-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أثمن كنز في الوجود (1)

سلطان بركاني
  • 557
  • 0
أثمن كنز في الوجود (1)
ح.م

يُروى في الأثر أنّ الخليفة الرّاشد أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، كان كثيرا ما يدعو الله قائلا: “اللهمّ إنّي أطعتك بأحبّ الأشياء إليك وهو‏التوحيد، ولم أعصك بأبغض الأشياء إليك‏ وهو الشرك؛ فاغفر لي ما بينهما”.. ما أروعه من رجاء وما أجمله من دعاء؛ إنّه دعاء رجل فقيه عارف بالله سبحانه وبما يحبّه من الأعمال والأقوال ويرتضيه من الأحوال، دعاء رجل صالح –نحسبه كذلك- عرف أنّ أحبّ عمل إلى الله هو إفراده سبحانه بالوحدانية وأبغض عمل إليه – جلّ في علاه – هو الإشراك به.. دعاء قليلة كلماته، لكنّه ربّما يكون من أرجى الأدعية قبولا عند الله، لأنّ صاحبه يتوسّل إلى مولاه بطاعته في أحبّ شيء إليه واجتناب معصيته في أبغض شيء إليه.

ذكّرنا في مقال سابق نُشر في جريدة الشّروق بكنز من أعظم الكنوز التي ينبغي لكلّ عبد مؤمن أن يسعى ليكون له حظّ وافر منها، عن كنز الأخلاق الذي ينال به العبد في هذه الدنيا راحة البال وسعة الصدر ومحبّة الخلق وبركة الرّزق، يقول يحيى بن معاذ رحمه الله: “في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق”، وينال به العبد في الآخرة أعالي الجنات، وكلّما كان حظّه من الأخلاق أوفر كان قربه من الحبيب المصطفى –صلّى الله عليه وآله وسلّم- في الجّنّة أكثر، يقول الخليل المجتبى عليه الصلاة والسلام: “إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا”.

حديثنا في هذا المقال عن كنز آخر من الكنوز التي ينبغي أن يحرص كلّ واحد منّا على الظّفر بها ونتنافس ليكون لنا الحظّ الأوفر منها، عن “كنز التوحيد” الذي هو أعظم وأثمن كنز في الوجود؛ فلا أفضل ولا لا أكرم ولا أعزّ من أن يكون العبد موحّدا لربّه وخالقه، لا يدعو إلا مولاه ولا يرجو إلا خالقه.. لسانه يلهج بذكره ودعائه ورجائه، وقلبه عامر باليقين أنّه –سبحانه- كافيه وأنّه لن يخيّبه ولن يردّه، كيف لا وهو –سبحانه- القائل: ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه)).. إن أصابه خير بدأ بشكر مولاه والثناء عليه قبل أن يشكر أيّ مخلوق، وإن أصابته ضراء توجّه إلى مولاه يدعوه ويسأله ويرجوه ويبكي بين يديه ويلح عليه في الدّعاء، قبل أن يتوجّه إلى مخلوق من المخلوقين يستعين به فيما يقدر عليه، لأنّه يعلم أنّ مقاليد الأمور ومفاتيحها كلّها بيد الله سبحانه، كيف لا وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرضين وإذا أراد لشيء أن يكون قال له كن فيكون؟ يقول جلّ شأنه: ((وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِه))، ولأنّ العبد الموحّد يعلم أنّ مولاه –سبحانه- أرحم به من جميع المخلوقين وأرحم به من والدته ووالده والنّاس أجمعين.. ولأنّه يعلم أنّ مولاه يسمع جميع الأصوات، بل يسمع الهمسات والهمهمات ويسمع أنين القلب قبل لهج اللسان ويرى خفقان القلب قبل بكاء العين، ولأنّه سبحانه لا يملّ من كثرة السؤال بل يغضب من عبده إن لم يسأله.. ولأنّه سبحانه لا يغلق بابه دون عباده ولا يردّ سائلا أبدا، بل ويستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين.

