-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أردوغان وسر النجاح في امتحان الحكم

محمد بوالروايح
  • 1059
  • 2
أردوغان وسر النجاح في امتحان الحكم

العارفون بسيرة ومسيرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يجمعون على أن الرجل وُلد من رحم المعاناة كما يولد كثيرٌ من المهمَّشين في هذه الحياة، لم تضعه أمه في قصور الدلال والمال، والجاه والرفاه حيث الخدم والحشم بل وضعته في حي شعبي متواضع تمثل لقمة العيش بالنسبة إلى ساكنيه أقصى مرادهم وأبلغ أمانيهم. عاش أردوغان في بيت والده على شظف العيش فلما بلغ معه السعي لم يجد من مهنة متاحة إلا بيع الكعك لتأمين قوته وقوت أسرته، ولكن دار الزمان دورته فتربع بائع الكعك على عرش الترك مرة ومرتين وربما ثالثة ورابعة، فما هو سر نجاح أردوغان في امتحان الحكم؟
لقد ذهب المحللون مذاهب شتى في تفسير سر نجاح أردوغان في امتحان الحكم في تركيا، فمن المحللين من فسَّر نجاحه في امتحان الحكم في تركيا بالشخصية الشعبية العادلة والعاملة التي يتمتع بها خاصة بعد فوزه بمنصب عمدة إسطنبول في الانتخابات المحلية لعام 1994 تحت مظلة حزب “الرفاه الإسلامي”، وهو المنصب الذي جلب له كثيرا من الاحترام من مختلف فئات الشعب التركي من داخل التركيبة الحزبية وخارجها لأنه استطاع أن يحقق إنجازات نوعية في إسطنبول وأن يعيد إلى المدينة بريقها وعمقها وعبقها التاريخي، حيث يذكر من أرَّخوا لفترة عهدته البلدية أنه كان يقوم بنفسه بتفقد المؤسسات والشركات ومتابعة الشأن العام، وهي التي ارتقت به هذا المرتقى لأنه لا يختلف اثنان في أن نجاح الحاكم منوط بنجاحه في خدمة المواطنين وإدارة الشأن العام.
ويذهب محللون آخرون إلى أن سر نجاح أردوغان في امتحان الحكم في تركيا يعود إلى تشبُّعه بالقيم الإسلامية الوطنية، القيم الإسلامية التي لا تعادي الوطنية والقيم الوطنية التي لا تعادي القناعات الإسلامية، فاستطاع بذلك أن يجسد حقيقة المفهوم المدني للدولة كما تنص عليه الأحكام السلطانية في الشريعة الإسلامية الذي تتحقق معه نظرية المواطنة المتكافئة، ويضيف هؤلاء المحللون أن أردوغان وضع هذه الرؤية السياسية موضع التنفيذ بعد فوزه بالحكومة عام 2002، حيث أكد أنه لا يمثل تيارا حزبيا وأنه يتطلع إلى بناء دولة تركية ديمقراطية تقوم على العلمانية التي تكرس مبدأ الفصل بين الدين والدولة، ليس بالمفهوم السلبي الإقصائي ولكن بالمفهوم الإيجابي الواقعي الذي يحول دون سيطرة رجال السياسة على الدين وسيطرة رجال الدين على السياسة، وهو العاصم من كل صدام سياسي ومجتمعي، لأن إدارة الدولة تحتاج إلى تعاون كل مكوناتها بما يحقق المصلحة العليا للأمة.
إن المفهوم المدني للدولة في نظر أردوغان تقابله– للأسف الشديد- بعض المفاهيم الإسلاماوية الخاطئة التي يسارع أصحابُها لأول وهلة انطلاقا من فكر ديني مختلّ ومعتلّ إلى تأليب الأمة على الدولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو إلى إفساد العلاقة بين الحاكم والمحكوم أو إلى تجريم الوطنية والديمقراطية وعدِّهما “ضربا من الجاهلية”.
