-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
كُتبت عليهم حياة الشقاء وتوارثوا عيش الفقراء

آبار الموت تقتل الفلاحين وحفر الصرف تبتلع أبناءهم

سمير مخربش
  • 1400
  • 2
آبار الموت تقتل الفلاحين وحفر الصرف تبتلع أبناءهم
ح.م

تعددت حوادث الموت في الأرياف الجزائرية وتنوعت في المكان والزمان، لكنها تشترك في الكيفية والظروف التي تصنعها طبيعة البادية في بلادنا والتي أصبحت آلة لصناعة الموت تحت شعار تسكن في الريف أنت أقرب للموت لأن حولك أخطار الآبار وحفر الصرف الصحي ووسائل أخرى قاتلة.

منذ يومين تدخل رجال الحماية المدنية بولاية سطيف لانتشال جثة فلاح يبلغ من العمر 45 سنة، أب لطفلين سقط في بئر بمنطقة المعذر ببلدية قلال جنوب ولاية سطيف، الرجل عثر عليه ميتا بعدما سقط في بئر عمقها 20 مترا وعرضها 5 أمتار، لكن منسوب المياه فيها بلغ نحو 10 أمتار، لذلك كان مصير الرجل الموت المحتم مثله مثل المئات والآلاف من القاطنين في الأرياف الجزائرية الذين لقوا حتفهم بنفس الطريقة. وقبل هذا الحادث بثلاثة أيام، تدخلت ذات المصالح لإنقاذ شيخ يبلغ من العمر 62 سنة سقط في بئر بقرية زرقون ببلدية بوسلام شمال ولاية سطيف، وقبلها بيوم تدخل رجال الحماية المدنية لانتشال جثة طفل يبلغ من العمر 4 سنوات سقط في خزان مائي بقرية ملول بلدية قلال جنوب ولاية سطيف. وهوأيضا واحد من الحوادث المتكررة في المناطق الريفية التي ابتليت بإرهاب الآبار مثلما ابتلي أهل المدينة بإرهاب الطرقات.

وفي القرى والمداشر يكاد يكون الموت أقرب للناس من غيرهم بالنظر لطبيعة البيئة هناك التي تعتمد على الآبار التقليدية التي بنيت على طريقة القرون الوسطى، ولا زالت تحافظ على شكلها القديم الذي تتقدمه فوهة عملاقة يزيد قطرها عن 5 أمتار تبتلع العباد والحيوانات على مدار العام. فكلما افتقد أهل الريف أحد أفراد العائلة فأول وجهة يفكرون فيها هي البئر التي سبق لها أن التهمت كائنا آخر سواء كان من فئة البشر أو من رؤوس الماشية.

فوهات تبتلع الإنسان والحيوان

مثل هذه الآبار مفتوحة دوما على الهواء الطلق ولا تتوفر على أي حماية، وإذا اقتربت منها ينتابك الرعب لعرضها وعمقها ومياهها التي لا تكاد تعرف لها نهاية. وهي آبار تستغل للسقي ولأهل الريف فيها مآرب أخرى، فإلى جانب حوادث الغرق هي تصلح أيضا للانتحار سواء للرجال أو النساء فكل من اشتاط غضبا تجده يهدد برمي نفسه في البئر التي تشكل مرجعية للانسحاب من الحياة والتخلص من الضغوطات. وإذا كانت الآبار مخصصة عادة للكبار فللصغارمصير مأساوي من نفس النوع لكن بعمق أقل ويتمثل في الخزانات المائية ومجمعات الفضلات التي تحفر في الأرض لتجميع الفضلات، فبما أن العديد من المناطق الريفية تعاني من انعدام قنوات الصرف فالأهالي يلجؤون إلى هذه الحفر التي قد يزيد عمقها عن 3 أمتار وخطرها يكمن في فتحها في أوقات غفلة تجلب الأطفال فيسقطون فيها ويلقون حتفهم في مياه راكدة وقذرة لا تعطيهم أي أمل للعودة إلى الحياة.

واحد من هؤلاء طفل اسمه مهدي يبلغ من العمر 4 سنوات سقط بتاريخ 19 ديسمبر 2018 في حفرة للقاذورات مجاورة لمنزل العائلة الكائن ببلدية بيضاء برج بولاية سطيف، أين كان البريء يلعب رفقة ابن عمه فساقه الفضول لاكتشاف ما بالحفرة فسقط فيها ولم يتم اكتشاف أمره إلا بعد مرور نحو 20 دقيقة، حيث تمكن عمه من استخراج جثته بمجرفة في مشهد مفزع بدت فيه الجثة ملطخة بالقاذورات. فمات مهدي مثل العديد من الأطفال الذين لقوا نفس المصير بسبب مشكلة مياه الصرف التي لازالت قضية تشغل بال الناس في سنة 2020.

