يا فرنسا قد مضى وقتُ العتاب

القرصنة الدبلوماسية لرعية جزائرية محل متابعة لدى جهات قضائية يؤشر لجملة من المعطيات التي تؤكد عدم جدية الديك الفرنسي المجروح بفعل التحولات الاستراتيجية الدولية، فأمام النفوذ الاقتصادي الصيني، والعسكري الروسي، وقدرة إيطاليا على نسج علاقات متوازنة مع دول شمال إفريقيا، لم يبق أمام فرنسا سوى أعمال القرصنة وتهجير الخونة.
إن أعمال القرصنة الفرنسية تضاف إلى رصيد الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في حق الشعبين الجزائري والتونسي، وهي ماضية في الإفلات من ملف الذاكرة، ولكنها تكتب بغباء منقطع النظير ذاكرة جديدة تجعل الجيل الحالي يشهد على حجم خبثها، ويدفعه إلى مزيد من الوعي واليقظة، وهو يتأكد يوما بعد الآخر أن الحركى الجدد يعيشون بيننا، ويحاولون بيعنا، كما باعوا الوطن.
إن القرصنة باعتبارها عملا غير قانوني هي جوهر السياسة الفرنسية وإن ما يعلنه ساستها هو مجرد ذر للرماد في العيون، فالخلفية الاستعمارية هي المحرك الأساسي للسلوك الفرنسي، وبالتالي فإن سلوكها يدفع إلى ضرورة التركيز على الفعل وليس على أعمال الدعاية في الخطاب السياسي الفرنسي؛ ففرنسا غير قادرة للتحول إلى شريك اقتصادي وفق معادلة الاعتماد والاحترام المتبادل، لذلك يغلب العامل العسكري على تفاعلاتها في القارة الإفريقية.
الأمر الآخر أن القرصنة الفرنسية تمت على الأراضي التونسية، مما يجعل السياسة التدخلية هي السمة الأساسية للسياسة الخارجية الفرنسية، وإن الحديث عن القانون الدولي مجرد مفهوم افتراضي في السياسة الخارجية الفرنسية.
تحاول فرنسا ان تؤكد أنه لا فرق بين عملائها ومواطنيها، فهم تحت الحماية الفرنسية، وأنها قادرة على التصرف خاصة بعد أن دب الشك بين شبكاتها وخلاياها اليقظة والنائمة، بعد الضربات التي تلقتها فلول الفساد المالي والسياسي، الذي شكل مدخلا سهلا للاختراق الفرنسي، وأنها قادرة على حماية أصحاب الأدوار القذرة التي حاولت اتقان اللعبة وتحريف المسار مرحلة الحراك.
إن عمل القرصنة الفرنسية لرعية من الضفة الجنوبية للمتوسط قد أبان عن محتوى الهجرة الانتقائية التي تتحدث عنها فرنسا، فهي تمنع المهاجرين من التسلل للحدود باعتباره من فعل السيادة، لكنها تحمي الهجرة غير الشرعية وبأساليب غير شرعية، وبانتهاك سيادة الدول. وهي بذلك تقدم نموذجا لسلوك غير متحضِّر، وتسيء إلى نفسها أكثر مما تسيء إلى غيرها، إذ أصبح الغباء ملازما لإدارة سلوكها الخارجي.
وتؤكد الخطوة الفرنسية حجمَ الضغوط الممارَسة على تونس الشقيقة بسبب استمرار تونس في تبني خطاب سيادي. وفرنسا التي استغلت الظروف الداخلية التي تمرُّ بها تونس، تؤكد أيضا أن الخطاب الفرنسي حول الصداقة والسلام في المتوسط ليس سوى شعارات تسقط في ميدان الممارسة.
العملية الفرنسية تؤشر أيضا لاهتزاز مصداقية الدبلوماسية الفرنسية، إذ نشطت مؤخرا في إعادة نسج علاقات أكثر توازنا مع الجزائر، وانتهت بالتوافق على زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا شهر ماي القادم، لكن القرصنة الفرنسية والمساس بالسيادة قد تكون لهما آثار وخيمة على العلاقات بين الطرفين.
لقد عملت فرنسا نفسها لزمن على تدارك أخطائها في العلاقة مع الجزائر، ولكنها اليوم تطيح بجهود دبلوماسيتها فيما يشبه جلد الذات، أو التعبير عن القابلية للجمود، أو عدم القدرة على التقدم إلى الأمام، والاستعداد دوما للعودة بخطوات إلى الوراء مزهوَّة بثقافة الغباء.
حادثة بوراوي أبانت عن نفاق الاعلام الفرنسي المتستر وراء الاستقلالية والحرية، وحاول ايهامنا أن المعنية تنتمي إلى عائلة الإعلام، الأمر الذي نفته الجزائر جملة وتفصيلا. وبالتالي يؤكد الإعلام الفرنسي أنه يجسِّد الانحدار السياسي الذي يجر وراءه كل مؤسسات الجمهورية.
جاءت عملية القرصنة أيضا متزامنة مع إحياء الشعبين الجزائري والتونسي ذكرى الاعتداء الفرنسي على ساقية سيدي يوسف التي توحَّدت فيها دماء الشعبين، والقرصنة الفرنسية اليوم هي استمرارٌ للاعتداء المزودج على الساقية، بعد التضامن الواضح بين تونس والجزائر في عديد المواقف الدولية. وقد أحسنت الجزائر صُنعا حينما تحاشت ذكر تونس في بيان خارجيتها، فالديك الفرنسي المجروح حاول الإساءة إلى العلاقات التاريخية بين تونس والجزائر باعتدائه المزدوج على السيادة، لكن لن يجني سوى المزيد من الجراح التي ستُثقل كاهل فرنسا المتجهة نحو المزيد من السقوط.
إن أعمال القرصنة الفرنسية تضاف إلى رصيد الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في حق الشعبين الجزائري والتونسي، وهي ماضية في الإفلات من ملف الذاكرة، ولكنها تكتب بغباء منقطع النظير ذاكرة جديدة تجعل الجيل الحالي يشهد على حجم خبثها، ويدفعه إلى مزيد من الوعي واليقظة، وهو يتأكد يوما بعد الآخر أن الحركى الجدد يعيشون بيننا، ويحاولون بيعنا، كما باعوا الوطن.