-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“آيا صوفيا”.. ومساجد الأندلس!

“آيا صوفيا”.. ومساجد الأندلس!
ح,م

مرة أخرى، تصنع تركيا أردوغان الجدل الساخن في الوطن العربي، بين مدافعين بشراسة، ومنتقدين بتطرُّف، لكن من المؤسف أن تنطلق تلك السجالات من ولاءات عاطفية محضة أو أحكام مسبقة حادة، لمجرّد خلافات إيديولوجية، عوض التفاعل الموضوعي مع سياسات دولة إقليمية فاعلة في المنطقة.

ودون تدخّل في الشأن التركي، فإنّ استعادة المعلم الحضاري “آيا صوفيا” يمثل حدثًا جللاً في تركيا المعاصرة، تتعدّى أبعادُه الجغرافيا المحليّة إلى العالم الخارجي، لما يحمله من رمزية دينية وتاريخية تمسّ عقيدة الشعوب، غير أنّ القضية تعرّضت لمغالطات كثيرة بدخول أطراف “تنويرية” وأبواق إعلامية عربيّة، فضلا عن الموقف الغربي.

صحيح أنّ الدين الإسلامي حافظ تاريخيّا على دور العبادة لجميع الديانات، والعهدة العُمريّة في بيت المقدس خير شاهد على ذلك، لكن وضع “آيا صوفيا” مختلفٌ تماما، ذلك أّنّ السلطان محمد الفاتح تحصل على لقب الإمبراطور الروماني، بعد فتح القسنطنطينية (1453 م)، ليصبح مالكا للعقارات المسجَّلة باسم الأسرة البيزنطية، إذ تم تسجيل “آيا صوفيا” باسمه، ثمّ بناها للمرة الثالثة على أطلال كنيستين مدمَّرتين محترقتين.

وفي فترة الجمهورية، صدرت نسخة رسمية من سند المِلكيّة المعدّ بالأحرف الجديدة التي تُكتب بها التركية الحالية، قبل أن يغتصب كمال أتاتورك مسجد “آيا صوفيا”، ضمن مشروع علْمنة الدولة، ويحوّله إلى متحف عبر قرار إداري صادر عن مجلس الوزراء عام 1934.

وعليه، فإنّ ما قام به القضاء الإداري التركي اليوم هو مجرّد إبطال عادل لقرار تعسّفي، إذ إنه من حق الأتراك إعادة إحياء آيا صوفيا من جديد، للتعبير عن هويتهم الدينية كأمَّة تركية ومسلمين يفتخرون بتاريخهم.

وبذلك، تكون حجَّة المتباكين بكذبٍ على المسيحية والتعايش الديني واهية، لأنها مُجانِبة للوقائع المادية والقضائية، وبعيدة عن الحقيقة التاريخية.

هل يعلم دعاة الحداثة والتنوير المزيفين أنّ في تركيا اليوم أكثر من 453 كنيسة وكنيسٍ؟ ما يعني أنّ حرية المسيحيين مكفولة إنْ لقي دينُهم رواجًا بين الناس.

هل غابت عن أعين هؤلاء تلك المساجد المستلَبة في إسبانيا منذ سقوط غرناطة، وأبرزها مسجد قصر الحمراء، الذي شيَّده الملك أبو عبد الله محمد الأول بن الأحمر، في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، ويعدّ واحدا من أجمل الآثار الإسلامية، قبل تحويله إلى كنيسة “سانتا ماريا” جنوب العاصمة مدريد؟

لماذا يتجاهلون المطالبة باسترجاع مسجد قرطبة الكبير، الذي أمر بتشييده الملك أبو عبد الله محمد الأول بن الأحمر عام 754 م، وافتتحه الأمير عبد الرحمن الثالث للمصلين عام 987 م في مدينة قرطبة، قبل تحويله إلى كاتدرائية “مريم العذراء” بعد سقوط الأندلس؟

لماذا يتنكَّرون لمسجد باب المردوم في طليطلة، الذي حوّله ألفونسو السادس، ملك قشتالة، إلى كنيسة “نور المسيح”، عقب استيلائه على المدينة سنة 1085؟

لم يصمتون عن جامع إشبيلية الكبير (1182 م)، الذي أمر فرناندو الثاني بتحويله إلى كنيسة “جيرالدا بسيفييا”؟

طبعا، نحن لا نقدِّم هذه النماذج التاريخية من باب المُقايضة، بل لفضح زيف “التنويريين” في كيلهم بمكاليْن تجاه المعالم الدينية.

