-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أمريكا.. أزمة كوفيد وأزمة مقتل فلويد

أمريكا.. أزمة كوفيد وأزمة مقتل فلويد
ح.م

ضربت جائحة كورونا بقوة في الولايات المتحدة الأمريكية. إذ سجلت هذه الأخيرة أكبر نسبة إصابات ووفيات في العالم، ولهول الأزمة ذهبت توقعات الخبراء والمحللين إلى حد التنبؤ بزوال الهيمنة الأمريكية على العالم وبالصعود المنتظر للغريم الصيني. لم تُعِر الإدارة الأمريكية اهتماما كبيرا لهذه التوقعات وحركت آلتها الإعلامية للتصدي لها وتكييفها على أنها أخبار كاذبة وحربٌ نفسية تستهدف أعتى قوة في العالم، لكن مع ذلك بدت في خطابات الساسة الأمريكيين تخوُّفات على مستقبل أمريكا ما بعد كورونا.

لقد دفعت أزمة كورونا وتداعياتها على الفرد والمجتمع الأمريكي الرئيسَ دونالد ترامب إلى محاولة نقل الأزمة خارج الولايات المتحدة الأمريكية والدخول في سجال مع منظمة الصحة العالمية التي اتهمها بسوء تسيير أزمة جائحة كورونا وإخفاء المعلومات بشأنها والتحيز إلى الصين، وتطور الموقف الأمريكي سريعا إذ هدد ترامب بقطع التموين المالي عن منظمة الصحة العالمية وهو التموين الأعلى عالميا، ثم أتبع ذلك في مرحلة لاحقة بقراره الانسحاب من المنظمة، لينضم هذا الانسحاب إلى جملة الانسحابات الأمريكية من الاتفاقيات والمنظمات الدولية، من اتفاق المناخ ومن منظمة التجارة العالمية ومن الاتفاق النووي الإيراني وأخيرا من منظمة الصحة العالمية.

 وقد واجه ترامب بعد قراره الانسحاب من منظمة الصحة العالمية انتقادات لاذعة من داخل الولايات المتحدة الأمريكية ومن خارجها وأهمها ما جاء على لسان الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس” الذي اعتبر القرار مفاجئا ومتشائما وخطيرا ومخيفا لأنه صدر في عز أزمة كورونا، ودعا الرئيسَ الأمريكي إلى التراجع عن القرار انحيازا للمصلحة العالمية والإنسانية، ولكن ترامب ظل متمسكا بقراره رافضا التراجع والمراجعة، مبررا ذلك بأن منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات لم تقدِّر تضحيات وإسهامات الولايات المتحدة الأمريكية وأنه قد آن الأوان للانسحاب من منظمات تأخذ ولا تعطي وتُموَّل ولا تثمِّن هذا التمويل.

استطلاعات الرأي ذهبت إلى أن شعبية ترامب قد اهتزت وتراجعت كثيرا بسبب أزمة كورونا قبل أشهر معدودات من الانتخابات الأمريكية المزمع تنظيمها في نوفمبر القادم من العام الجاري، استطلاعات لم تثن ترامب الذي لا يزال رغم صعوبة المرحلة وحدة الأزمة يباهي بأنه الأقدر والأجدر بقيادة أمريكا ويلقي باللائمة والعجز على بعض حكام الولايات ويوجه بأصابع الاتهام ولو تلميحا إلى الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الذين يقودون –بحسبه- حملة شرسة تستهدف التأثير في الناخب الأمريكي من خلال تقديم صورة غير ديمقراطية عن إدارة ترامب، علاوة عن وصفها بأنها إدارة عاجزة عن التسيير وعن التفكير في آليات التعامل مع الأزمات، وقد جاءت أزمة كورونا –حسب معارضي هذه الإدارة- لتُثبت صدق النبوءات الديمقراطية.

وجد الرئيس الأمريكي نفسه وإدارته في عزِّ أزمة كورونا في عين الإعصار، وما إن خفَّت وطأتُها قليلا حتى أعقبتها أزمة أخرى لم تكن في الحسبان، وهي أزمة مقتل المواطن الأمريكي “جورج فلويد” في “مينيابوليس”، حادثة أثارت موجة غضب عارمة في الولايات المتحدة الأمريكية وامتدت شرارتها إلى بعض العواصم العالمية على غرار سيدني وباريس ولندن وأثينا… وعادت حكاية العنصرية من جديد في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن انتهت بفضل تضحيات “مارتن لوثر كينغ الابن” وعاش الأمريكيون بمختلف أصولهم وتوجهاتهم وديانتاهم متضامنين متساوين يحكمهم قانون واحد لا يفرق بين أبيض وأسود ولا بين عرق وعرق، وقد وقفتُ بنفسي في أثناء رحلتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007 على صورة هذا التعايش بين الأمريكيين، تعايش أمريكي يمجّد “جورج واشنطن” كما يمجّد “مارتن لوثر كينغ الابن”، وقد سنحت لي الفرصة آنذاك لزيارة المنزل التاريخي لجورج واشنطن والمنزل التاريخي لمارتن لوثر كينغ الابن وكانت لي جولات في شوارع مدينة “أتلنتا” التي تضم نسبة كبيرة لا يستهان بها من السكان من أصول إفريقية، فكنت وزملائي نقابَل بابتسامة عريضة من الكل ومن رجال الشرطة حيثما حللنا، أقول هذا من باب الأمانة “وما شهدنا إلا بما علمنا”.

