يا لِنفاق الغرب!

وكأنَّنا نَعيش مرحلة ما قبل”سايكس- بيكو” جديدة، كل يُمنِّي نفسه بقطعة من سوريا، وكل يستخدم كافة أوراقه لتحقيق مآربه، وجميعهم يبكون على حقوق الانسان المهدورة في هذا البلد، ناسين أن الذين اُنتهِكت حقوقهم وتم تعذيبهم وسجنهم في أسوأ الظروف إنما حدث طيلة عقود من الزمن عندما كان الدكتاتوريون المُطاح بهم اليوم، أصدقاء وحلفاء لهم حتى في الحرب على العراق…
ينبغي أن نتوقف لحظة لاستخلاص العبرة مما يحدث في سوريا اليوم، ونُعيد تذكير أنفسنا بأن الغرب لا صداقة دائمة لديه تجاهنا، وإِنْ بدا كذلك أحيانا…
علينا أن نَحذَر اليوم من ارتدائهم لباس الحضارة الخائفة على حقوق الإنسان والمُتباكية على حقوق الأقليات وحقوق المرأة… وما تبع ذلك من حقوق، الجميع يعلم أنهم مستعدون لأجل مصالحهم أن يتحولوا تحولا كليا عن مواقفهم السابقة ولو كان بـ180 درجة!
أيام قليلة بعد وصول هيئة تحرير الشام إلى دمشق وسيطرتها على الحكم، أصبح من العاجل أن يُسارعوا لِنَزع صفة الإرهاب عنها وعن قادتها تمهيدا لوصول اللاّهثين عن المصالح بكافة أنواعها إلى دمشق!
وهكذا وصل في الرابع عشر من هذا الشهر المبعوث الأممي “غير بيدرسون” حاملا رسالة تقول: أن مجلس الأمن بإمكانه مراجعة القرار 2254 الصادر بتاريخ 1 ديسمبر 2015 والقاضي ببدء حوار شامل بين الحكومة السورية أنذاك والمعارضة لأجل تسوية شاملة ونهائية وإنهاء النزاع… ولم تكن المراجعة تعني سوى أن يتم حذف الفقرة التي نَصَّت في القرار على استثناء الجماعات الإرهابية من هذا الحوار وعلى رأسها “داعش” و”النصرة”، بل ونصت على محاربة قادتها وعلى رأسهم قائد جبهة النصرة حاكم سوريا اليوم “الجولاني”…
جاء في نص القرار المُكَوَّن من 5 صفحات والذي صادق عليه مجلس الأمن بالإجماع، في الفاتح من ديسمبر 2015، من بين ما جاء فيه ما يلي:
“يكرر(مجلس الأمن) “دعوته […] إلى الدول الأعضاء لِمنع وقَمع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (المعروف أيضا باسم داعش) وجبهة النصرة وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطين بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات الإرهابية […] والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته تلك الجماعات على أجزاء كبيرة من سوريا”….
ويدعو(مجلس الأمن) “ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن الانتقال السياسي في جانفي 2016″…
كان ذلك قبل نحو عشر سنوات.. لم يُنفَّذ هذا القرار، ولم تُسَارع الدول إلى “القضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته الجماعات الإرهابية” في سوريا، ولم ترع مفاوضات الانتقال السياسي، بل كانت تلعب على مزيد من تعفين الوضع لتخسر سوريا كل مقومات الدولة وتخرج هي رابحة في آخر المطاف. وهو ما حدث ويحدث اليوم، بغض النظر عن مدى طبيعة المشروع الذي تحمله هذه الجماعات التي قيل أنها تطورت فكريا، وبغض النظر عما إذا كانت مقبولة لدى كافة السوريين أو غير مقبولة، ذلك شأن داخلي، فإن الذي ينبغي الوقوف عنده هو هذا النفاق الغربي الذي يُبقي المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق المُدَافعة عن الحد الأدني من الحق في الحياة، ضمن قائمة الإرهاب، ويُبيد شعبًا بأكمله بذريعة أنه يحتضنها، وفي ذات الوقت، وبدون مقدمات تبدأ وفود عواصمه مُصطَفَّة، تُبارك لهذا الوافد الجديد على الحكم في سوريا، وتجد له الأعذار، وتسعى عنده للحصول على مزيد من المكاسب… تحمل بيدها شرطا واحدا: ألا يُعادي الكيان الصهيوني وألاَّ يدعم المقاومة في فلسطين التي مازالت تكافح بالحد الأدني من القوة… من دون هذا الشرط، ستنقلب عليه رأسا على عقب، ويتحول بين عشية وضحاها، كما كان إلى إرهابي ابن إرهابي أبا عن جد! لا يكفي القضاء عليه، بل ينبغي القضاء عليه وعلى شعبه السوري الذي سانده بدون تمييز… هو ذا جزء من العقل الغربي الصهيوني المريض باستعباد الآخرين والذي مازلنا نصدقه… وفي كثير من الأحيان؟