-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أوبئة “حضارة الاستهلاك” التي لم نبتكر لها علاجا

حبيب راشدين
  • 1684
  • 14
أوبئة “حضارة الاستهلاك” التي لم نبتكر لها علاجا
أرشيف

فيما عُطل مجلس الأمن، وجُمدت جميع أنشطته حتى مع وجود أدوات حديثة لعقد اجتماعات بوسائل التواصل عن بُعد، لم تتردد “مجموعة العشرين” في عقد لقاء طارئ لها أمس الأول، لبحث تبعات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، واعتماد حزمة من الإجراءات، أوصت بضخ 5000 مليار دولار لمنع انهيار الاقتصاد العالمي، وأخطر من ذلك تطاولها على صلاحيات الأمم المتحدة بمنح صلاحيات جديدة للمنظمة العالمية للصحة.

يقينا لا نعلم شيئا عما جرى في هذا الاجتماع سوى ما سُمح بنشره للعامة، لكنه كافٍ لاستنتاج حقيقة لا تُردّ، وهي أن الجائحة التي ينبغي للعالم أن يخشاها، ويستعدّ لمواجهتها، هي جائحة الانهيار المبرمج للاقتصاد العالمي، الذي ضرب في قلب النظام العالمي النابض بمجموعة العشرين، بل تحديدا في “مجموعة السبعة” التي تتصدر اليوم قائمة الإحصائيات لعدد الإصابات والوفيات بوباء كورونا، وهي إحصائياتٌ مدهشة توجب التشكيك فيها من أكثر من جهة، ولأكثر من سبب.

من بين قرابة نصف مليون إصابة معلن عنها، هنالك عشرُ دول تجاوزت عتبة العشرة آلاف إصابة، تتقدمها الولايات المتحدة، والصين، وايطاليا، وألمانيا، وفرنسا، واسبانيا، وعشر دول بها إصابات ما بين ألفين وتسعة آلاف، وإحدى عشرة دولة ما بين ألف وألفين، فيما تتقاسم بقية دول العالم بضعة آلاف، تشترك فيها أغلبُ دول القارة السمراء، والعالم العربي، وأمريكا الجنوبية باستثناء البرازيل، وبقية الدول الآسيوية باستثناء الصين وكوريا الجنوبية وإيران.

وحتى مع التسليم بغياب إحصائياتٍ دقيقة في الدول النامية، التي تفتقر إلى وسائل التشخيص، فإن الحالة الإيرانية وحدها تنسف هذا الاعتراض، كما ينسفه ضعفُ عدد الإصابات في بلد متطور مثل اليابان (نحو ألف حالة) والإصابات القليلة في دول شرق أوروبا، قياسا مع دول غرب الاتحاد، وما يشبه المناعة في دول ذات كثافة سكانية عالية مثل الهند (680 حالة فقط) وبنغلادش، وباكستان، واندونيسيا، ونيجيريا ومصر (دون 500 حالة).

وباستثناء الصين وإيران وكوريا، كان بوسعنا أن نصنف وباء كورونا وباءً غربيا بحتا، يكاد يتطابق مع الإحصائيات السنوية لأوبئة الأنفلونزا الموسمية، التي تقتل كل سنة ما بين 600 و800 ألف إنسان في أوروبا وأمريكا الشمالية، وقد اعترف المستشار العلمي للحكومة الايطالية أن نسبة الوفيات المنسوبة لكورونا في ايطاليا لا تزيد عن 12 بالمائة من الوفيات المعلنة.

ومع كل ذلك، لست ممن يشكك في وجود وباء اسمه “كوفيد 19” ولست مع من يقول إنه وباءٌ مصنع، لكني مستاءٌ من انسياق حكوماتنا وإعلامنا وراء هذا التهويل الذي صُنع للعالم تصنيعا، ويديره الإعلام الغربي المهيمن بمنسوب غير مسبوق من الضخ على مدار الساعة، فيما كان ينبغي أن ينصرف اهتمامُنا وقلقنا إلى تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية، وربما لتدبُّر تبعات انهيار المنظومة المسيِّرة للعلاقات الدولية برمتها؛ فمع التهويل الذي يشهده العالم العربي، فإن نسبة الإصابات فيه مجتمعة تعادل عُشر ما سُجل في إيران الجارة، ولا يزيد في مجموعه عما سُجل في إسرائيل، أو في تركيا، وحتى مع التشكيك في ما تعلنه الدول العربية، فإنها لا تقوى على التغطية عن حالة الوفيات لو أنها كانت بمستوى ما يسجَّل اليوم في إيطاليا أو اسبانيا.

