-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

.. وماذا عن استعادة الأدمغة المُهاجِرة؟

حسين لقرع
  • 1303
  • 16
.. وماذا عن استعادة الأدمغة المُهاجِرة؟
ح.م

لا ريب أنّ استعادة جماجم 24 شهيدا من المقاومة الشعبية الجزائرية، بعد 170 سنة كاملة من اختطافها ونقلها إلى فرنسا، هو مكسبٌ تاريخي سيبقى في ذاكرة الأجيال، في انتظار استعادة الجماجم المتبقّية، وعددها 512، لتُدفن جميعا في أرض الشهداء والمجاهدين، وكذا استرجاعِ الأرشيف المنهوب، وتسريع مناقشة مقترح قانون تجريم الاستعمار والتصديق عليه، ومواصلة الضغوط على فرنسا لانتزاع اعتراف رسمي منها بجرائم الاستعمار، والاعتذار عنها، والتعويض للجزائر.

لكنّ ماذا لو استكملت البلاد هذا المسار وسعت أيضا إلى استرجاع أدمغتنا المهاجرة؟ ألا يستحقّ الأمر بذل جهود مضنية، ولو دامت سنواتٍ عديدة كما حدث مع ملفّ جماجم الشهداء، لاستعادتها والانتفاع من علمها وابتكاراتها وخبراتها؟

عشراتُ الآلاف من العقول والإطارات المتخصّصة في شتى العلوم والمعارف هاجرت إلى بلدان عديدة متطوِّرة، وتقول إنها اضطرّت إلى الهجرة لتحسين ظروفها المادّية بعد أن تعرّضت للتهميش في البلاد بفعل نظامٍ ريعيٍّ لا يقدّر العلماء، ولا يثمِّن البحث العلمي، ولا يكترث بهجرة عالمٍ أو مخترع موهوبٍ ليفيد بلداناً أخرى بابتكاراته وأبحاثه وتجاربه، عوض أن يفيد البلاد.

طالما أثير هذا الملفّ خلال العقود الماضية، وانتُقِد النظامُ على صلفه واحتقاره للعلم والعلماء والباحثين، وعدم إبداء أيِّ اهتمامٍ حقيقيّ بتحسين ظروفهم وتوفير كل الإمكانات المادّية والمالية لهم ليتفرّغوا للبحث ويفيدوا البلاد والعباد. حتى بصيص الأمل الذي لاح في عهد الرئيس السابق بشأن تحسين وضعية الباحثين الجزائريين، سرعان ما خفت حينما عاد بعضُهم من ديار الغربة، ليصطدموا مجددا ببقاء دار لقمان على حالها، ويتأكّدوا بأنّ ما قيل بشأن بداية توفير كل الإمكانات للباحثين والأدمغة المهاجرة خاصّةً، لم يكن سوى لغة خشب تعوّد النظامُ أنَّ يلوكها، وأنّ البيروقراطية المتجذّرة فيه أعمقُ بكثير من خطاب حماسيّ ألقاه الرئيس السابق في لحظة انفعال، فكانت النتيجة عودة جلّ الأدمغة إلى الخارج مجدّدا بعد أن انكشف السَّرابُ سريعا.

هل من المنطقي أن يعود العالمُ والمخترِع الكبير بلقاسم حبّة من أمريكا فيجد نفسه يدرّس في جامعةٍ بالجنوب ويقطع مئات الكيلومترات يوميا ليصل إلى مقرّ عمله ويعود إلى بيته كل مساء، كما كشف بنفسه لـ”الشروق تي في”؟ كيف نهمِّش عالما مخترعا بلغ 1500 اختراع منذ أيام فلا نوفّر له ولو سكنا بقرب الجامعة لنمنعه من العودة إلى أمريكا؟ وهل جاء ليُفيد البلاد باختراعاته وبحوثه أم ليكتفي بالتدريس؟

النتيجة المؤلمة هي عودة هذا المخترع العظيم الشهير عالميا إلى أمريكا وفي قلبه حرقة على بلده الذي لم يوفّر له أدنى الإمكانات المادّية فضلا عن غياب مخابر البحث، أليست هذه جريمة بحقّ العلم والعلماء؟

