-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يأس خطاب اليأس

يأس خطاب اليأس

لا يتوقف البعض عن الترويج لخطاب اليأس بمناسبة وبغير مناسبة، يتصيّدون العثرات والأخطاء ويتابعون النقائص والسلبيات متابعة مجهرية ليرسلونها لنا في شكل خطاب شحناء وبغضاء قلّ مثيله… في الوقت الذي ما أحوجنا فيه اليوم لخطاب الأمل ينتشر بيننا لنتمكّن من مواجهة خطاب اليأس هذا الذي بات هواية البعض وصناعة البعض الآخر…

مجال اليأس عند أنصاره يبدأ من التأفُّف الزائد من التقلبات المناخية التي هي ظاهرة طبيعية يعرفها كل العالم، إلى التذمّر المبالغ فيه من سلوك جار أو حركة غير ملائمة في الطريق… إنه محصور دوما في النصف الفارغ من الكأس! والاسترسال في الحديث عنه غير محدود بعد أن يبدأ في الجلسات الخاصة أو منصات التواصل، خاصة عندما يجد السّامع والمجامل والطامع والحاقد وصانع اليأس المحترف…

أما خطاب الأمل الذي نحتاجه، فذلك الذي ينظر إلى النصف الممتلئ من الكأس… يرى ما عنده لا ما عند الآخرين، ما يكون لا ما يريد أو ما لا يستطيع أن يكون…

عرّف سدهارتا غوتاما، أحد الفلاسفة القدامى “المعاناة” التي هي من نتائج خطاب اليأس، وصفا دقيقا عندما قال بأنها ذلك الفرق بين ما يكونه الإنسان وما يرغب فيه، أي بين ما يملك من قدرات وما يريد الحصول عليه،  مستخلصا أنه كلما زادت رغبات المرء على حساب قدراته كلما زادت معاناته، ومنه وصل إلى القاعدة الجوهرية التي تقوم عليها فلسفته: أن الحياة السعيدة البعيدة عن المعاناة، إنما تقوم على كبح جماح الرغبات لا اللهث خلف زيادة القدرات لتحقيق ما لا يستطيع تحقيقه…

في المقابل، ذهب الفلاسفة الليبراليون إلى نشر فكرة مناقضة لهذه بين الناس تقول أن لا حدّ للرغبات والملذات، وعلى الإنسان استخدام كافة الوسائل لتحقيقها  والسعادة كل السعادة لمن يحقّق أكبر قدر منها، وإن كان على حساب قيّمه ومبادئه وأخلاقه وإن اعتمد المبدأ المكيافيلي القائل بأن “الغاية تبرر الوسيلة”، فتلك هي الواقعية وذلك هو أفضل طريق…

واعتنق هذا المذهب بعض الناس عن وعي أو عن غير وعي، شعوريا أو لا شعوريا… وشكّل المنطلق لخطاب اليأس لدى الكثير.. وكان من بين أسباب شعور الناس بالضجر من أوضاع كانوا قبل زمن قصير يعتبرونها الحلم الذي ينبغي أن يدرك، واستغله البعض الآخر لنشر الإحباط والانهيار إلى أبعد الحدود…

ونسي الكثير أن مواجهة خطاب اليأس هذا وجعل اليأس ييأس مما يريده، تكمن في العودة إلى قيمنا وثقافتنا المحلية النابعة من ديننا الحنيف الذي وضعنا بالضبط في الموقف الوسط بين فلسفة كبح الرغبات إلى درجة قتل كل تطلع إلى الحياة، وفلسفة إطلاق الجماح لها إلى درجة تخطي كافة الحدود من دون رقيب أو حسيب..  وبالنتيجة، سيتأكّد كل منّا أن منبع خطاب الأمل هو من داخلنا، من هذا الموقف الثالث بالذات، من العودة إلى الذات تحديدا، ذلك أن الأول فيه قتل للفطرة البشرية والثاني فيه ارتكاز مفرط على الغرائز الحيوانية فيها…

لذا علينا أن ندرك اليوم أن خطاب اليأس إنما هو أحد أمرين: قتل لرغبات الإنسان بوسائل التخدير والتغييب عن الواقع كافة (كافة أنواع المؤثرات العقلية)، أو تأجيجها فيه بوسائل التنشيط كافة (عبر منصات التواصل خاصة) حتى يبقى دائم الشعور بأن ما حصل عليه غير كاف،  فيعيش باستمرار حالة القلق والضجر…

أما خطاب الأمل، فذلك الرافض لمنطق  اليأس القائم على النظرة الموضوعية للواقع من دون إفراط ولا تفريط الذي يرضى بما عنده قبل النظر إلى ما يطمح إليه، ويسأل الله، تعالى، بثقة إن شاء أعطاه أكثر وإن شاء منعه.. عندها يكون قد أصاب اليأس في مقتل.. حتى ييأس اليأس من خطابه المريض ذاك…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!