أكثر من ذلك، فإنّ الواقع الذي يريد هؤلاء طمسه بشأن حاضر المسيحية ومستقبلها، هو التستّر على إغلاق الكنائس وبيعها بالمزاد العلني في أمريكا وأوروبا، حيث تتصدَّر ألمانيا قائمة الدول الأكثر بيعا، ولعلّ كنيسة “دورتموند يوهانس”، أبرز تلك الكنائس التي اشتراها “الاتحاد الإسلامي التركي” قبل 10 أعوام.

في هولندا، تحوَّلت كنائس إلى فضاءات تجاريّة ومحلاّت لبيع الزهور وبيع الكتب وحتّى قاعات للألعاب الرياضية وحدائق تزلج بين تماثيل القديسين، بل تحوّلت إلى حانات ومقاه.

ولا تختلف الحال كثيرا في بريطانيا، حيث تغلق الكنيسة الإنجليزية نحو 20 كاتدرائية سنويّا، وأكدت في 2017 “كريستيان ريسيرج”، المهتمة بشؤون المسيحيين في بريطانيا، أنّ أكثر من 10 آلاف كنيسة أغلقت أبوابها في عموم البلاد منذ عام 1960، ومن المتوقع أن يتجاوز العدد 4 آلاف في 2020، ومعروف أنّ موقع “OurProperty” متخصّص في الإعلان عن بيع الكنائس، بينما سجلّت الدنمرك 200 كنيسة كميؤوسٍ منها.

خلاصة الكلام: لماذا لم يتجنّد هؤلاء المنددون باستعادة “آيا صوفيا” لإنقاذ الكنائس في العالم؟ ولم سكتوا قبلها عن استرجاع آثار المسلمين في أوروبا؟ ألا يُثبت ذلك أن خروجهم اليوم عن الصمت مجرّد موقف سياسي خالص، لا علاقة له بالمبادئ التي يتشدَّقون بها؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
10
  • مواطن بسيط

    المشكلة في بعض الأشخاص أنهم يطبلون لإعادة فتح مسجد آيا صوفيا و يغضون الطرف عن بيوت الدعارة و المخامر و مظاهر الفساد المنتشرة في تركيا و إباحتهم حتى لللواط تحت مسمى '' الدفاع عن حقوق المثليين '' !!!!
    لماذا أردوغان لا يوقف هذه الأشياء أليست هي أولى من فتح مسجد آيا صوفيا؟!!

  • شرقية خالد

    تبكون يا غجر لكنيسة تحولت لمسجد بقرار عدالة لم تنتقده حتى التيارات العلمانية والمسيحية في تركيا، ولا تبكون لآلاف المساجد حولها الصهاينة إلى اصطبلات وخمارات، وهي موجودة بالاسم والعنوان.
    لا غرابة لماذا أغلق الله مساجده في وجوهكم، أنتم من الربا ما تخرجون ومن الكذب والخيانة ما تفارقون، كيف أصلا تتكلمون في الدين، روحوا يا مسطولين.

  • من عظمة المسلم

    لما يريد مسلم تحويل كنيسة أو معبد يهود لمسجد، فإنه يبقيه في قداسته ويحول عباده، يبقيه دار عبادة فالمعبود هو الله، أو يتركه كنيسة في نظافته وقداسته.
    بعكس المسيحيين، أولائك البشر الجميلين، ذوي العيون الزرقاء، كم يتفنون في تحويل المساجد إلى مخامر وملاهي، إلى اصطبلات، بغضا وكرها في الاسلام وفي رب الأرباب، فهم شعب همجي وسخ، جميل المظهر بشع القلب، هوومن يدافع عنهم من بني جلدتنا المنقوصين المنحطين كلما رأوا أجنبيا يتوددون له لعله يبتسم لهم.
    وجوه البخس

