوا قبل حلول بلاء كورونا، ومن شبابنا من لم يزل بهم الشّيطان بعد إغلاق بيوت الله حتى تركوا الصّلاة.

بعض إخواننا تركوا الصلاة في بيوت الله، وتعلّلوا لذلك بأنّهم يخشون الوباء، وهم الذين يزاحمون في الأسواق وفي وسائل النّقل وفي الأماكن العامّة، من دون ضرورة في أكثر الأحوال، ومن دون مراعاة لأدنى أسباب السلامة ووسائلها.. وبعض إخواننا ما عادوا يصلّون الصّلوات الخمس في بيوت الله، متعلّلين بتبرّمهم من تشديد إجراءات الدخول إلى المساجد. لكن أ ليس الوقوف بين يدي الله في أحبّ الأماكن إليه يستحقّ أن نصبر لأجله، ونصبر في سبيله على إجراءات هي في مصلحتنا، وكان يجدر بنا أن نلتزم بها في الأماكن الأخرى؟

بدأت قلوبنا تألف التعامل مع الصّلاة على أنّها حمل ثقيل ينبغي المسارعة والإسراع في وضعه عن الكواهل، وتعتاد سرعة الدخول إلى بيوت الله والخروج منها، ونحن الذين نقضي الساعات في المقاهي والأسواق وفي الجلسات من دون كلل ولا ملل.. نحن اضطررنا إلى التعامل مع بيوت الله بهذا الحذر، لكن ينبغي أن نكره بقلوبنا كلّ ما من شأنه أن يحرمنا لذّة إطالة المكث في بيوت الله، وثني الركب أمام المصاحف وفي حلقات الحفظ والتعلّم.

علينا أن نحرص على مراقبة قلوبنا ومراقبة تعاملها مع مستجدّات الأحوال والأوضاع، حتى تبقى حيّة، تتطلّع إلى ما يحييها ويربطها بخالقها وبالدّار الآخرة.. علينا أن نكره بقلوبنا ما ألجأتنا إليه الضّرورة، ونتمنّى زواله، وينبغي لنا أن نستحضر أنّ “العبادة في الهرج كهجرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم”.. ينبغي لنا أن نثبت على الصلاة في بيوت الله، ما أمكننا ذلك، ونثبت لمن يتحسّسون اهتمامنا ببيوت الله وغيرتنا عليها أنّنا لن نتنكّر لأحبّ بقاع الأرض إلى خالقنا ومولانا، ولن تزيدنا المحن والابتلاءات إلا تعلقا بها.

ينبغي لنا أيضا أن نتذكّر إخواننا وجيراننا وأصدقاءنا الذين كانوا يصلّون معنا في بيوت الله، ثمّ انقطعوا.. ينبغي لقلوبنا أن تحزن لحال بيوت الله وهي تشكو إلى الله قلّة روادها.. أكثر من نصف من كانوا يصلّون في بيوت الله، ما عدنا نراهم.. ينبغي أن نتفقّد إخواننا هؤلاء، ونسأل عنهم، فربّما تغيّرت قلوبهم وتغيّرت أحوالهم، ونذكّرهم بأماكنهم في المساجد، وبأنّ بيوت الله تحنّ إليهم، ومؤذّنيها يدعونهم كلّ يوم: “حيّ على الصّلاة.. حيّ على الفلاح”.

يقول الشّيخ محمّد الغزالي رحمه الله: “هذا الزمان كفيل بتغيير أي قلب مهما كان ثبات صاحبه؛ هاتفت صاحبا ممن كنت أغار من صلاحه وعطائه للدين، فلمست في كلامه تهاونا وفي دينه كثيرا من اللين، وزارني أخ حبيب يقول: أدركْني فقد أصبحت أجمع صلواتي بعد أن كنت لا أقصّر في نافلتي، ورأيت حبيبا لم أره منذ زمن، فرأيت في وجهه انطفاءة لم أعهدها من قبل، فلم يتركني في حيرتي كثيرا، فقد أذهب بهاء وجهه طول النظر في الأجساد العارية والمشاهد الفاتنة عبر مواطن الفتنة ومشاهد الضياع.. ناهيك عن كثير من أحبتنا الذين زاد ترخُّصهم في أمر الربا والنساء والحقوق، حتى أصبح جل دعائي من فرط ما أرى: “رب سلم سلم”…”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • خالد بن الوليد

    يا هذا نحن لن نحرم عباد الله من مساجد الله -اماكن العبادة - عز وجل علي الاطلاق لكن علي رود المساجد ان يطهروا فلوبهم اولا من الغل والكراهية والمكر والخبث والحقد والحسد والنفاق والكذب قبل ان يطهروا اعضائهم -الوضوء للصلاة - لان قلوبا يملاها الحقد علي المسلمين والكراهية للجزائر ولشعبها لن تقبل صلاتها من رب العالمين ولان شر الناس عند الله يوم القيامة وفي الدنيا هم المنافقون المنافقون المنافقون احفاد بن سلول
    ربي يهدي ما خلق