-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أمريكا تتآكل في مرحلة التبدلات الإستراتيجية

صالح عوض
  • 993
  • 2
أمريكا تتآكل في مرحلة التبدلات الإستراتيجية

لم يتوقع واضعو الإستراتيجية الأمريكية في المشرق العربي أن انهيارات مريعة ستلحق بهم في سنوات قليلة رغم كل الأجواء المساعِدة للهجوم الغربي على الأمة، فبعد أن اقتحمت جيوش الولايات المتحدة الأمريكية بغداد واستطاعت توجيه ضربة عنيفة إلى أقوى الجيوش العربية.. لم يطل الوقت فكان صيف 2003 بداية تبخر الأحلام الأمريكية فما كان العراق- كما وصفه لها العملاء والأدلاء والحلفاء والأصدقاء الإقليميون- سهلا طيّعا منهارا بل كان العراق منذ اللحظة الأولى ثورة ومقاومة قل نظيرها في العالم كما وصف جنرالات الاحتلال الأمريكي حيث بلغت جملة الأعمال العسكرية أكثر من ألف عمل عسكري يوميا جعل العراق جحيما يلف بجيوش الولايات المتحدة الأمريكية.. لم يجد المقاومون العراقيون البواسل يومها إلا إخوانهم السوريين يفتحون لهم الديار والقواعد العسكرية والإمداد لتكون دمشق كعادتها الأصيلة عونا لكل مقاومة عربية بلا تردد..
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها أو كادت بدأ المخطط الأمريكي مستغلا تحرك الشعوب من أجل مزيد من الحرية وتحسين شروط المعيشة وإصلاح النظام السياسي في بعض البلدان العربية ودست المخابرات الأمريكية بأساليبها لتحطيم الدولة العربية وتوزيعها على إثنياتها القومية والثقافية وحركت لإنجاز مهماتها القذرة طوابير من العملاء في مواقع مختلفة من المسئولية وظنت الإدارة الأمريكية أنها بذلك ستحقق هدفين متكاملين الأول تدمير الدولة العربية وتشتيت الناس على إثنياتهم وإغراقهم في بؤسهم واحترابهم المتوالي هذا من جهة، وتسهيل عملية نهب المواد الخام وثروات الأمة بلا رقيب أو حسيب.
جاء ترمب على نهاية المرحلة متفاجئا أن الإدارة الأمريكية أنفقت على هذه الحروب أكثر من 7 تريليون دولار (7 آلاف مليار دولار) الأمر الذي ألحق بالخزينة الأمريكية عجزا متفاقما وألحق بالمؤسسات المالية أضرارا بالغة نتج عنها ما كاد يشبه الكساد العظيم إذ اتجهت كثير من البنوك إلى الإغلاق بعد أن أعلنت إفلاسها وكذلك كان حال شركات العقار في ظل ارتفاع قيمة الضرائب على المواطن الأمريكي.
وقف ترمب وهو من طبقة الاقتصاد المعتمد على البنوك والعقارات ليقول بوضوح إن الإدارات الأمريكية السابقة لم تكن تدافع عن مصالح الولايات المتحدة إنما عن مصالح طبقاتها الاقتصادية حيث أن انتماءها يرجع إلى اقتصاد المجمع الصناعي الحربي الأمريكي وشركات النفط.. وأعلن ترمب أن أمامه هدفا محددا وهو إزاحة الديون عن الخزينة الأمريكية عن طريق آخر غير ذلك المعتمِد على ارتفاع قيمة الضريبة وتساءل بوضوح: “كيف يمكن أن نقوم بأعمال حربية للدفاع عن دول الخليج العربي ونستعيد الكويت من صدام حسين ونعطي الكويت للكويتيين؟ لقد كان من المفترض أن نحصل على 50 من المائة من نفط الكويت لمدة خمسين عاما”.
هنا أصبحت الإستراتيجية الأمريكية تسير بنحو مختلف تماما حيث أصبح استرداد الخسارة أهم هدف أمام القيادة الأمريكية الحالية ولم تنظر بعين الاحترام إلى أي نظام في المنطقة ولم تُقم له أي شان في المراعاة فوقّعت الصفقات مع أطراف في المنطقة تحت سطوة التهديد بالملاحقة والعقاب (قانون جاستا) ووجدت ضرورة الخروج من ملفات الاشتباك الذي سيلحق بها خسائر مادية فادحة كما هو الملف السوري حيث لم تجد المناورة كثيرا في التعامل مع الروس بتحديد خطوط حمر للتحرك الروسي الذي دخل في الملف السوري بناء على تفاهمات عميقة مع كل الأطراف.. انسحبت الإدارة الأمريكية من الملف السوري شيئا فشيئا لم تدافع عن الأكراد ولم تدافع عن قوات المسلحين الحليفة لها في الجنوب ولم تهتم كثيرا بالمجموعات المسلحة في شرق الفرات تاركة أمرها لأقدارها التعيسة أو لحلفائها في المنطقة تركيا التي باشرت معالجة الملف الكردي.. وطالبت الولايات المتحدة دولا عربية بدفع أربعة مليارات دولار لدعم المجموعات المسلحة الموزعة في شرق الفرات والتنف.
لقد أصبح واضحا تماما أن الإدارة الأمريكية تنسحب شيئا فشيئا من الملف السوري مع كل ما فيه من مغريات ليس أهمها النفط والغاز الذي تم الكشف عنه في سواحل سوريا ولكنها انسحبت مع محاولة دفع السوريين إلى الالتزام باشتراطات سياسية وتكوينية عديدة أهمها التخلي عن دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية وعدم السماح أن تكون سورية موئلا للمقاومتين.. ولعل هذا كان أحد أهم الأسباب التي دفعت بالولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما ومن خلال أدواته في المنطقة إلى التحرك لإغراق سورية في فوضى خلاقة وتفسيخ جنوني.. فلم تعش سورية قط لحظة هدنة مع العدو الصهيوني فهي إن جمدت جبهة الجولان لحسابات إستراتيجية لاسيما بعد خروج مصر إلى كامب ديفد فلقد عملت بدأب لتقوية جبهات أخرى مرهِقة للعدو؛ الجبهة اللبنانية والجبهة الفلسطينية.. فلن تنسى الإدارة الأمريكية ولا الكيان الصهيوني أن الأرض السورية كانت تختزن قواعد المقاومة الفلسطينية بشتى عناوينها وأن سوريا هي البلد العربي الوحيد الذي فتح بلاده لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية واللبنانية فيما تخاذل أو جبن أو تآمر آخرون عليها واتهموها بأنها “حركات إرهابية”.
أجل، وجهت الإدارة الأمريكية من خلال أدواتها في المنطقة ضربات عنيفة للدولة السورية وأنزلت فيها مواجعَ من الصعب البرء منها وكادت البلد تصبح عشرات الدويلات في كل جزء منها راية وعلى كل راية أمير وزعيم.. وفي إطار الحسابات الإستراتيجية الكبرى جاء تدخل الروس إدراكا منهم بأن الدفاع عن وحدة الأرض السورية والدولة السورية إنما هو دفاع عن مستقبل روسيا الذي تحاول الإدارات الغربية إغراقه في الفقر والتفتت بتحطيم تفرد الروس بالغاز المورد لأوربا.. ومن العبث تصور أن الروس جاؤوا لدعم الدولة السورية وفقط فمثل هذا الكلام لا يقول به إلا السذج من الناس.. وأيضا لابد من الانتباه إلى أن روسيا لا تخلّ بالتزامها بوجود “دولة إسرائيل” فالروس أول من اعترف بإسرائيل وإن كانت روسيا تدعو لحل الدولتين وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة والضفة الغربية والجولان إلا أنها لا تسمح بتجاوز ذلك أبدا ويمكن الإشارة إلى أن الروس أكثر ضامنين لوجود إسرائيل في حين يمكن القول إن الغربيين هم أكثر الضامنين لدور إسرائيل في المنطقة والإقليم.
يمسك الروس الآن بعنق كل الملفات الإقليمية بعد أن فرضوا ضغطا عسكريا سياسيا كبيرا على الأتراك بعد حادثة الطائرة الروسية، واستطاع الروس إدارة علاقة مع الأتراك تستطيع تحييد قوة الأتراك إلى حد بعيد الأمر الذي يقابله تخبط في إدارة أمريكا لعلاقاتها بتركيا.. بل ووصل أمر الروس أن يوقعوا صفقات سلاح متطوّر مع قطر لإحداث توازن مع السعودية ويوقعوا اتفاقيات بخمسين مليار دولار مع ايران للاستثمار فيها ردا على محاولة أمريكا محاصرة ايران.
صحيح أن ترمب غير تقليدي في سياساته وقراراته وهذا يعطيه قدرة كشف حجم قوة الخصم ويعري المنتفخين بأوداجهم على شعوبهم ويُظهرهم على حقيقتهم، إلا أنه أيضا في ظل صراعات دولية تحتاج إلى كثير من التكتم على الأهداف الحقيقية يبدو وكأنه يفضح الولايات المتحدة الأمريكية كما قال وزير الخارجية الأمريكية السابق “ّكيري” مؤخرا.
إن العراق يستعيد عافيته رغم بقايا الجروح والدمامل، وسورية تسير نحو لأم جراحها واستعادة أطرافها بعد أن استفادت من تحالفاتها الإقليمية والدولية في التصدي لأعتى موجة مسلحة عابرة للقارات والدول.. وفي فلسطين مقاومة شعبية ترى في الإدارة الأمريكية أسّ البلاء وأنها هي من يواجه الشعب الفلسطيني على الأرض.. وهنا مربط الفرس حيث تمتد روح المقاومة والرفض في الشعوب العربية والأحرار في العالم لإسقاط النموذج الأمريكي.. تولانا الله برحمته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • علي حسين

