-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أما آن لهذا الخلاف أن ينحسر؟!

سلطان بركاني
  • 1936
  • 9
أما آن لهذا الخلاف أن ينحسر؟!
ح.م

لا يزال الخلاف حول مشروعية إخراج القيمة في زكاة الفطر، يصنع الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، مع اقتراب عيد الفطر المبارك، كما جرت العادة في مثل هذه الأيام من كلّ عام! وقد زاد حدّةَ النّقاش هذا العام، ندرة السّميد، وظروف الحجر التي قيّدت التنقّل لاقتناء الحاجيات، وهي الظّروف التي جعلت من ينتصرون لوجوب -أو أفضلية- إخراج الطعام في زكاة الفطر، ينتشون فرحا بأنّ قولهم أصبح أقوى وأرجح، هذا العام، ويلزمون القائلين بإخراج القيمة، بالعودة إلى القول بإخراج الطّعام، ما دامت العلّة هي مصلحة الفقير!

هذه المسألة الخلافية التي تعطي الأولوية في النقاش وتحجب المسائل الأخرى، أواخر رمضان من كلّ عام، كان من المفترض أن يطوى فيها النّقاش، ويلتزم أهل كلّ بلد بما عليه أهل الفتوى في ذلك البلد، ويلتئم شملهم وتتّفق كلمتهم على ذلك، ولعلّه يحسن الاستطراد في هذا المقام بالتّنبيه إلى أنّ كثيرا من علماء السعودية الذين يفتون كلّ عام بوجوب إخراج الطّعام في زكاة الفطر، يوصون المسلمين في أقطار أخرى بلزوم ما عليه لجان الفتوى في بلدانهم، ومن ذلك ما نصح به عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، الدكتور عبد الله المطلق، في كلمة مشهورة له، عندما صرّح في كلمة منتشرة له بأنّه بدأ يميل إلى جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، ونصح المسلمين بأن يعملوا بما يُفتى به في بلدانهم.. يفترض على أهل كلّ بلد أن يلزموا ما عليه الفتوى في بلدهم، أو على الأقلّ أن يقرّوا بأنّ الخلاف في المسألة خلاف معتبر، وأنّ ذمّة المزكّي تبرأ بإخراج الطّعام كما تبرأ بإخراج القيمة.

 لكنّ بعض المتعصّبين، لا يزالون يصرّون على أنّ إخراج القيمة لا يجزئ، بحجّة أنّه مخالف لهدي النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم! وهي الدّعوى التي يلزم منها أنّ العلماء الأعلام من الصّحابة والتابعين وأتباعهم الذين أجازوا إخراج القيمة حينما توسّع النّاس في استعمال النّقود بعد عهد النبوة وعهد الخلافة، حتى أبرق الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- إلى الأقاليم والأمصار بإخراج القيمة في زكاة الفطر؛ يلزم من الدّعوى أنّ هؤلاء جميعا تعمّدوا مخالفة هدي النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم! وهذا ليس صحيحا لأنّهم نظروا إلى الحكمة التي شرعت لأجلها زكاة الفطر، ألا وهي إغناء الفقير وسدّ حاجاته في أيام العيد، حتى لا يضطرّ إلى السّؤال وحتى لا تُكدّر عليه الحاجة صفو يومه، ولا شكّ في أنّ حاجات النّاس تتنوّع وتختلف باختلاف البلدان والأزمان، وإذا كانت الحاجة الأساسية قديما هي الطّعام الذي يقايض به صاحبه حاجات أخرى كاللّباس، في وقت لم تكن حاجات أخرى مثل اللّباس والمسكن والدّواء والتنقّل والسّفر، تشكلّ مشكلا لعامّة النّاس؛ فإنّ الحاجة في زماننا هذا تشمل ما ذكر وغيره، وكلّ هذه الحاجات تقُضى بالمال، وبالمال وحده.