في عمودٍ سابق، كنت قد جازفت ـ من باب السخريةـ بتصنيف الوباء تحت عنوان ” كورونا جي 20 ناقص واحد” حتى ألفت الانتباه إلى “الجائحة الإعلامية” التي تريد التستُّر عن الكارثة الاقتصادية بوباء لن يرقى إلى ما يلحق بنا من “وباء” حوادث المرور (أكثر من 1,3 مليون قتيل في السنة، بمعدل قتيل كل 21 ثانية، وما بين 20 و50 مليون جريح) أو أنه يعادل حصيلة الوفيات من مرض السكري، الذي يعاني منه أكثر من 450 مليون إنسان، ويقتل سنويا 1,5 مليون مصاب، أو أن يقترب من وباء القلب والشرايين الذي يقتل سنويا 17 مليون إنسان، أي ما يعادل مجموع قتلى الحرب العالمية الثانية، وكلها “أوبئة” ملازِمة لنظام الحياة والاستهلاك في حضارة اقتصاد السوق، التي آمل أن يساعدنا وباءُ كورونا على إسقاطه وتفكيك أدوات هيمنته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
14
  • بن مداني عبد الحكيم

    مرت البشرية بأزمات وكوارث وأوبئة أحدثت بعدها تغيرات فلسفية و أقتصادية وكورونا كغيرها في أكتوبر 1929 الثلاثاء الأسود في تاريخ البشرية الأنهيار الأقتصادي العالمي الكبير الذي عاد على البشرية بأسوأ النتائج الحرب العالمية الثانية وقيام أنظمة ديكتاتورية وتحول النظامالأقتصادي الرأسمالى الحر الى موجه ,الأزمة الأقتصادية 2008 مازالت تبعاتها الى اليوم فكورونا زادت في نسبة الاستهلاك علما و أن حجم ونسبة كمية القمامة في تزايد وارتفاع لا أحد يستطيع كبح جماح الأستهلاك ويصبح الأستهلاك قيمة وشهوة وادمان انساني و ترسيخ التبعية ويصبح الأنسان ألعوبة في أيدي شركات الدعاية وألأعلان

  • امين

    لا اتابع اي تحليل بنتباه كما اتابع ما ينشره الاستاذ حبيب راشدين كل تحليلاتك موفقة وتنم عن دراسة وقراءة جيدة لما يحصل وربط للاحداث بشكل منطقي و متسلسل اوجد مقاربة صحيحة وتوقع صادق

  • رضوان

    أكثر ما يعجبني في مقالات حبيب راشدين هو انفتاحها على كل التيارات النقدية وأهمها تحليلات مالك بن نبي، والأطروحات الماركسية التي تعد أفضل شارح وموضح لتناقضات الرأسمالية وحضارة السوق وجماعات التحكم والسلطة فيها، وعلى رأسها كتابات كارل بولاني صاحب كتاب التحول الكبير the great transformation، الى غاية أطروحات وليام روبينسون صاحب أطروحة الدولة العابرة للقومية، والاقتصادي الروسي فالنتين كاتاسونوف صاحب كتاب استعباد العالم، كل هذه الكتابات تساعدنا على فهم من يحكم العالم ومن وراء كل السياسات التي تفرض على عالمنا وأدت الى افلاسه وانهياره الأخلاقي

  • mahi

    شي ما يحدث .وكثير من المحطات لايمكن فهمها .الهند مثلا امرها محير بالنضر الي نسبة السكان وطبيعة الاحتكاك هناك .ومع ذلك لم تسجل فيها اصابات بتلك الوتيره التي من المفترض ان تسجل بالنضر الي عدد السكان . اما الحديث عن الانهيار المبرمج .فهل لنا ان نعرف من يمسك خيوطه . البنك الفدرالي الامريكي والذي لا يخضع لاي سلطه ولا لاي رقابه مهما كان نوعها . ما مقدار مسؤوليته فيما يحدث وهو الذي يعد الة طبع نقود ضخمة بلا مقابل .الا الثقه التي يضعها العالم في الدولار .اما بالاستفادة او بالتهديد. الكثير من الاسئله التي لا اجابة لها.

