-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أحجية “النفوذ” الفرنسي في الجزائر

حبيب راشدين
  • 2634
  • 6
أحجية “النفوذ” الفرنسي في الجزائر
ح.م

حق للسيد برينار باجولي السفير الفرنسي السابق، أن يتهم النخبة الوافدة من ثورة التحرير وجيل نوفمبر، ويحمِّلها مسؤولية تعطيل تنمية العلاقات الجزائرية الفرنسية (وهو يتهمها في السر بممارستها لحالة من الممانعة لتمدد النفوذ الفرنسي، ومشاغبتها لمنظومة “فرانس– أفريك” التي سبقت “داعش” في تبني شعار “باقية وتتمدد” في أغلب مستعمرات فرنسا القديمة).

العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام، لا على المستوى السياسي، مع نماء ما يشبه الحرب الباردة المستدامة في أكثر من ملفٍّ أمني ودبلوماسي، ولا على المستوى الاقتصادي حتى بعد خسارة فرنسا لموقع الشريك الاقتصادي الأول، ولا على المستوى الثقافي حتى مع حرص الإدارات الكبرى ومنظومة التعليم الوطنية على تمويل فرْنَسة الألسن والعقول لأجيال ما بعد الاستقلال، وباستثناء عقدين من غزل المراهقين بعد رحيل بومدين، وهيمنة نخبٍ محسوبة على “دفعة لاكوست”، فإن العلاقات كانت وما زالت رهينة لمخلفات الحقبة الاستعمارية، وفشل النخب الفرنسية في التحرر من عقدة “الفردوس المفقود”.

ما لم يرِد على لسان باجولي أن هذا الجيل المتهم عنده، لم ينس كيف جازفت فرنسا بتمديد عمر المواجهة الدامية بست سنوات بعد اكتشاف النفط والغاز سنة 1956، وكانت عند تحرير اتفاقية ايفيان أحرص ما تكون على ضمان الهيمنة على قطاع النفط، والاستفادة عسكريا من الصحراء الكبرى لمواصلة تجاربها النووية حتى 1966، ولم تلتفت كثيرا لا إلى مستقبل أبنائها من مجتمع الأقدام السوداء، ولا إلى عملائها من مجتمع الحركى، اللذين تساوم بهما اليوم في السر والعلانية للتملص من استحقاقات الاعتراف بجرائم الحقبة الاستعمارية.

دعونا نكتشف الأسباب الفعلية التي منعت وتمنع النخب الفرنسية الحاكمة من فتح صفحة جديدة مبنية على الندِّية مع بلد كانت تعتبره جوهرة إمبراطوريتها الاستعمارية، وترى فيه اليوم مصدر تهديدٍ لمصالحها ومشاغبة نفوذها في حديقتها الخلفية بدول المغرب العربي وغرب إفريقيا والساحل.

في أغلب تحليلات دور الدراسة والدبلوماسية الفرنسية وفي الإعلام، تكاد الجزائر تُختَزل في مؤسستين: مؤسسة الجيش ومؤسسة سوناطراك، وأن تقدير النفوذ إنما يُحسب عندئذ بقدر ما يتحقق من اختراق لهاتين المؤسستين.

ومع كل ما يروَّج حول تغوُّل منظومة “حزب فرنسا”، فإن الواقع يشي بخلاف ذلك، لأن المؤسستين اللتين تُختزل فيهما الدولة الجزائرية قد أغلقتا أبوابهما في وجه النفوذ الفرنسي، في سبعينيات القرن الماضي بالنسبة لقطاع المحروقات، فيما تعزز إغلاق مؤسسة الجيش بالتطهر الناعم من بقايا ما كان يُسمى بـ”ضباط فرنسا”، ولم تنجح فرنسا منذ الاستقلال في الفوز بسهم ذي شأن من صفقات التسليح، فهي بهذا المنطق فاقدة للنفوذ في المؤسسة العسكرية.

