وهم الانتصار بالقوة العسكرية!!

يَسعون لِعسكرة العالم ولِحُكمه بالقوة، لأنهم أفلسوا عقائديا وفكريا وسياسيا وهم في طريق الإفلاس الاقتصادي. بات الأمريكي والغربي بشكل عام غير قادر على الترويج لأنموذجه إلا من خلال القوة العسكرية. لم تعد لِأفكاره ولا لِنمطه في الحياة ولا لِسياساته أي قدرة على التأثير. لم تبق سوى القوة العسكرية سلاحه أو الإغراء بالمال!! لذا تجده في أمريكا أو في أوروبا الغربية أو في الكيان التابع لهما لا يتحدثان سوى عن مواصلة الحرب ضد الفلسطينيين بدم بارد، أو شراء الأرض، وشراء الذمم وشراء المواقف… ويجسد كبيرهم “ترامب” ذلك عندما يصرح أنه سيشتري “غزة” في دلالة واضحة أن كل شيء بالنسبة له أصبح يُباع ويُشترى أو يتم الاستيلاء عليه بالقوة… لا قيمة لشرف الانتماء للأوطان أو شرف الدفاع عندهم…
لقد زالت مثل هذه العبارات من قواميسهم وفقدت معناها… لذلك فإن الحوار والدبلوماسية والسلام العادل أو إحقاق الحق، واستقلال الشعوب وسيادتها وتعلقها بأوطانها لم يعد يعني عندهم شيئا… ناهيك عن القانون الدولي والشرعية الدولية والمساواة بين الشعوب وقرارات الأمم المتحدة!! لقد أصبحت مثل هذه العناوين “قيما” بالية ينبغي أن تخضع لمنطق القوة العسكرية أو للصفقات المالية المربحة! اليوم ينبغي الإعلان عن مشروع إنتاج طائرة F47 الأقوى من الـF35 بالنسبة للأمريكيين، وعن ضرورة الاستعداد عسكريا لمواجهة روسيا بالنسبة للأوروبيين، وعن استخدام تلك الطائرات الأمريكية المتطورة وتلك القنابل التي يزيد وزنها عن 900 كلغ لضرب أطفال ونساء غزة والضفة الغربية بالنسبة للكيان الصهيوني لعل العالم يخاف ويتمكن من اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم والاستيلاء عليها بالقوة. وفي هذه الغربيون جميعا (بعضهم أولياء بعض) …
ولكن هل هذه هي الكلمة الفصل؟ هل فعلا القوة العسكرية والمال قادران على فرض هذا المنطق؟ هل سينتصران في آخر المطاف؟
بكل تأكيد، لا هُما الكلمة الفصل، ولا هُما سينتصران في آخر المطاف، لأنهما يخفيان، في واقع الأمر، هزيمة داخلية لا يمكن إخفاؤها، داخل المجتمع الأمريكي وداخل المجتمع الغربي، وداخل الكيان الصهيوني، وستقضي عليهم جميعا ولا مجال لتجنبها…
صحيح إن السلاح القوي والمال الوفير يصنعان الفارق اليوم، ويبدو مَن امتلكهما أكثر قوة وأكثر نفيرا، إلا أن الحد الأدنى من المال والحد الأدنى من السلاح أثبتا أيضا جدواهما عندما يكونان بيد مَن يملك الإرادة والصدق والإيمان بالنصر…
ألم يستطع اليمن التأثير في الملاحة البحرية بما يملك من حد أدنى من قوة صاروخية؟ أليس بإمكانه إخراج جميع مطارات الكيان الصهيوني عن الخدمة بمجرد إطلاق صاروخ باليستي واحد؟ ألا يُضطر كل الصهاينة اليوم إلى الاختباء في الملاجئ بما في ذلك رئيس كيانهم بمجرد سماع صفارات الإنذار، ولو كان الرئيس “ترامب” معه لفر هو الآخر بنفس الطريقة، لا تنفعه بوارجه ولا أمواله؟ ألم يرفض سكان شمال فلسطين المحتلة وجنوبها العودة إلى ديارهم رغم إعلان وقف إطلاق النار الدائم مع حزب الله والمؤقت مع حماس، في حين عاد كل سكان شمال غزة إلى ديارهم وهي ركام، والقنابل من على رؤوسهم تتساقط؟ ما دلالة ذلك؟
دلالة ذلك أن عناصر القوة الإيمانية والمعنوية والقيم التي تحكم الفلسطيني واللبناني واليمني الأضعف عسكريا وماليا هي الأقوى، وأن الذي يشعر بمزيد من الخوف هو الصهيوني والأمريكي والغربي وليس ذلك الفلسطيني أو الإفريقي أو الآسيوي الذي مازال يتسلح بقيمه ومبادئه السامية… فلا تُرهبوننا بقواتكم العسكرية ولا تسعون لإخضاعنا بأموالكم.. نحن الأقوى إما ننتصر أو ننتصر…