يُروى عن الإمام العلم جعفر الصّادق -رحمه الله وطيّب ثراه- أنّه قرأ في بعض الكتب أنّ الله تبارك وتعالى يقول: “أيؤمِّل غيري في الشّدائد والشّدائد بيدي؟! ويرجى غيري ويقرع باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني؟! فمن ذا الذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونها؟! ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه منّي؟! جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي، وملأت سماواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم من طرقَته نائبة من نوائبي أنّه لايملك كشفها أحد غيري إلا مِن بعد إذني، فمالي أراه لاهيا عنّي، أعطيته بجودي مالم يسألني ثم انتزعته عنه فلم يسألني ردّه وسأل غيري؛ أفيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم أُسأل فلا أجيب سائلي؟! أبخيل أنا فيبخّلني عبدي؟ أوليس الجود والكرم لي؟! أوليس العفو والرحمة بيدي؟! أوليس أنا محلّ الآمال؟! فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤمّلون أن يؤمّلوا غيري، فلو أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أمّلوا جميعا ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص منملكي مثل عضو ذرة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟! فيا بؤسا للقانطين من رحمتي، ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني”.

أكرم الأكرمين لم يجعل بينه وبين عباده وسطاء

العبد المؤمن الموحّد، يحمل يقينا في قلبه أنّ مولاه قريب مجيب، كيف لا وهو سبحانه القائل: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان))، وهو –سبحانه- أكرم الأكرمين ومِن كرمه أنّه لم يجعل بينه وبين عباده وسطاء ولم يحوجهم إلى شفعاء يشفعون لهم إليه، كما يفعل بعض المخلوقين الذين علاوة على أنّهم لا يمكنهم الاطّلاع على أحوال النّاس وحاجاتهم، فإنّهم يحتجبون عنهم بأبواب وحراس ويحتاج من يدخل عليهم إلى وسطاء، أمّا المولى سبحانه فهو العليم الخبير بأحوال عباده، أذن لكلّ عبد منهم أن يدعوه ويسأله ويسترحمه في أيّ وقت وعلى أيّ حال، مهما كان العبد مقصّرا ومذنبا، فإنّ مولاه لم يُحوجه إلى من يتوسّط له إليه، بل أمره بأن يتوب ويلجأ إلى مولاه مباشرة، وبدل أن يتوسّط إلى الله بالصّالحين فإنّ عليه أن يتوب ويقتدي بالصّالحين ويتوجّه بدعائه ورجائه مباشرة إلى الله سبحانه، ولهذا عاب المولى –جلّ شأنه- على المفتونين الذين يتّخذون الوسائط والشّفعاء ويضربون لله –سبحانه- المثل بالمخلوقين الذين يتعاملون مع غيرهم بالوساطات، فيقول قائل هؤلاء المفتونين: من أراد أن يدخل على مسؤول كبير فإنّه يحتاج إلى وسيط يتوسّط له إليه ويدخله عليه، وكذلك الله سبحانه! وهذا الكلام فيه جرأة على الله وتشبيه له سبحانه بالمخلوقين المستكبرين، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، يقول سبحانه: ((فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون)).

يقول أمير المؤمنين عليّ -رضي الله عنه- موصيا ولده الحسن -رضي الله عنه-: “واعلم أنّ الذي بيده خزائن السّماوات والأرض قد أذن لك في الدّعاء وتكفّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يُلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التّوبة، ولم يعاجلك بالنّقمة، ولم يعيّرك بالإنابة ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدّد عليك في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرّحمة. بل جعل نزوعك عن الذّنب حسنة، وحسب سيّئتك واحدة، وحسب حسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب. فإذا ناديته سمع نداءك، وإذا ناجيته علم نجواك. فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره من زيادة الأعمار وصحّة الأبدان وسعة الأرزاق.. ثمّ جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته. فلا يقنّطنّك إبطاء إجابته، فإنّ العطيّة على قدر النّيّة. وربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل وأجزل لعطاء الآمل. وربّما سألت الشّيء فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك. فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله. فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له” (نهج البلاغة).

وكان الإمام علي بن الحسين زين العابدين كثيرا ما يقول في دعائه: “اللّهمّ اجعلني أصول بك عند الضّرورة، وأَسأَلك عند الحاجة، وأَتضرّع إليك عند المسكنة، ولا تفتنّي بالاستعانة بغيْرك إذا اضطررت، ولا بالخضوع لسؤال غيرك إذا افتقرت، ولا بالتّضرّع إلى من دونك إذا رهبت، فأستحقّ بذلك خذلانك ومنعك وإعراضك يا أَرحم الرّاحمين” (الصّحيفة السجادية).