    لقد أرغم نظام سوريا على التراجع عن الاستسلام للعدو وعدم تسليم دمشق له بدبابات العراق وجيشه اثناء الحرب العربية الصهيونية...نظام بشار سلّم الجولان للصهاينة فلم اللوم على السادت العميل...بشار عولل:-( علوي:-) الجيش السوري بالتحالف مع جعجع وحزبالله والمنشقين الفلسطينيين بدعم اميركي و إيراني فاضح وتوج المشروع بقتل صدام حسين.:-( جفت الصحف ورفعت الاقلام:-) حسبنا الله ،حسبنا الله ،حسبنا الله ونعم الوكيل

  • جزائري

    لا مشرق ولا مغرب عربي. انتم العرب تصنعون وتبحثون لانفسكم عن اعداء لتعيشوا حياة الحروب والعنف وكانكم الشعب المستضعف في الارض رغم انه العكس. انتم اسباب بؤس وشقاء العديد من الدول. اسمون انفسكم مشرق عربي ولكن لا تفكروا في وجود مغرب عربي لان دلك المغرب العربي الدي تسمونه هو بلاد امازيغية حرة من استعماركم لها و ثقافتهم تختلف عنكم. ادا ترون ان امريكا عدوتكم فهادا شانكم اما نحن الامازيغ فسياستنا لا ترتبط دائما بسياساتكم .