وما دامت المؤسستان محميتين من الاختراق، فإن العلاقات بين البلدين ـ مع هذه الأجيال أو مع الأجيال القادمة ـ سوف تظل معوقة معطلة ابتداء بذاكرة فرنسية لم تهضم مرارة ضياع “الفردوس الجزائري” وذاكرة جزائرية تأبى النسيان، وفوق هذا وذاك يعطِّلها فقدانُ فرنسا لأي أمل في تحقيق النفوذ إلى قلب الدولة العميقة وإلى “أمِّ” مصادر الريع، وما سوى ذلك يظل محض مغالبة للحق بالباطل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • elarabi ahmes

    فهل يوجد فى الجزائر مؤسسات لايعرفها الالعادى والبادى من غير .مؤسسة الجيش وسونطراك

  • جزائري

    وزير الداخلية عبد القادر مساهل الذي تعد الوزارة التي يشرف عليها وزارة سيادية للدولة الجزائرية التي لغتها الوطنية والرسميه هي اللغة العربية يضرب بالدستور عرض الحائط ويلقي خطابه فى الأمم المتحدة باللغة الفرنسية مع أن اللغة العربية هي اللغة الرابعة المستعملة فيها ، فما سر هذا التصرف غيرالوطني ؟
    الرئيس الفرنسي شيراك حضر مؤتمر ا لرجال الأعمال الأوربيين مع رؤساء آخرين عقدفى بلجيكا فتدخل أحد رجال الأعمال الفرنسيين باللغة الأنجليزية فخرج من قاعة الإجتماع غاضبا ولم يعدإليها إلابعد أن إنتهى من كلامه مع أن الرجل كان من رجال الأعمال ا لخواص و لايمثل هيئة رسمية فرنسية. فأنظر وا إلى وطنيتنا ووطنيتهم .

  • جزائري

    أن نفوذ فرنسا فى الجزائر تستمده من أمرين هما :
    أولا : هيمنتها اللغوية على البلد مما أنجر عنه تبعية سياسية وإقتصادية وثقافية على الجزائر وأبقاها تدور فى الفلك الفرنسي إلى اليوم.
    ثانيا : وجود عملاء فى الجزائر من فلولها الإداريين والعسكريين يخدمون مصالحها ويمددون نفوذها وهم الذين كانوا ولايزالون يحتلون مناصب هامة فى كل قطاعات الدولة ، ولذلك تراهم عند ما يعزلون من مناصبهم أو يتقاعدون تكون وجهتهم فرنسا إليها ينقلون أموالهم المسروقة وفيها يشترون العقارات وبها يقيمون وكأنهم كانوامتعاونيين فرنسيين
    ثالثا : أن التخلص من التبعية لفرنسا لايتم إلا بالتخلص من هيمنة لغتها على مؤسسات وهيئات الدولة

  • عبد النور

    صحيح لكن مع جيل الشباب الحالي الذي لايذكر شيئا عن الثورة، ومع الطابور الخامس الذي يحاول صناعته بتشجيع الإطارات من الجزائريين على الدراسة في فرنسا والتشرب بثقافتها، لا احد يعلم ما يخبأه المستقبل.
    قطاعات التعليم والإعلام والإدارة قد تطيح بأي مؤسسة أخرى. وقد رأينا هذا في بلدان عدة. الإختراق الفكري والإعلامي فقط لمدة طويلة قدرت بعقود أدى إلى الإطاحة بأنظمة مهما إستندت على قوى الجيش أو الإقتصاد أو على الأقل تغيير نهجها. هذا مايعرف الهندسة الإجتماعية طويلة المدى، نحن اليوم نرى إنحدارا كبيرا في الأخلاق وإرتفاعا في عبادة النفس (الذاتية)، فهل من لا أخلاق له نرجسي، تكون له وطنية أو أي إحساس بقومه؟

  • جزائري

    إذا كنت تتكلم الفرنسية في يومياتك و رسمياتك و تعليمك و تتخاطب بها في مكاتباتك و إدارتك و تخاطب بها وفود الأجانب فأنت تابع للنفوذ الفرنسي لا يهم حجم التبادل التجاري و لا التشنجات العلنية و لا غيرها فهذه مجرد أعراض زائفة لمرض عضال.

  • ??Sniper Dz??

    إن شاء الله تدوم “العلاقات ليست على مايرام “مئة سنة أخرى على الأقل