ما قيل عن حبَّة ينطبق على الكثيرين في شتى التخصّصات العلمية والتكنولوجية، وفي كل البلدان المتطوّرة. لقد فقدت البلادُ منذ الاستقلال إلى الآن الكثير من العقول والكفاءات العلمية الرفيعة، ومع ذلك لم نلتمس بعد أيّ خطّة لاستعادتها لتخدم بلدها وتساهم في نموّه وتطوّه، أو على الأقلّ تفعيل الاستفادة منها عن بُعد بالنت، أليس البحث العلمي هو قاطرة تطوُّر أيّ بلد وبنائه اقتصادا تنافسيا قويا؟ هل تطوّرت أمريكا وأوروبا والصين واليابان وكوريا الجنوبية ونمور آسيا بريوع النفط أم بالبحث العلمي؟

لن تتطوّر بلادُنا إلا إذا أعدنا الاعتبار للعلم والبحث العلمي ورصدنا ميزانية سنوية معتبرة له، واسترجعنا من نستطيع استعادتهم من علماء ومخترعين وإطارات، ووفّرنا للباحثين رغد العيش ليتفرّغوا للبحث كليا، أليس من المعيب والمهين أن يتقاضى لاعبُ كرة قدمٍ شبه أمِّيٍّ مئاتِ الملايين من السنتيمات شهريا، ويُهمَّش الباحثُ والمخترع ويُرغم على مطاردة لقمة العيش المُرهِقة بمنحه راتبا زهيدا وكأنّنا ندفعه دفعا إلى الهجرة لتحسين الوضع المعيشيّ لأطفاله؟ أليس هذا طردا للأدمغة وجريمةً نكراء في حقّ الباحثين والكفاءات؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
16
  • عميروش

    في نفس الوقت يمكن أن نطبّق على هذه الفئة المثال الذي يقول: الدّجاجة التي تأكل عندك وتبيض عند جارك من الأحسن ذبحها.. والحديث قياس

  • ابو عماد

    لا تدفنوا الادمغة

  • ابونواس

    شخصيا لو أنني من هذه النخب لأبتعدت أكثر ولهربت الى أقصى نقطة في الكون...العمل في استراليا مع الآدميين أفضل من الاقتراب من هؤلاء المحليين...استراليا بلد القانون والعدالة والاحترام ....والجزائر بلد ..............................................

  • TABTAB

    للمعلق 10 : لقد وضعت الأصبع على الجرح فألأف تحية وتحية لصراحتك فالمشكل ليس مادي بقدر ما هو في عقولنا المتحجرة وقلوبنا المتطرفة والحقودة

  • محمد المجاجي

    السلام عليكم.
    إننا ثلة من الأساتذة المعيدين نعمل في التعليم العالي منذ ما يقرب من 40 عاما أو دون ذلك، ولم نستفذ من الترقية؛ ليس بسبب الشهادة، لأن آخرين في نفس المستوى وظفوا بعدنا ورقوا ويتقاضون ضعف أجرنا لأسباب لا نعلمها. إضافة إلى هذا فإننا نقوم فعليا بمهمة أستاذ محاضر منذ مطلع الثمانينات.. وهل تعلمون بإننا نتقاضى أجرا أقل من أجر معلم ابتدائي وأقل من أجر طلبتنا الذين تخرجوا على أيدينا ويعملون في التعليم الثانوي؟؟؟ ومن لم يصدق فليتصل بالوظيف العمومي ليأتي بالخبر اليقين. أليست الجزائر بلاد المعجزات والخوارق. وفقكم الله وإيانا.

  • محمد المجاجي

    السلام عليكم
    ...ولكن ماذا نقول عن العقول التي وأدتها قوى الانحطاط في الداخل المقهور منذ الثمانينات؟ هل تعلم أننا كنا في مرحلة الرئيس الشاذلي والتسعينات نبحث عن المجلة فلا نجد لها أثرا يذكر؟؟ وهل تعلم أن الأساتذة الجدد لا يزال يفترش الأرض ( كلوندو) في غرف طلبتهم الجامعيين في الأحياء الجامعية؟؟؟ هل تعلم أن بعض مشاريع البحث القائمة في جامعاتنا أغلبها نظري وتجاوزه العصر وهامشي؟؟؟ ذكر لي أستاذ كيمياء أنهم في مخبهم يطلبون المادة الكيميائية الضرورية للبحث فلا تصلهم إلا بعد ثلاث سنوات؟؟؟

  • اسم مستعار

    أنا أستاذ جزائري في جامعة أمريكية متواضعة. أتقاضى 110 ألف دولار سنويا. بعد كل المصاريف، أوفر حوالي 25 ألف دولار سنويا. من الامتيازات إن اولادي يدرسون في الجامعة مجانا...الخ.

