-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أبناؤنا بين رهاب الامتحانات وبريستيج الأولياء

أبناؤنا بين رهاب الامتحانات وبريستيج الأولياء
أرشيف

سيطرت في السنوات الأخيرة على البيت الجزائري ظاهرة غريبة وتكاد تشكل خطرا على شخصية الأطفال واليافعين وهي رهاب الامتحانات وحمى المعدلات، خاصة أنها في تصاعد وتزايد وامتداد بكل تأثيراتها السيئة. من المسؤول عن تكريس صورة غير حقيقية عن الامتحان؟ ومن ساهم قبل ذلك في تشويه سمت العلم واستبداله بقشور بالية؟ وما هي الخلفيات المتسببة في خلق ضغوط وأزمات نفسية معرقلة للمسار العلمي والفكري للناشئة والشباب ومضيّعة للأهداف التربوية والأخلاقية؟ وهل مازالت حرمة للمدرسة أو للبيت وظاهرة اعتداء التلاميذ على المعلمين والمراقبين في تفاقم وانتشار وخاصة في فترة الامتحانات؟

إن منظومة الغش والفساد ضربت العصب الأساسي في العملية التعليمية وهو التلميذ وجعلته يزداد جهلا كلما تقدم في المستوى، وكلما ازداد جهلا، ازداد هلعا لتحصيل المراتب والتقديرات، وبأي شكل من الأشكال، كتعويض عن الخواء والضحالة، وبوصاية من الأسرة والمدرسة، وهذا تفسيرٌ منطقي لظاهرة (تغوّل) التلاميذ على المراقبين؛ إن التلاميذ المتسببين في الاعتداء على المستشارة التربوية، يتصرفون وكأنهم في حالة دفاع عن حقهم الطبيعي المكتسب في الانتقال الآمن وبأعلى الرتب للمراحل الأعلى، مثلما يقول المثل العربي “عض قلبي ولا تعض رغيفي” لقد أخذوا العلم في بعده (الرغيفي) المادي، فأضحى عندهم، مجرد مكاسب ومناصب وشكليات، وفي ظل غياب المعنى وانكماش الفكرة، امتد التوحش والتغول والعنف إلى كل القطاعات التربوية.

السبب الرئيسي المتحكم في هذه الظاهرة هو تغيرات جذرية داخل البنية الاجتماعية، وهيمنة الطابع الاستهلاكي المادي، والنفعية والأنانية، وتراجع التربية الإيمانية، داخل الأسرة والمدرسة، ما أثر في سلوكات الأفراد ونظرتهم للأمور، وشغلت الدروس الخصوصية أو دروس الدعم موقع المركز من سعي الأولياء واهتمامهم مما ساهم في ترويج نمط دخيل وفاسد على منظومتنا التربوية والاجتماعية وتبدلت خطط النجاح والفشل، ومعايير الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، وخضعت النقاط والمعدلات للميزان التجاري ما شكل خلخلة كبيرة في موازين القيم، مع اعتياد الأولياء على دفع الأموال نظير دروس، أو ما شبه لهم من تمارين مُحلّة تكسر شوق التلاميذ وتوقعاتهم وتعطل قدراتهم، ويُترك التلميذ في دوامة غياب المعنى والجدوى، مشدود الوجدان إلى (الرغيف) أكثر من المبادئ، يعيش صراعا حقيقيا بين الواقع والمثال، إنه ضحية معلمٍ يدرِّسه بتقشُّف في الساعات الرسمية، وما أن تهلّ ساعات الدعم حتى يتحول إلى مثال في الإخلاص، للعلم أم للرغيف؟ لست أدري ولكن التلميذ يدري ويشعر ويسير على نهج من ربَّاه على الولاء للرغيف، وباع له الوهم في تفخيم مستواه وتلميعه بالرتب التي لا يستحق، إلا من رحم ربي من المعلمين والأساتذة الشرفاء، والتلاميذ الأنقياء.

ومن جهة أخرى، يجد التلميذ صراعا آخر ينتظره في داخل البيت، وهو المعزول بلا ذنب في زنزانة المراجعة المستديمة، لتحقيق المعدل الكبير والوجاهة الكبيرة، إنه ضحية مطالب تعجيزية، في ضرورة نيل معدلات وأرصدة ورتب تفوق أحلامه وقدراته، فيتعاظم خوفه من الامتحان، بقدر خوف الأهل على ضياع الأموال هدرا في دروس لم تدعمه للتفوُّق والامتياز، لتصبح أوقات التحضير للامتحانات وأوقات تحصيل النتائج، من المناسبات العصيبة التي تؤجِّج الخلافات داخل البيت، ما ينعكس سلبا على نفسية الأبناء وتزداد معاناتهم ومحنتهم بين البيت والمدرسة، في طغيان التصنيف الجائر والمعاملة الانتقائية بالنظر للمعدل الفخم والرتبة العالية على حساب المضمون الحقيقي للعلم.

وفي الأخير لا بد من مراجعة الكثير من المزالق والمحاذير داخل البيت وخارجه وتصحيح الكثير من المفاهيم والتصوُّرات لتستقيم السلوكات، حتى لا يتحول الحرص على التفوُّق والامتياز في السنوات النهائية إلى مطلب مكمِّل لأناقة الأمهات ووجاهة الآباء، مجرد (بريستيج)، برغم ما فيه من محن تُرهق كاهل الأبناء، وتكسر أحلامهم البريئة في دوامة رهاب الامتحانات التي لا تعرف النهاية حتى تعود مرة أخرى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!