  • البشير

    ما قام به اردوغان سياسي بحت ولا علاقة له بالدين. الرجل يحلم باستعادة الامبراطورية العثمانية ولهذا يقدم نفسه كمدافع عن الاسلام ، كان يريد السيطرة على سوريا ويصلي في جامعها الاموي وها هو اليوم يحتل ليبيا والبارحة كانت له عين عل الجزائر و راح يرمم مخلفات التراك كجامع كتشاوة على المستوى الداخلي حزبه يترنح وهو يريد كسب المنتخبين الاسلاميين. كنيسة آيا صوفيا لها من الوجود عشرة قرون قبل ان يحولها العثماني الى مسجد بعد غزو القسطنطينية.اليوم هي ليست كنيسة بل متحف.ما فعله الاسبان في الاندلس كان وقت الحروب الدينية، ثم الاندلس ارض اسبانية . الحقيقة هي هذه والتبرير اليديولوجي لا ينفع

  • محمد

    ما يزعجني في موضوع أيا صوفيا ليست أصوات أعداء المسلمين عبر العالم الذين يعلنون ويدعون اللائكية الكاذبة حين يقومون بإغلاق المساجد المتعددة خاصة بالعالم الغربي وإنما تلك الأصوات المدجنة لعبادة أسيادهم من المتثقفين الجهلة من المدعين انتماءهم إلى العالم الإسلامي وهم في الواقع إلا جزء من المرتدين أو المتسولين لحماية أسيادهم.بل إن الكثير من هؤلاء الفاسدين باعوا كرامة أوطانهم وقيم حضارتهم بأبخس الأثمان إذ يستغلون هذه المناسبات للطعن في دين شعوبهم عوض المساهمة في تنويرها إن كانت لهم القدرة على محو ما أدخل فيه من شوائب مقصودة كانت سببا في ضعف الأمة الإسلامية وتخلف حضارتها.فالتصدي لهؤلاء أولى بالاهتمام

  • احمد عدة بن علو

    السؤال لمادا تقف السعودية بلد الحرمين والاسلام ووالمريكان ضد تحويل مسجد اياصوفيا الي مسجد كما كان اليست تركيا حرة في سياستها الداخلية ماددخل الامراء //احمد

  • أعمر الشاوي

    ومن له الشجاعة اللازمة لإسترجاع كل هذه المساجد التي ذكرتها يا أستاذ ؟ لا تلوموا الغرب إذا حولوا ما لديهم من مساجد إلا كنائس بعد اليوم, محمد الفاتح حول أيا صوفيا عنوة أي بالقوة لما أصبح مالكا للقسطنطينية بموجب فتوى شيخ الأئمة أنذاك و هذا مخالفا لتعاليم الإسلام كما تعلم, القرار سياسي لا علاقة له بالدين و لا خدمة للدين , أليس من باب أولى غلق المخمرات و منتجعات سياحة .... التي تشتهر بها تركيا ؟ أم هذا لا علاقة له بالدين ,؟و هل مشكلة العالم الإسلامي في نقس المساجد و دور العبادة ؟

  • محمد ف

    أين نضع المشاركة في تقسيم وتدمير دول تأوي شعوب مسلمة (سورية وليبيا) في إطار خطة دولية استعمارية مفضوحة ضد الدول العربية، خصوصا، مقابل استعادة الصلاة في أي مكان مهما كانت قداسته؟!!! فهذا الذي يشارك في برامج دولية لإتلاف أقطار إسلامية وبالمقابل يسوق لنا استعادة الصلاة في رقعة ما على أنها إنجاز فعليه أن ينتظر مكر الله.

  • نمام

    فشل السنة في ادارة واقعهم ومسايرة تحولات العالم ما زالت روح الصليبية تمسك اظافرها في اعناقهم بالرغم ان الغرب غادر واصبح يتعاطى مع ازاماتنا و مشاكلنا بمستوى اخر وواقع مغاير غير الاوهام التي نحبكها بايدلوجيا لم يعد لها مكانا مما يطرا على العالم من تحولات وعلى اهل السنة مواجهة التحولات بنصورات جديدة الحكم و الديمقرطية والعلاقة مع الاقليات و السلام في العالم ونظرة للمشرق نجد الفشل تغلب الانظمةوالجماعات المدعومة من ايران مما سبب رضات حادة ليجدوا اوردغان مصعدا التوتر مع الغرب الى حد اقصى بدون سبب الا مضاعفة تازم واقعنا وعيشنا على اوهام ايدلوجيا ولت فانتصالح مع واقعنا وندرك لان المستقبل مسايرة واقع

  • إسماعيل الجزائري

    و أيضا فإن أيا صوفيا حاليا لا تقام بها أيّة طقوس مسيحية.