أمّا الإمام الهمام جعفر الصّادق -عليه رحمة الله-فقد أُثر عنه أنّه كان يقول عند العلّة: “اللهمّ إنّك عيّرت أقواما فقلت: ((قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً))، فيا من لا يملك كشف ضرّي ولا تحويله عنّي أحد غيره، صلّ على محمد وآل محمد، واكشف ضرّي وحوّله إلى من يدعو معك إلها آخر لاإله غيرك” (الكافي).

وعندما قال له العلاء بن كامل يوما: إنّ فلانا يفعل بي ويفعل، فإن رأيت أن تدعو الله عز وجلّ، قال له الإمام الصّادق: “هذا ضعف بك، قل: اللهمّ إنّك تكفي من كلّ شيء ولا يكفى منك شيء، فاكفني أمر فلان بم شئت وكيف شئت ومن حيث شئت وأنّى شئت”.. ولك أن تتأمّل أيها الموحّد كيف أنّ الإمام الصّادق –عليه رحمة الله- أراد لهذا الرّجل أن يتعلّق قلبه بالله ولا يتعلّق بمخلوق ولو كان هذا المخلوق هو الإمام الصّادق، ولو كان ما يرجوه الرّجل هو الدّعاء وليس غيره. كان في وسع الإمام أن يدعو للرّجل، لكنّه دلّه على أن يتوجّه مباشرة إلى مولاه القريب المجيب، لأنّ هذا هو الأفضل والأكمل للعبد المؤمن.

ذاك ما يقوله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب –رضي الله عنه- وهو ما يقوله أصحاب النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- كلّهم، وهذا ما يلهج به الإمام السجّاد والإمام الصّادق وغيرهما من أئمّة الإسلام وأعلام الأمّة الذين تربّوا على مائدة الوحي وتدبّروا وصية الحبيب المصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- لابن عمّه عبد الله بن عبّاس الذي كان يومها غلاما يافعا، حيث قال له الحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم: “يا غلام! إنّي أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك. احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك. جفت الأقلام ورفعت الصحف”.. وقبل هذا تدبّروا قصص الأنبياء عليهم السّلام التي قصّها القرآن، وكيف أنّ همّهم الأكبر كان هداية النّاس إلى التّوحيد الخالص وإلى دعاء الله الواحد الأحد سبحانه، ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون))، وتدبّروا عشرات الآيات في كتاب الله التي تنكر أشدّ الإنكار على أولئك الذي فتنهم الشّيطان وأغراهم بدعاء المخلوقين ودعاء الصّالحين واتّخاذهم وسطاء وشفعاء ليقرّبوهم إلى الله زلفى.. قرأوا قول الله سبحانه: ((أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار))، وقوله تعالى: ((قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً))، وقوله: ((وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون))، وقوله: ((وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِين * وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم))، وقوله: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِين)).

وهكذا كلّ عبد مؤمن موحّد، لا يجعل بينه وبين الله وسطاء ولا شفعاء، لأنّه يرجو أن يكون من الذين قال الله فيهم: ((وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون))، بل ويرجو أن يكون من السّبعين ألفا الذين يدخلون الجنّة بغير حساب، وهم “الذين لا يستَرقون ولا يتطيّرُون ولا يكتوُون وعلى ربِّهم يتوكَّلون”.

وكيف يجعل العبد المؤمن الموحّد بينه وبين الله وسطاء وهو يعلم أنّ أولئك الصّالحين الذين يجعلهم بعض النّاس وسطاء كانوا في حياتهم لا يملكون لغيرهم نفعا ولا ضرا، وكانوا يتقرّبون إلى الله ويتوسّلون إليه بالقربات والطّاعات يرجون رحمته ويخافون عذابه، كما قال جلّ شأنه منكرا على الذين كانوا يدعون الملائكة مع الله أو من دون الله: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً))، والوسيلة هنا هي الإيمان والعمل الصّالح باتّفاق المفسّرين، وهكذا في قوله جلّ وعلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون))، فالوسيلة في هذه الآية أيضا هي الإيمان والعمل الصّالح.. يقول جلّ شأنه: ((وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ في الْغُرُفَاتِ آمِنُون)).

يتبع بإذن الله…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!