  • TADAZ TABRAZ

    القضية ليست قضية احصاءات ولا من هو الأكثر تضررا بهذا الفيروس .. بل القضية أن العالم برمته في باخرة واحدة يهددها الغرق فاما أن يتضامن الكل لانقاذها واما أن يغرق الكل ثم حين نلوم الدول الكبرى على تخصيصها لمبالغ ضخمة لانقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار وكأننا نجهل أن انهيار الاقتصاد العالمي لا يقل خطورة عن فيروس كورونا ويكفي لأي عاقل أن يتصور فقط لو تبقى أسعار البترول على أسعارها الحالية لسنوات كيف ستكون تأثيراتها على العديد من البلدان وعلى رأسها الجزائر طبعا

  • TADAZ TABRAZ

    القضية ليست قضية احصاءات ولا من هو الأكثر تضررا بهذا الفيروس .. بل القضية أن العالم برمته في باخرة واحدة يهددها الغرق فاما أن يتضامن الكل لانقاذها واما أن يغرق الكل ثم حين نلوم الدول الكبرى على تخصيصها لمبالغ ضخمة لانقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار وكأننا نجهل أن انهيار الاقتصاد العالمي لا يقل خطورة عن فيروس كورونا ويكفي لأي عاقل أن يتصور فقط لو تبقى أسعار البترول على أسعارها الحالية لسنوات كيف ستكون تأثيراتها على العديد من البلدان وعلى رأسها الجزائر طبعا

  • محمد

    لا ننكر أن الدول الواعية بمصالحها الاقتصادية تعطي لهذا الميدان الأهمية البالغة لأن الواقع يجبر الساهرين على ديمومة النظام الاجتماعي بما يحتاج إليه من وسائل العيش والبقاء تفرض على الجميع الانتباه إلى العناية باقتصاد البلد وعدم الدخول في غيبوبة تفقدنا وسائلنا المعيشية.لكن ما لا يجب إخفاءه أن كل أزمة تحل ببلدنا تظهر لنا إهمال المسؤولين على مصالح مجتمعنا لما يقع على عاتقهم من واجبات حتمية.مثلا المستشفيات القائمة لا تحتوي على الوسائل البشرية والمادية للقيام بما هي مخولة له.حتى بتواجد هذه الوسائل فإنها غير صالحة منذ أمد بعيد أو مخفية عن الاستعمال.لا نظام ولا تنظيم ولا حتى الإدراك بالواجبات.أين الخطر

  • ammar

    من لْلّـــخـــــر
    لم يبق للأسلحة الثقيلة وزن وثقل وإستعمال و مهمة بعد الوباء

    كل الإبتكارات العسكرية من دبابات و.....راحت في كيل الزيت
    كورونا هي بداية لإنتشار الأسلحة البيولوجية
    الدولة الجزائرية يجب عليها تغييرنظام الدفاع على الوطن

  • مواطن

    كورونا خطر حقيقي و لست توهما أو تضخيما و إذا ترك له الحبل على الغارب أو فقدت السيطرة عليه فيعدي مئات الملايين من البشر في عالم أصبح مترابطا جدا. و حتى بنسبة الوفيات الى الاصابات ب 0.5% (المعدل الألماني بنظامها الصحي المتطور) فنحن نتكلم عن الملايين من الوفيات. ربما العالم الاسلامي محفوظ بحفظ الله لنظافته و أكله الطيب و صلاته و دعائه و لكن في الغرب و الصين و الهند الخطر حقيقي و المثال الايطالي و الاسباني ماثل أمام أعيننا. بالنسبة لنا في الجزائر نحن في وضع أفضل بكثير و لدينا الكثير لنربحه شريطة أن لا نستعجل في استخلاص الدروس و اتخاذ المواقف فيجب انتظار جلاء هذا الطوفان و فهم نتائجه الحقيقية.

