-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أربعة برامج أساسية تفتقدها منظومتُنا الصحية

محمد شيدخ
  • 285
  • 0
أربعة برامج أساسية تفتقدها منظومتُنا الصحية
ح.م

تعد المنظمة العالمية للصحة أن أكبر التحديات التي تواجه الأنظمة الصحية وحكوماتها منذ بداية الألفية الثالثة تتعلق أساسا بشيخوخة السكان، وتفشي الأمراض المزمنة غير المُعدية، وبروز أمراض جديدة، والإفرازات الصحية للتغير المناخي.. ما جعل توصيات المنظمة تنصبُّ أساساً حول ضرورة تكييف المنظومات الصحية لكل دولة حسب الوضعيات الصحية والوبائية بشتى أشكالها بمراعاة درجات تفشيها والفئات الأكثر تعرُّضا لها، وتدعيم الوقاية على جميع الأصعدة خاصة على المستوى القاعدي، والعمل بعقلانية من أجل التكيف معها بيسر، وترقية الصحة من خلال التوعية، وتبسيط المعلومة الطبية ونشرها، والسهر على التطبيق الفعلي والميداني للبرامج الوطنية المسطرة مع إشراك كل الفاعلين من مهنيين وجمعيات وإقحام شركاء من قطاعات أخرى لها تأثير على الصحة العمومية.

وأكد خبراء المنظمة أن الوقاية والتوعية تنقصان نحو 70 من المائة من الأعباء المالية المنجرَّة عن علاج الأمراض والتكفل بها وذلك من خلال تفاديها أو التقليل منها ومن تعقيداتها، فبالرغم من أنَّ ما رصدته الحكومات الجزائرية خلال السنوات الماضية من موارد مالية لقطاع الصحة يُعدُّ طائلا، فإن المواطن لا يزال مستاءً من نوعية شتى الخدمات التي لا ترقى إلى مستوى طموحاته، فخلال 17 سنة من 1995 الى غاية 2012 تضاعفت ميزانية قطاع الصحّة 6 مرات وبقيت دار لقمان على حالها، وبالرغم من أن الأسباب كثيرة، إلا أننا سوف نذكر جانبا مهما له باع كبير في الاتجاه صوب نموذج متكامل للرعاية الصحية ويستوجب شراكة واسعة مع المجتمع (المقاربة المحلية التشاركية في الصحة العمومية) وباقي الجهات الفاعلة (ما بين القطاعات) تحقيقا للنجاعة والجودة المأمول الوصول إليها قريبا والتي ابتعدنا عنها طويلا ولم يسعفنا الحظ في قطف ثمارها وهذا لسبب بسيط وجوهري يتعلق بسوء فهم معنى الإصلاح في ميدان الصحة، واعتبر المشرفون على مشروع الإصلاح أن العملية تتعلق بإجراء تغييرات عميقة على شكل وظاهر القطاع من أجل تحسين الخدمات فنهجوا سياسة بناء المؤسسات بنفس المقاييس تقريبا وتنظيم بعض الجوانب العملية داخل القطاع والتأثيث إلى غير ذلك من الأعمال الترقيعية استجابة للاحتياجات الروتينية العادية، متناسين أو متغافلين كون المواطن والمريض بالخصوص يمثل حلقة أساسية في سلسلة الإصلاح كونه ممولا وطالبا للعلاج في نفس الوقت.

ومن هذا المنطلق ندرك أن الإصلاح ليس فقط ماليا (البحث عن مصادر التمويل)، أو تنظيميا هيكليا يتعلق بالمستشفى أو العيادة، بل يتعدَّى ذلك إلى الأمن الصحي للمريض وحقوقه في الاستفادة من المعلومات الصحية التي تحسِّن طريقة معيشته نحو النمط الصحي والاستفادة من التكفل المبرمج للفئات الخاصة أو الهشة وهذا وفق برنامج يعتمد أساليب جديدة في التثقيف الصحي والرعاية والوقاية باستخدام وسائل التقنية الحديثة ونحن في عصر الرقمنة.

يتعلق الأمر بأربعة برامج اقترح التأسيس لها تكريسا لمبدأ التضامن وعدم التهميش والتساوي في العلاج والتكفل وأول البرامج الذي يعدُّ محوريا هو (البرنامج الوطني للأمن الصحي للمريض) الذي يهدف إلى إبراز الرهانات الخاصة بأشكال الأمن الصحي للمريض، ما يدعم حتما مبادرات التعليم والتدريب والإتقان وتحسين الأداءات من قبل المهنيين ورسم سياسات تطوير الكفاءات داخل القطاع وإشراك عديد الفاعلين لاحتواء كل الاختلالات البنيوية أو الهيكلية والعلاجية حماية للمريض من كل سوء، وبالمناسبة أثمِّن ما توصل إليه المجتمعون خلال المؤتمر الاول حول النظافة في المستشفيات الذي احتضنته ولاية بجاية خلال شهر فيفري 2017 بإمضائهم ميثاق أمن المريض بإشراف وزارة الصحة، والذي أرجو ترقيته إلى برنامج وطني للصحة.

البرنامج الثاني يتعلق بفئة المراهقين (البرنامج الوطني لصحة المراهقين)؛ ففي هذا الجانب أخرجت المنظمة العالمية للصحة كتيبا من 20 صفحة بعنوان (صحة المراهقين في العالم– حظ ثاني للعقد الثاني) قدِّم سنة 2014 خلال الجمعية العالمية للصحة، وتم عرض مشاكل هذه الفئة كالانتحار والعنف والتدخين إلى جانب الأمراض المتنقلة عن طريق الجنس والعادات الغذائية السيئة والسمنة… ما يتسبب فيما بعد في استفحال عديد الأمراض المزمنة والمؤدية إلى الوفاة المبكرة.

ويستهلُّ خبراء المنظمة العالمية للصحة هذا المنشور بالتساؤل عما يمكننا تقديمه لكي نحسِّن باستمرار صحة المليار مراهق في العالم؟ ونظرا لما بدا يتجلى في سلوكيات بعض شبابنا في هذه السن من مثل ما ذكرت وددتُ لو نؤسس لبرنامج خاص بهذه الفئة. أما البرنامج الثالث فيتعلق بكبار السن وبمرحلة الشيخوخة (البرنامج الوطني لأمراض الشيخوخة) إذ تعدُّ هذه الحالة دليلا على التحسُّن المعيشي والعلاجي لغالبية هؤلاء فهذه الفئة تحتاج إلى تكفل متعدِّد الاختصاصات في نفس الوقت (مقاربة العلاجات المدمجة) والتي سوف نطرحها في موضوع مستقلّ، إلى جانب التكفل الاجتماعي والعلاج المنزلي القاعدي والكل بتنسيق تام وبانسجام كامل توفره فرق تكون مكوّنة لهذا الغرض.

وفي الأخير نأمل أن يرى النور في بلادنا برنامجٌ يُعنى بمرضى الأعصاب الذين يمكن تأهيلُهم وإدماجهم بدل تركهم يعانون ويعذَّبون بما أصابهم ويثقلون كاهل أهاليهم ويعرِّضون أنفسهم وغيرهم للخطر جراء العدوانية التي تصحب بعض الحالات ويتعلق الأمر بـ(البرنامج الوطني لإدماج وتأهيل مرضى الأعصاب) وهو من البرامج التي تحتاج إلى عمل تشاركي وتنسيق متعدد القطاعات. هذه البرامج الأربعة تعدُّ ذات أولوية في الوقت الراهن استشعارا لما يمكن له أن يحدث مستقبلا واستباقا للحلول وفق سياسة الوقاية خير من العلاج.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!