-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يا فرنسا قد مضى يوم العتاب

يا فرنسا قد مضى يوم العتاب

رُبّ ضارة نافعة، مثل، يمكن أن نتنهده، في الحرب الباردة، الدائرة رحاها ما بين فرنسا والجزائر، في الفترة الأخيرة، فبقدر ما تظن فرنسا أنها باستفزازاتها المزمنة، تسبب الضرر للجزائر، بقدر ما تقتنع الجزائر، بأن “ضررها” هو منفعة عامة. فالذي يكشف لك سريرته، ويُخرج لك ما يمتلك من مشاعر نحوك، هو بالتأكيد أحسن بكثير من الذي يخبئ عنك أحاسيسه، وخاصة الذي يبدي لك ما ليس في قلبه من أحاسيس.

خروج أطراف فرنسية أمنية وسياسية وإعلامية حكومية، بعيدا عن اليمين المتطرف الذي لا يمكنه أن يكون سوى عدوّ للجزائر، بالقول بأن الجزائر فازت دائما بامتيازات فرنسية مقارنة ببلدان أخرى، هو خطأ استراتيجي، على طريقة، الذي يقذف الناس بالطوب وبيته من زجاج، فلو أحصينا الامتيازات التي حصلت عليها فرنسا في الجزائر ومازالت، لصدمنا هذا الذي تجرأ على الحديث عن هذه الامتيازات الوهمية أو المجهرية، وكأنه تحدث عن صدقة، تقدمها فرنسا لمتسول أمام باب “كنيستها”، وسيكون من العبث أن يرد الجزائريون على هذه الحلقات النتنة من مسلسل يبدو أنه من غير نهاية، لأن حال فرنسا ككاظم الغيظ إذا فاض ما في صدره، أرهق نفسه، ولن يرهق غيره.

في كل الحروب العسكرية أو الباردة أو الاقتصادية، يخسر الطرفان المتصارعان، بنسب متفاوتة، إلا في الحرب الفرنسية الجزائرية، فإن الجزائر لا تخسر أبدا، وما يحدث حاليا من حرب تدار هناك في قصر الإليزيه، هو تباشير النصر الكامل على عقود من الأحقاد، التي رسمها ذات زمن بعيد، القنصل “جون بون سانت أندري”، ويسير على خطاه اليمين المتطرف وبقية الحاقدين، الذين لم يُعادوا الإسلام بأحقاد “لوبين” و”شارلي إيبدو” وغيرهما، إلا لأن الجزائر بلاد إسلام، ولم يعادوا العرب عندما شاركوا في العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 إلا لأن الجزائر تنتمي إلى الأمة العربية، ولم يعلنوا صراحة عنصريتهم ضد شعوب الساحل والقرن الإفريقي، إلا لأن الجزائر تنتمي إلى القارة السمراء.

في قضية الجزائر مع فرنسا، لا يحتاج الضحية إلى أدلة، ولا يستطيع المتهم دفع ما يُتابع به من جرائم وتجاوزات، ففي كل شبر من الجزائر تنطق الأدلة وتجر المتهم إلى المقصلة، ولكل يوم توأم في سنة مضت، يضع المتهم بين الحديد، وفي المحاكمات الكبرى والمتشعبة التي يتورط فيها المتهم ويغرق، يتمتع القضاة دائما بكلام المتهم، لأنه بعد أن تحاصره الأدلة، يصبح كلامه هراء، ثم اعترافا بكل الجرائم، من دون أن يدري.

هناك في زنزانة بربروس، جلس الرائع مفدي زكريا، ذات شتاء من سنة 1956، وأحرق كل الكلام، باللهب المقدس:

يا فرنسا قد مضى يوم العتاب //// فطويناه كما يطوى الكتاب

يا فرنسا إن ذا يوم الحساب //// فاستعدي وخذي منا الجواب

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!