المفارقة في الجدل القائم حول زكاة الفطر، أنّه ورغم تغيّر الزّمان وتبدّل الأحوال، فإنّ القائلين بجواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، لا يبطلون إخراجها طعاما، بل يجيزون ذلك، لكنّ القائلين بإخراجها طعاما، بينهم من لا يزال يشتطّ في القول ببطلان إخراج القيمة! رغم أنّ علماء السّعودية الذين يعتبرون عمدة القائلين بعدم إجزاء القيمة في زكاة الفطر، بدأوا يميلون إلى القول بإجزائها، ولا يُبعد أن يتراجعوا عن فتواهم تحت ضغط الواقع، كما تراجع جمهورهم في كثير من المسائل الأخرى، ويومها سيجد المستقوون بفتواهم من الجزائريين أنفسهم في حرج بالغ.

خلاصة القول إنّ إخراج زكاة الفطر طعاما، مشروع وجائز ومجزئ، لكنّ الأفضل والأنفع للفقير-في زماننا- إخراجها مالا، قبل العيد بيومين أو ثلاثة.. أمّا عن الظّروف المترتّبة عن جائحة كورونا، فإنّها ظروف عابرة وليست عامّة، وإذا كان المجتمع يعاني أزمة “سميد” مؤقتة، في طريقها إلى التلاشي والانقشاع، فهذا لا يجعل السميد أنفع للفقير هذه الأيام، لأنّ السّميد وحده لا يصنع طعاما، ولأنّ بدائل السّميد متوفّرة وليس الخبز آخرها، بينما الحاجة إلى المال لتوفير الضروريات الكثيرة لا يسدها توفر السميد.. وينبغي ألا ننسى أنّ الحكمة من زكاة الفطر ليست سدّ جوعة الفقير فحسب، لكنّها أيضا سدّ حاجاته الأخرى وإغناؤه في موسم العيد وإدخال السّرور على قلبه، وهذه لا تتحقّق بتوفّر السّميد وحده.

قضية أخرى ربّما لم ينتبه إليها إخواننا الذين ينتصرون للقول بإخراج الطّعام في زكاة الفطر بالنّظر إلى الظروف المترتّبة عن انتشار وباء كورونا، وهي أنّ اعتبار إخراج زكاة الفطر طعاما أفضل وأنفع للفقير، هذا العام، يفتح الباب للقول بأنّ إخراج زكاة عروض التجارة، عروضا، هو الأنفع للفقير والأفضل، هذا العام! باعتبار أنّ الخلاف الحاصل حول جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر يقابله الخلاف الحاصل حول جواز إخراج العروض في زكاة عروض التجارة، بدلا من المال.. وإذا كانوا يرون أنّ الظّروف لا ترجّح إخراج العروض هنا، فينبغي لهم أن يسلّموا بأنّها لا ترجّح إخراج الطّعام هناك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • سلفي جزائري

    انتقلت من المطالبة ب (الحق في الخلاف) و (رفض التشنيع) إلى (مصادرة الرأي الآخر) و (الرمي بالتعصب) .. هون عليك أخي فحتى لجان الفتوى (مجهولة الهوية) التي تحيل عليها مختلفة في هذه المسالة أما عن الدكتور المطلق فكلامه ليس حجة بل هو على طريقة لجان الفتوى التي أحلت عليها و فقهاء بلده ينقضون قوله و يفحمون أمثاله
    أما النتيجة التي خلصت إليها (إنّ إخراج زكاة الفطر طعاما، مشروع وجائز ومجزئ،) ففيها شيء من (عدم الصدق) لأن القائلين القول باخرغج الزكاة قوتا هو (السنة و ليس جائزا فقط)

  • TABTAB

    ومتى تنحسر الخزعبلات وتفارقنا والى الأبد ??