  • ammar

    هل بإجتماع قمة العشرين هناك ممثل للـــــــعرب وحفدتهــــم ؟ أظن الممثل للعرب وحفدتهم بالإجتماع إما عرب قطر إما عرب السعودية والله أعلــــم
    إنتهىت أمريكا وأروبا المسيحيتين وإنتقلنا إلى حكم الهند والصين بودا كونفشيوس وبراهما ..كيف تكون أحوال الدول الأمازيغية وماذا حظرنا و...
    أماالأفارقة والعرب وحفدتهم وووو لست أدري ما ذا وكيف وو

  • جزائري

    انا افضل تسميتها بحضارة التلوث . التلوث البيءي والتلوث الفكري والتلوث الاخلاقي وانا لا استبعد ان كورونا فيروس بيءته الحاضنة هي التلوث . على خارطة انتشار فيروس كورونا نلاحظ ان اكثر المناطق تلوثا في العالم هي الاكثر انتشارا للوباء . فالانسان اللذي يعيش في منطقة ملوثة هو اقل مناعة للفيروس اللذي يكون قويا جدا في الهواء الملوث . الصين بلد صناعي ملوث وكذلك امريكا وكلتاهما سجلت اعلى مستويات الاصابة حتى الان . كذلك الدول الاوروبية وحتى طهران الايرانية من اكثر مدن العالم تلوثا . ليس لدي دليل علمي عما اقول لكنني متاكد من الكثير من المعلومات ما زالت قيد الكتمان بصدد كورونا ربما تكشف عنها الايام .

  • فداء الجزاءىر

    شكرا لك حبيب راشدين على التوضيح وابد من حيث انهيت :ان يقلب كورونا موازين القوى ، ويجعلها في ايادي امينة فمثلا انهيار اقتصاد امريكا مفيد للبشرية جمعاء اذا اتحدت و الجمت ردة فعلها الغاضبة المتوقعة من خسارة مكانتها للصين التي تعتبر الان ورشة العالم المفتوحة لجميع المنتجات الصناعية والزراعية وهي لاتقارن مع امريكا في الانضباط والتزام الحدود ، ثانيا اعتقد ان الامة الاسلامية والعربية بصفة خاصة قد انتبهت لمنظومتها الصحية المتهالكة اليوم وهي امام تحد وتجربة لم تعهدها من قبل فيما يخص عدد المصابين و اماكن الاستعاب ، ويبقى علينا بعد نهاية الوباء ان شاء الله ان نتعلم دروسا كثيرة في التعامل مع المستقبل.

  • هيثم

    لم تتحدثون فيم لا تعرفون فيه شيئا؟ هل رأيت العلماء يتحدثون في أمور الصحافة؟؟
    الحقيقة هي أن فيروس كوفيد أخطر من الانفلونزا لعدة عوامل:
    1- الانتقال السريع,
    2- معدل الوفيات أكبر ب10 إلى 100 مرة من معدل فيروس الانفلونزا
    3-هذا يؤدي إلى تشبع المنظومة الصحية بسرعة في حال لم تتخذ أي اجراءات، وبالتالي ارتفاع معدل الوفيات! إذ أنه لا يمكن التكفل بكل الحالات، دون الحديث عن مختلف الأمراض الأخرى اللائي لا يمكن علاجها لنفس السبب!
    حتى لو اعتبرنا أن معدل الوفيات لن يتغير بتشبع المنظومة الصحية، فإن هذا الفيروس كان سيؤدي إلى 20 مليون وفاة دون اتخاذ أي اجراءات في أكثر التوقعات تفاؤلا !!

  • نوار خليفة

    أتابع قراءة مقالات الأستاذ حبيب راشدين منذ ثمانينات القرن الماضي و لطالما كان مصيبا في تشريحه لطبيعة الأحداث و تحققت الكثير من توقعاته على أرض الواقع أبرزها ما نتج عما يسمى بالربيع العربي و أنا أوافقه تماما على أن الإنهيار المبرمج للإقتصاد العالمي سيكون من أهم نتائج هذه الجائحة لكن ماذا بعد ؟؟!!!... هل هي الحرب ؟ تفكك الدول الكبرى و التكتلات المصطنعة ؟ تغير موازين القوى ؟ بروز قوى جديدة؟؟؟؟؟ أسئلة كثيرة قد تظهر أجوبتها في هذه العشرية الحاسمة