-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أضحكتمونا.. فأبكيتمونا!

جمال لعلامي
  • 1484
  • 0
أضحكتمونا.. فأبكيتمونا!
ح.م
جانب من جنازة هواري بوضو

حرّك المرحوم “هواري الأمجاد” قلوب الجزائريين وأحاسيسهم، ميتا، بعد ما حرّك ابتسامتهم وأضحكهم حيّا، فرحم الله الفنان الجميل وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه جميل الصبر والسلوان.
لا أدري لماذا ينتظر البعض وفاة الفنان حتى يذكروه بخير، وعندما يكون حيّا يُرزق يُحشر للأسف مع المنسيين، ولولا شاشات التلفزيون، والمسارح، واللقاءات الشخصية والخاصة، لما احتكّ هؤلاء الفنانين مع الناس وجمهورهم، ممّن تعلقوا بهم، أحياء وأمواتا!
لماذا في كلّ مرّة، يعود المثل القائل: “كي كان حيّ مشتاق تمرة، وكي مات علقولو عرجون”؟.. لقد قالها الفنان مصطفى هيمون، بالفمّ المليان: الهواري كان واقف وحدو.. وهذه تكفي للتعبير عن أوجاع الفنان، ومعاناته في صمت، وطبعا عندما يلتحق بجوار ربه، يتلقى أهله وزملاؤه عبارات التعازي والمواساة!
ينبغي أن نتوقف في هذا المصاب الجلل، لنرسم علامات استفهام بريئة: ألم يتمّ نسيان فنانين رحلوا عنا، بعد ما أضحكونا في عزّ عطائهم؟ هل تناسينا المفتش الطاهر؟ هل نسينا “حسان طيرو”؟ هل تناسينا “بوبقرة”؟ هل نسينا “لابرانتي”؟ هل نسينا وردية؟ هل تناسينا “يا علي موت واقف” وحديدوان ورشيد أعصاب وأوتار وغيرهم من العمالقة؟
أغلب الإجابات، حتى وإن كانت مرّة ومؤلمة، قد تردّ بلا تردّد وتغرّد تغريدات أقوى من الرصاص: نعم نسيناهم وتنسيناهم؟.. هل يزور البعض ممن ضحكوا في عز الزمن الجميل عائلات هؤلاء المرحومين؟ هل يتذكر اليوم البعض أبناءهم؟ هل أخذوا حقهم وهم أموات بعد ما رفض أغلبهم الشكاية في حياتهم وقالوا مرارا وتكرارا “الشكوى لله”؟
الراحلون يستحقون دون شك كلّ التقدير والعرفان والاحترام، وكانوا يستحقون “العرجون” في حياتهم، ويستحقون الآن وهم في عداد الموتى، التكريم والذكر والتخليد والتقليد، حتى يبقوا في ذاكرة الأجيال، وإن كان الفنان الجميل لا يموت، حتى وإن مات!
رحمة الله على “الهواري”، ورحمة الله على غيره من السابقين، الذين بكوا ليضحكوا غيرهم، وقد عاش بعضهم المآسي في صمت وبعيدا عن الأضواء والكاميرات التي كانت تنقل عنهم كلّ ما هو جميل، لكنهم فضلوا أن يتألموا وحدهم، دون إشراك غيرهم في آلامهم!
إن تلك العملة النادرة، تستحقّ منّا جميعا، الدعاء والذكر والتذكير، فقد أسعدتنا وأنستنا همومنا وعبّرت عن الكثير من جوانب حياتنا الاجتماعية بطريقة ساخرة وكاريكاتورية وفنية نادرة وراقية، وهذه اللغة الرفيعة، لا ينطقها ولا يفهمها إلاّ من كان جزءا لا يتجزأ من شعب لا يتنكّر أبدا لأبنائه وبناته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!