  • بن مداني عبد الحكيم

    الدنيا لا بدلها من تخصص في كل شيئ حتى في الشريعة لا بد من تخصصات اما زمن الشيخ الذي يعلم كل شيئ ويفتي ويقول في كل شي قد ولى وانقضى اثبت الواقع ذلك هذاالتخلف والنفاق الاجتماعي الذي نعيشه ما هي الحلول التي قدهما الشيوخ لمشاكل الأمة والعلاجات المقترحة نقول الاسلام هو الحل صحيح ولكن المسلمين أكبر مشكلة في طريق الاسلام

  • مهاجر

    دعك من الاختلاف بين أهل الشأن. في الامر سعة و كلام العلماء معروف. أما فيما يخص التعصب، فلكلا الفئتين ميول لدلك إلا أن الفرق في وجود النص الصريح الذي يقوي قول القائلين يوجوب الطعام.

  • بن مداني عبد الحكيم

    كل أمم الدنيا خرجت من زمانها الأ العالم الاسلامي محكوم عليه أن يبقى رهين زمانه لا يتحرك الشافعي اختلف مع يونس في مسألة ثم افترقا وبعد مدة لقيه فاخذ الشافعي بيده وقال "يا ابا موسى الأ يستقيم ان نكون أخوانا وان لم نتفق في مسألة" ليست الدعوة لأحياء سنة لوكان من أجل سنة حقيقة لزال الخلاف ولكنه حظ النفس والشيطان فلا تنازل سنة رسول الله الأخلاق وألأخوة قبل العلم لاخير في علم لا يجمع والشرع ليس مع واحد فقط بل الكل على حق فلتحملنا اخلاقنا من اجل دين الله واقول للعلماء الشباب ضاع لا يسمع لاحد بعد 20 سنة لا تجد احذا يسمع لهولاء المشايخ ولا للفتاوى والاسر تهدمت وضاعت ونحن مازلنا طعام اونقود

  • جلال

    زكاة الفطر لا تغني الفقير ولا تسد حاجياته بل يوم العيد يكثر المتسولون أمام المساجد مما يدل على أن هذه التبريرات والتفسيرات المشايخية لمقصد زكاة الفطر متهافة قد تكون مطهرة للصائم نفسه ,مادام إخراج الزكاة المفروضة (الحولية) نقدا ولم يعترض أحد فلماذا كل هذه الشوشرة على صدقة نافلة أمر بها النبي من مقام النبوة والقول بأن فلان أو علان بدأ يميل الى إخراجها نقدا وكأنه وكيل على الدين وإن فهم الدين لا يمر الا عن طريقه يدل على إنها اجتهادات وفتاوي بشرية قابلة للخطأ والصواب وغير ملزمة وقابلة للنقد وليست وحيا يوحى.الصدقة يجب أن تكون يومية فقد يموت الفقير جوعا وهو ينتظر عاما كاملا بعض الدريهمات

  • ابن الجبل

    الجزائر قررت منذ زمان أن يكون اخراج زكاة الفطر نقدا ، ولا ننتظر تلقي الدروس من أحد ، لأن كل بلد يرى ظروف بلده ومصلحته ... فاعطاء قيمة زكاة الفطر للفقير نقدا تفيده أكثر من الطعام . فلربما يملك من الطعام مايكفيه ،ولكن يحتاج الى لباس لأولاده ، أو نفقة العيد ، أو شيء آخر لا يملكه ... ان الذين توقف بهم الزمن يصرون على اخراج الزكاة طعاما ، عليهم أن يركبوا الجمل ، ويجلسوا على الحصير ليأكلوا بأيديهم .

  • عبد الوهاب

    يا خسارة. رجل في مقامك يصف من تمسك بظاهر الدليل المحكم. يصفه بالمتعصب. وتجعل الفاضل مفضولا والمفضول فاضلا. وتناقش الاصل وتقرر الرأي. كل هذا وتتساءل عن وقت انحسار الخلاف في هذه المسألة...!! الجواب في صنيعك.

  • حسان

    انا لست اماما ولا مفتيا ولا متعلما ولا عالما ولكن ارى انه زمن اخراج الزكاة طعاما قد ولى منذ زمن بعيد .والله اعلم.الناس في حاجة للمال والمال يمكن ان يجلب طعاما والطعام لا يجلب المال .