-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أصحاب قانون الأنديجينا الجدد

عمار يزلي
  • 2101
  • 0
أصحاب قانون الأنديجينا الجدد
ح.م

لماذا تغيب الديمقراطية عندنا وفي العالم الثالث عموما؟ لأن أقلية تتحكم في الأغلبية وتستولي على الخيرات الوطنية من الباب السياسي عن طريق القوة العسكرية أساسا: انقلابات أو ثورات ضد نظام تستفرد بها طغمٌ وعائلات عرقية أو مصلحية أو ثورية.

في الجزائر، فرنسا حكمت الجزائر 132 سنة بطريقة مباشرة ولا تزال تريد بل وتفعل، للتحكم فينا عن بُعد اقتصاديا وبالتالي سياسيا.. وهو ما نسمِّيه بالاستعمار الجديد.

فرنسا، كانت تحكم الجزائر بحجم 8 ملايين مواطن (أنديجان، أي مواطن من الدرجة الثانية يعادل صوتُه الانتخابي عُشر صوتٍ من أصوات الكولون.. رغم أن عدد الكولون لا يتعدى في غالب الأوقات 1 في المائة).. نحو مليوني شخص.. (جيش ومعمِّرون) يتحكمون في 8 ملايين جزائري.. وهذا ما جعلها من 1830 إلى غاية ما بعد الحرب العالمية الثانية تمنع الجزائريين من حق الترشح وحق الانتخاب، لأنهم سيشكلون أغلبية. ولهذا لم تمنحهم حق الجنسية.. بل اعتبروا رعايا sujets français لا حقوق لهم. بعد 1946، أصبح من حقهم الترشُّح والانتخاب، لكن ضمن مدرستين: مدرسة الكولون واليهود لأنهم مواطنون فرنسيون ومدرسة أهلية أنديجان للسكان المحليين الجزائريين.. كل 10 فرنسيين يقابله في الانتخابات جزائريٌّ واحد.

هذه الطريقة جعلت، وبالقانون، الأقلية تحكم الأغلبية.

هذه الطريقة، ستحاول فرنسا أن تكرِّسها للعودة إلى فرض هيمنتها على الجزائر بعد أكتوبر 88، واتضحت معالمها خاصة في 1992.

إلغاء ثالث انتخاباتٍ حقيقية وشفافة منذ الاستفتاء على الاستقلال في 1962 ومحليات 12 جوان 1990، كانت فرنسا هي من دفعت إليه أقليتها الجزائرية المرتبطة مصلحيا وفكريا بها، حتى ولو كانوا يتشدقون بالوطنية وبانتمائهم إلى جيش التحرير، لأنهم كلهم كانوا من ضبَّاط فرنسا، أو ما يُعرف عنهم بـ”دفعة لاكوست” الذين هيأَّتهم فرنسا للتغلغل في جيش التحرير على مقربة من الاستقلال لتستثمرهم في مستقبل الجزائر “المستقلة” وقد فعلت. نفس الأمر الذي فعله ديغول في 1959، بإنشائه لـ”المدرسة العليا للإدارة” لتدريب الجزائريين على تسيير الإدارة الجزائرية بمنهجيةٍ فرنسية تنظيمية نعم.. لكنها لا تخلو من تحميل لغوي وإيديولوجي لكثير من إطاراتها الذين اشتغلوا مع فرنسا، وهذا ما يُفسد عقلية الإدارة عندنا اتجاه المواطن “الانديجان”.

حاول بن بلة وبومدين ضمن إطار التعريب والجزأرة أن يقضي على مخلفات الاستعمار، لكن بعد وفاة بومدين، والانفتاح الاقتصادي بداية من 1980، وخاصة بعد ضغوط الأزمة الاقتصادية العالمية بداية من 1986، ستجد فرنسا الفرصة سانحة لتفعيل دور أقليتها في إرباك وتوجبيه البوصلة السياسية باتجاه مصالحها الدائمة في الجزائر بناء على اتفاقيات إيفيان. الأقلية الساحقة المهيمنة إداريا وسياسيا وإيديولوجيا وحتى عسكريا، لم تكن بريئة من دم الجزائر والوطن في محاولة إبقاء السلطة في يد الأقلية أو لنقُل نقلها إلى هذه الأقلية المتغلغة ولوبي الجزائر العميقة، والتي حاولت اشتراكية بومدين أن تطهِّره لكن لم تفلح بالمطلق.. وكانت الردة والثورة المضادة.
مع بوتفليقة كان الأمر مفضوحا، خاصة في السنوات العشرة الأخيرة.. واليوم يتجلى ذلك أكثر.. عقلية نحن الأقلية نمثل الأغلبية.. من خلال التهرُّب من انتخابات نظيفة وشعبية، بعيدة عن الكوطات والتزوير، أمرٌ مقلق، لهذا، الانتخابات الحقيقية الشفافة محرجة لهم. “الديمقراطيون” يخافون من الديمقراطية.. وهذه لعنة، لأنهم يريدون أن يحكموا الأغلبية بدون انتخابات أو بانتخابات محسومة لصالحهم على طريقة قانون الإنديجينا الجديد.
ألا يقسِّمون في أدبياتهم السياسية والإيديولوجية الشعبَ الجزائر إلى شعبين: شعب مفيد وشعب غير مفيد، وهو الغاشي أو ما يسمُّونه la populace؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!