أمجُّ كما يمجُّ كل أحرار العالم خطاب الكراهية المحرَّم والمجرَّم في كل الديانات والقوانين الوضعية، وأمقت كما يمقت كل الأحرار كل مظاهر العنصرية لأنني تعلمت من هدي القرآن والسنة أن التنابز بالألقاب والتفاخر بالأنساب نزعة جاهلية، فالناس لآدم وآدم من تراب “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.

إن حادثة مقتل المواطن الأمريكي “جورج فلويد” ممقوتة ومرفوضة بكل المقاييس، ومرتكبها مذنب بموجب شريعة السماء وشرائع الأرض، وخاصة أنه ينتمي إلى جهاز الأمن الذي يمثل القانون، إذ لا معنى للقانون إذا كان خادمه هو هادمه. إن حادثة القتل يتحمَّل وزرَها فاعلُها أمام القانون، ولست أنا ولا غيري مؤهّلين للخوض فيها، أو إطلاق الأحكام بشأنها، كل ما نملكه هو أن نضم صوتنا إلى صوت الجماهير الغاضبة والمنادية بتطبيق العدالة وأن ننحاز إلى الداعين والداعمين لمبدإ التعايش، النابذين للعنصرية وخطاب الكراهية في أي نقطة في العالم. إن صورة الشرطي قاتل “جورج فلويد” ينبغي أن لا تتحول إلى صورة نمطية فيُحكم على كل الجهاز الأمني بالفساد والاستبداد، لا نريد لهذه الصورة النمطية أن تحدث ولا نتمنى أيضا أن تتكرر هذه الحوادث التي لا تخدم المجتمع الأمريكي ولا تخدم المجتمع الإنساني بصفة عامة.

قرأت مقالا في موقع “غلوبل نيوز ” أنه “قد تم إجراء تشريح كامل لجورج فلويد، الرجل الأسود المكبل الذي توفي بعد أن ضبطته شرطة مينيابوليس، وقد كشف هذا التشريح العديد من التفاصيل السريرية، بما في ذلك أن “جورج فلويد” كان قد أثبت سابقا أنه مصابٌ بالفيروس التاجي الجديد، وقد جاء التقرير المكوَّن من عشرين صفحة الذي نشره مكتب الفاحصين الطبيين في مقاطعة هينيبين أن التشريح كان بإذن من الأسرة، وقد قام مكتب الطبيب الشرعي بنشر نتائج موجزة أن فلويد أصيب بنوبة قلبية في أثناء تقييده من قبل الضباط، وبناء عليه صنف وفاته في 25 ماي على أنها جريمة قتل”.

ووجهت النيابة العامة بناء على تقرير الطبيب الشرعي تهمة القتل من الدرجة الثانية للشرطي ولمرافقيه، وهي التهمة التي يعاقب عليها في القانون الأمريكي بعقوبة مغلظة دون عقوبة الإعدام لأن القانون الأمريكي ينص على عقوبة الإعدام في حالات محدودة: منها قتل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فقاتل الرئيس “جون كينيدي” هارفي أوزوالد” كان سيواجَه عقوبة الإعدام ولكنه قضى قبل إعدامه، ومنها جريمة الخيانة العظمى ضد الدولة، ومنها جريمة التجسس لصالح جهة أجنبية لأنها تمس بأمن الدولة، ومنها جريمة بيع المخدرات والتسبب بوفاة شخص نتيجة تناول جرعة زائدة، ومنها التخطيط والتنفيذ لقتل أحد أعضاء هيئة المحلفين أو الشهود، ومنها جريمة التعذيب حتى الموت، ومنها جريمة القتل من الدرجة الأولى التي تصنَّف في القانون الأمريكي على أنها قتلٌ عمد مع سبق الإصرار والترصد.

مهما تكن درجة العقوبة التي ستسلط على القاتل، فإنها لن تمحو مظاهر الألم الذي عاشته أسرة جورج فلويد، ولن تزيل مظاهر الحزن التي ارتسمت على وجوه الجموع الغاضبة، ولن تُنسي هذه الجموع صورة المعاملة العنيفة التي تعرَّض لها جورج فلويد، فرجاؤنا وأملنا أن تخنفي هذه الصور وأن يحتكم الكل إلى القانون لأن كل شطط سيفسد العقد الاجتماعي القائم على العدل والعدل أساس الملك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • يوسفUSA

    لا تقلق على و.م.أ فلها خبراؤها وسيجدون الحلول الجذرية الفعلية.

    لعلك تعرف أنه ضخوا 5 ترليون دولار لإنعاش الإقتصاد.

    هذا المبلغ الذي ضخوه في 3 أشهر يفوق إقتصاد الجزائر ل 50 سنة الماضية بحوالي 10 أضعاف!

    بمعنى: 3 أشهر في USA و.م.أ = 500 سنة في الجزائر.