وذهب محللون آخرون إلى أن سر نجاح أردوغان في امتحان الحكم في تركيا يعود بالدرجة الأولى إلى تركيز اهتمامه على بعض القضايا الإسلامية التي تمثل ثابتا إسلاميا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية بالرغم من موازين القوى الدولية غير المتكافئة، وقد ظهر اهتمام أردوغان بالقضية الفلسطينية من خلال دفاعه عن غزة وتعهُّده بمدها بمشاريع إعمارية وإنمائية، رغم أن تركيا كانت تقيم علاقات دبلوماسية محدودة مع الكيان الإسرائيلي قبل أن تنتهي بقرار دونالد ترانب اعتبار القدس “عاصمة لإسرائيل”.
ويذهب محللون آخرون إلى أن سر نجاح أردوغان في امتحان الحكم في تركيا يعود إلى الأغلبية السياسية المريحة التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية وتغلغله داخل مؤسسات ودواليب الحكم وكذا إلى ما يجده هذا الحزب ذو التوجه الإسلامي من سند شعبي متصاعد، وبالنتيجة فإن نجاح أردوغان– حسب هؤلاء المحللين- ليس إلا صورة مصغرة لنجاح حزبي وخاصة بعد إنهاء الانقلاب وآثاره وتعقب من تولوا كِبره.
ويذهب محللون آخرون إلى أن سر نجاح أردوغان في امتحان الحكم في تركيا يعود إلى كفاءته السياسية العالية وتمرسه بفن الخطاب أو الاستمالة السياسية– حسب تعبير بعضهم- وهي الصفات التي عرف بها منذ مرحلة الطفولة السياسية واستمرت معه إلى مرحلة الرشد السياسي.
ويذهب محللون آخرون إلى أن سر نجاح أردوغان في امتحان الحكم في تركيا شأن تركي انتخابي محض لا صلة له بمواقفه من القضية الفلسطينية، لأن هذه القضية قضية عربية إسلامية مشتركة ليس لأردوغان ولا لغيره أن يدّعي السبق فيها، فقد أقامت بعض الدول العربية مشاريع إنمائية وإعمارية في غزة أكثر بكثير من تلك التي أقامتها تركيا.
هذه مجمل تفسيرات المحللين لسر نجاح أردوغان في امتحان الحكم في تركيا، وهي تفسيرات افتراضية يحاول أصحابُها من خلالها الوصول إلى مفتاح شخصية سياسية مثيرة للجدل شغلت الرأي العام التركي والعربي والإسلامي إلى درجة أن هناك من العرب من ذهب بعيدا في التنبؤ والتفاؤل بالمستقبل السياسي لأردوغان بإمكانية تدرُّجه من حكم الدولة التركية إلى بعث الخلافة الإسلامية، وهو ما يستفاد من النبرة العثمانية في الخطاب السياسي لأردوغان.
أقول في النهاية إن النجاح الحقيقي لأردوغان وغيره يكون بالحرص على الانسجام داخل الصف الإسلامي وتجنب لغة التناوش والتشاكس وقبول مبدإ الاجتماع الإسلامي لأنه “إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جزائري

    أردوغان لم ينجح فقط لأسباب داخلية بحتة في تركيا بل لأسباب إقليمية ودولية أهمها إيجاد منافس لإيران الإسلامية بنمط آخر ليخطف البريق الإيراني. تركيا بقيت بقوانينها العلمانية وبعلاقاتها مع الناتو وإسرائيل رغم إسلامية أردوغان وهذا هو النموذج المطلوب عكس إيران. السؤال هو.لماذا لم يسمح للإسلاميين بالوصول إلى الحكم في الجزائر لكن في تركيا حدث ذلك. الجواب هو البعد الإقليمي والدولي. أو سقط النظام الإسلامي في إيران فإنه سيتم إسقاط الحكم الإسلامي في تركيا لانتهاء صلاحية وهدف تركيا بقناع اسلامي

  • خالد الجزائري

    سر نجاحه هو نزاهته وتواضعه وسعيه الحثيث لخدمة شعبه و بلده وتمسكه بدينه