-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في صحبة موسى والخضر

ويْحَنا لو كانت للرّذائل رائحة

أبو جرة سلطاني
  • 1042
  • 5
ويْحَنا لو كانت للرّذائل رائحة

من نعم الله علينا أنْ ستر عن الناس عيوبها، ومن نعمه أنّه لم يجعل بيننا عالما بالغيب يخبرنا بما لا نستطيع عليه صبرًا، ومن نعمه أنّ من أسمائه الستّير.. تصوّر لو أنّ النّوايا كانت مكشوفة للنّاس يرونها كما يرون أعمالنا، فأنّى لهم شمّ روائح الكذب والنّفاق والخيانة والخداع والتّملّق والزّور؟ وكيف سيرون صور الدسّ وما يجول في الخواطر من كيد ومكر ووقيعة؟ وماذا سيقال عن علامات المعاصي والذّنوب والمنكرات والموبقات؟ وأيّ بثور ستطفح على وجوه المجرمين: فمن نوى خيرًا عبق المكان بريح طيّبة، ومن تحرّكت في نفسه نيّة خبيثة عجّ المكان بريح منتنة.

وكلّما ارتكب امرؤ جريمة لاحت على وجهه علامة شوهاء كالرّشح والسّعال وحَبّ الشّباب!! فإذا تعدّدت المعاصي زحف على صفحة وجه العصاة ما يشبه الجدريّ والطّاعون فمُسخوا. أما المغتابون والكذّابون والمشّاؤون بنميم فيخنقهم سعال كلما أسرفوا على أنفسهم، وتصيبهم بترويج الأخبار ذبحةُ الفضيحة! فيعرفهم النّاس بما يرشح من جلودهم وما يطفح على وجوههم، فيدلّ على كلّ رذيلة لونُها أو ريحُها، ويُكشف كلّ ما هو مستور.

لو كان للرّذائل رائحة لاضطر العالم إلى إقامة مستشفيات “للحجْر الأخلاقي”. لو حدث هذا وكُشف الغطاء وأخذ الله الناس بذنوبهم وعجّل لهم العقاب لانقرض الجنس البشري من الأرض في ظرف وجيز: ((وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)) (النّحل: 61).. هكذا شاء الله -جل جلاله- تأخير الكشْف والعرض والحساب إلى أجل مسمّى ليعيش العالم في ستره حتّى يأذن بتفكّكه وزواله. وغير هذا التّقدير بغير هذه الحكمة فعالم مكشوف لا يصلح مكانَ عيش للبشر؛ ما قيمة الفضيلة إذا صارت للرّذائل قوارعُ تردع مقترفيها فورَ وقوعهم فيها بما يجعلهم أغرابا في المجتمع؟ ما قيمة الصّبر إذا صارت لكلّ مخطئ علامة يُعرف بها؟ بل ما قيمة الإيمان إذا ظهر في النّاس من يكشف أسرار الغيب؟! ويقول للمستعجل: ((ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)) (الكهف: 82).

هذا “الخيال الإيماني” هو الذي أرادت هذه القصّة اطلاعنا على نعمة ستْر الله لعباده؛ فلو أراد الله أن تكون هذه العلوم متاحة للنّاس أو لبعض علمائهم وشيوخهم لأبانها لنا في كتابه وأجراها على لسان رسله فصارت جزءًا من عقيدتنا ومما تعبّدنا به. ولكنّه لم يفرضها علينا ولم يأمر رسوله بإمضائها فينا لأنّه -جل جلاله- ستّار، صبور، لطيف بعباده.. كشف من لطفه عن ستره ثلاث صور من علْم غيبه، ثم حجب غيرها -ممّا لا يحيط به عدّ- بألطاف ستره وواسع رحمته ليكون هذا العالم مستورًا بستْره، وتكون حركة النّاس فيه محكومة بضوابط الشّريعة وليس بأمداد الغوْث وفيُوض الكشْف ورؤى الغيب وتناسخ الأرواح في لحظات شاطحة أو في “غيبوبة سُكر” بحبّ الإله وعشق الاتّحاد به والحلول فيه والذّوبان بفناء أبدي في “النّرفانا”! كلّ ذلك مناف لصفاء التّوحيد ومعاند لمفهوم الرّشاد الذي اشترطه موسى –عليه السّلام- لنفسه درسًا يتعلّمه من الخضر -رضي الله عنه- إذا قبل أنْ يتّبعه ويصْبر على ما تشاهده عيناه من صور فيها شيء من تجليات علم الغيْب الذي شاء الله الكشَف عنها لعبده الصّالح، وهي لفتة راشدة من موسى –عليه السّلام- ليسدّ بها منافذ التّأويل أمام “غُلاة الحضْرة” المبالغين في تأويل علم الكشْف بزعمهم أنّ قلوبهم تحدّثهم عن الغيب، فيقول شيخهم “حدّثني قلبي عن ربّي”! من غير واسطة من عقل ولا نقل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • قل الحق

    ان لم تستح فاصنع ما شئت.....

  • Mahboul

    بل ويح من نهبوا أوساندوا من نهب...

  • عبد الله الجزائري

    وياويح لو كان للفساد و سوء التسيير و التملق و الكيد للمجتهدين و الكيد للناجحين و المخلصين ياويح لو كان لكل هذا رائحة او علامات ظاهرة

  • نمام

    "ياايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية..."فلنطمئن الخضر هو القدر المتكلم في زماننا ومعرفته للغيب محدودة لتفسير مواقف في الحياة ومعرفة حكمة الله فيها لذا فلنواجه الاحداث بايمان و طماننية وثقة قد تكون السفينة قشلنا في مشروع اوعيب فينا و يكون دافعا لنجاحنا من يدري الغلام شر يمنعنا من شر اخطر الجدار تاخر رزق قد يكون في صالحنا لذا صبرنا وثقتنا ما يجعلنا تحتسب ونواجه قدرنا بقدرنا ونفر من قدر الله الى قدر الله اما الانسان يعتريه الفشل وقد يصهل بداخلة الجبروت و الغرور ولكن ايمانه والخضر بداخله يكبح ويعيده بتوبة و اسغفار و تذكر

  • لزهر

    ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا و الآخرة. و من أراد أن يدوم تحت ستر الله فلا يكشف ستر غيره. لا يفضحه أمام الناس. وفلان ستر فولانة أي تزوجها حتى لا تفقى مسخرة في أفواه الناس. سترك يا رب لا تخلوا من على وراء زجاج مركباتنا على شرفات منازلنا و أعناقنا. لأن الأنسان بجميع حواسه و خياله يبقي ضعيف أمام ما سيحل به في القادم المجهول. هذا العالم المجهول الذي يجعله مرة بين التفائل و الخوف من أشياء سيئة تصيبه في المستقبل. و يحرس الجميع على التستر و أصبحت عادة في مجتمعنا يُولي لها إهتمام كبير.