    كيف أستطيع العودة التفكير عندنا كله حسد. حتى اذا سافرت بمنحة للعمل قالوا انت تسافر من أجل الأكل والنوم في الفندق؟

    إذا لم يتغير التفكير والعقلية جذريا، فلن يعود أحد.

  • جزائري حر

    حتى هده الأدمغة وفيها مشاكل فأغلبهم يريد العودة ولكن بشرط أن يكون هو الرايس فالناس عندنا راهي تجتهد باه تنجح في دراستها ولكن لهدف وحيد وهو من أجل حياة أفضل لدلك أفضل الإستثمار في المادة الخام

  • Adem

    الجواب باختصار هو: الشعب الجزاءري يكره ويحقد على المثقف ، عقدة النقص

  • TABTAB

    هذه الأدمغة هي ثقيلة علينا ونحن نمثل عبأ ثقيل عليها . ولهذا السبب هاجر أصحابها الى البلدان التي تدرك ما يمكن لهؤلاء تقديمه لمجتمعاتها فاحتضنتهم ووفرت لهم البيئة المناسبة . هذه البيئة التي لا نملكها للأسف والتي ليس كما يختصرها البعض في الماديات : أجرة صاروخية وسيارة بأجنحة... لا بل و أمور أخرى بسيطة لكنها لا نتوفر عليها

  • مشاشي

    من يظن أن النظام الحاكم وسلوكاته وبيروقراطيته واستبداده ............... هو المتسبب الوحيد في هجرة هؤلاء الأدمغة فهو واهٍ بل لنا نحن المجتمع أيضا نصف المسؤولية بسلوكاتنا وعقولنا المتحجرة وجهلنا ..... والخلاصة أنه لا مكانة للأدمغة في بلد يقدس أبنائه الجهل

  • mouh

    الحراق الجزائري ذو الدماغ المحدود لا يفكر في العودة الى موطنه الاصلي بتاتا فما بالك بالمهاجرين ذوي العقول النيرة...ماذا سيجدون في الجزائر غير قلة الاحترام و السفاهة...بالضافة الى ذلك عدم وجود الارضية الخصبة لتكريس ابداعاتهم.

  • من بلادي

    .. وماذا عن استعادة الأدمغة المُهاجِرة؟ .. ما قام به شعابنة قبل أيام هو جواب لسؤالك لأن الرجل ليس الا عينة للجزائريين في الخارج أو بالأحرى الغالبية الساحقة من هؤلاء

  • TADAZ TABRAZ

    .. استعادة الأدمغة المُهاجِرة مهمة أكثر من مستحيلة فلا أحد يمكن له أن يغامر بمستقبله ومستقبل أبنائه وأسرته قبل أن يرى بوادر الفرج تطل على الجزائر . هذه البودار للأسف التي تبتعد أكثر فأكثر نتيجة عدم وجود الجرأة والشجاعة لمواجهة المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد مما جعل الجميع يركز على القضايا الثانوية ومحاولة اصلاح ما هو غير قابل للاصلاح أصلا علما أن البيت الذي وصل الوباء الى أسسه لا يمكن اصلاحه بل لبد من اعادة بنائه من الأساس

  • ابن الجبل

    نعم طرد الأدمغة والباحثين جريمة نكراء في حق الجزائر والجزائريين !!، وأعطيت مثالا بالباحث الكبير بلقاسم حبة ، الذي شغل الورى في أمريكا ببحوثه العديدة ، واسهاماته الكثيرة في مجال الاختراع ... من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ... وعلقت سابقا، وقلت : بعد اعادة الأدمغةالفارغة ، نتمنى اعادة الأدمغة الحية المهاجرة ،لتنطلق الجزائر بمساعدتهم نحو الرقي والحضارة ، اذا أرادت ذلك .

  • جزائري

    الجواب . ليس عند نظامنا القدرة على الاستفادة حتى من من مازالوا موجودين في الجزاءر فكيف يستطيع الاستفادة ممن هم خارجها . في الجزاءر كفاءات عالية لم تذهب الى الخارج لاسباب عاءلية .وهناك من خرجوا للتقاعد ولكنهم ذوو كفاءاو عالية تم تهميشها عمدا لان المحيط كان محيط سرقة ولصوصية وليس محيط كفاءات . من لا يريد الانخراط في لعبة السرقة يتم تهميشه او حتى تهديده ومعاقبته بادوات كثيرة مهياة لهذا الامر.