للكبار آبارهم وللصغار حفر الصرف وعجلات الشاحنات

وإذا نجا الأطفال من هذه المجمعات يلقون حتفهم تحت عجلات آبائهم في مشهد تكرر في العديد من المرات في الأرياف الجزائرية، فتجد الأب يخرج من المنزل يركب شاحنته أو جراره وعندما يعود إلى الخلف لا ينتبه إلى ابنه فيمر فوقه بالعجلات ويحطم جسمه الصغير ويحطم معه كيان عائلة بكاملها. وهو الحادث الذي تكرر في العديد من القرى ونتجت عنه عقدة من نوع آخر لآباء قتلوا أبناءهم عن طريق الخطأ ولم يتمكنوا من نسيان الحادث وصورة ذلك الطفل المهشم تحت عجلات مركبة والده.

لماذا تحدث هذه الحوادث في الأرياف بالذات؟ سؤال طفنا به على أهل البادية فوجدنا البيئة فرضت عليهم ذلك، فهم الذين عايشوا الآبار ومآسيها وظلوا محافظين على بنيتها منذ سنين فلا زالت بفوهتها العريضة المفزعة التي عادة ما تبقى مفتوحة جاهزة لالتهام الناس مع ضمان الموت المؤكد لعمقها ومنسوب مياهها، فرغم اكتشاف الأنقاب والآبار الارتوازية إلا أن الآبار التقليدية لازالت تحافظ على مكانتها في الأراضي الفلاحية، فأي محاولة لإصلاح العطب قد تنتهي بمأساة وأحيانا البئر تبتلع أكثر من شخص في محاولات يائسة لإنقاذ الغريق الأول.

بل حتى الأنقاب المعروفة بفتحتها الضيقة التي تقدر بنحو 40 سنتمترا إلا أنها حصدت الأرواح بطريقة عجيبة كما حدث مع عياش بولاية المسيلة في شهر ديسمبر من سنة 2018 وهي الحادثة التي كادت أن تتكرر بولاية سطيف بتاريخ 01 جويلية 2020، أين تمكن رجال الحماية المدنية باحترافية عالية من إنقاذ عجوز سقطت في بئر ارتوازية على عمق 40 مترا بعدما لامست رجلاها مياه البئر التي يصل عمقها إلى 120 متر، ومن حسن الحظ تمكن رجال الحماية المدنية من إخراجها حية في عمل بطولي أنقذ العجوز والعديد من الأطراف.

الرومان حلوا المشكلة قبل 19 قرنا!

من جهة أخرى، فإن عقلية البعض لم تعرف أي تطور، فرغم تعدد هذه الحوادث لازالت الآبار على حالها دون حماية، والناس في القرى والمشاتي لازالوا يعايشون، مكرهين، التخلف الذي ورثوه عن آبائهم، وهم يعملون دوما في ظروف صعبة وبوسائل بدائية تشكل خطرا على حياتهم، وهنا يقول عمي احمد وهو فلاح من بلدية قجال بولاية سطيف “لو سمحوا لنا بحفر الأنقاب لنقصت حوادث الموت في الآبار القديمة التي لم تعد تفي بغرض السقي لمحدودية مياهها التي تضطرنا إلى زيادة الحفر وفي كل مرة يبقى الإشكال قائما، فإلى جانب نقص المياه وعدم فعاليتها باتت هذه الآبار مقبرة لآبائنا وأبنائنا”.

العيش في الأرياف أضحى من المهمات الصعبة لذلك تخلى عنها العديد من الفلاحين الذين تنقلوا إلى المدن، والعيب ليس فقط في الظروف والوسائل بل حتى في الذهنيات التي توارثها بعض سكان هذه المناطق، فقد تجد فيهم من يملك المال الأموال الطائلة لكن مسكنه غير موصول بقنوات الصرف فيرمي بفضلاته في حفرة ابتلعت الأطفال في أكثر من مناسبة، مع العلم أن قضية قنوات الصرف يمكن أن تحل بأي طريقة ففي مدينة جميلة الأثرية، التي تأسست في نهاية القرن الأول الميلادي، لازال هذا المعلم يشهد على وجود قنوات الصرف في عهد الرومان، فقد صنعوها بالحجارة وأبعدوا عنهم القذارة، بينما في أريافنا لازالوا عاجزين عن حل هذه المعضلة التي وجد لها الرومان حلا منذ قرون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • شوية عقل

    الذي يجنني في أهل الريف، رغم عدة مزايا فيهم، هو ترك آبارهم دون غطاء
    لا أقول ذلك اعتباطا، بل زرت العديد من المناطق، إنهم لا يبالون كثيرا بسلامة أبنائهم حتى يقع الفأس على الرأس.
    إذا لم ينفع القرآن، ينفع عصا السلطان
    غرامات ضخمة على كل بئر غير مغطاة، سواء البئر التي تعمل أو التي هجرها صاحبها.

  • alilao

    مقال في المستوى ولكن أين التعليمات والسلطات المكلفة بهذه المشكلة.