-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أين موقع الطرق الصوفية والجمعيات المسجدية من الحراك الشعبي؟

الشروق أونلاين
  • 351
  • 0
أين موقع الطرق الصوفية والجمعيات المسجدية من الحراك الشعبي؟
D.R

تحتاج كل حركة نهضوية إصلاحية تغييرية -أثناء أو عقب كل حراك شعبي ثوري أو سلمي- إلى عملية إحصاء وتمحيص وفرز دقيق وحقيقي لصفوفها، كما تحتاج أيضا لعمليات اختبار لمدى صدقية وتأييد أو مناوأة سائر القوى المتواجدة في متن العملية النهضوية أو على هامش ساحة الحراك، وذلك لمعرفة مكونات ومعطيات الخارطة التغييرية والاطمئنان على مصير سيرها واستقرارها، من ارتدادات الهبَّة التغييرية المزيَّفة والمضادة، التي تتطلع إليها القوى المتربصة والخفية.

وانطلاقا من هذه الخلاصة النظرية التي حفظتها لنا صفحات التاريخ عن الثورات الشعبية وما تبعها من ثورات مضادة، كما حصل خلال الثورة السوفياتية، عندما تشكلت قوى الثورة الروسية البيضاء، المناهِضة للثورة الشعبية الشيوعية سنة 1917م، وقد حدث هذا مع كل الثورات الحديثة كالثورة الجزائرية في مؤتمر الصومام سنة 1956م ومع الكوبية 1958م، والفيتنامية، ومع ثورات الربيع العربي سنة 2011م، كالثورة المضادة في مصر في الانقلاب المضاد يوم 30/06/2013م، وتونس وسورية سنة 2013م، واليمن سنة 2014م، وليبيا سنة 2016م والسودان سنة 2019م.. وعودة الدولة العميقة بقوة، وذلك بفضل انشغال الحراك الثوري بجبهات القوى المعادية والمناوئة، وإهمال جبهة تمحيص قوى الحراك المؤيدة والكامنة المتربصة والخفية.

تلك القوى التي ستشكل روح وعمدة وصلب قوى الانقضاض على الخيار الثوري العنيف، أو على الخيار الحراكي الشعبي السلمي، وهو ما نخشاه على الحراك السلمي الشعبي اليوم وغدا من فلول القوى الخفية والمتربصة، التي تنتظر اللحظة المناسبة لتُغير –دونما رحمة- على آمال وطموحات الجماهير المسحوقة، لصالح الدولة العميقة.

وعليه، فإننا مجبرون اليوم على تذكير قوى الحراك الشعبي السلمي بعدد من الكتائب والألوية المتربصة والخفية، التي تنتظر إشارة البدء في عمليات الشغب والتشكيك من وليِّ نعمتها السابق، أملا لاستعادة المواقع السيادية والقيادية الأولى.

ومن بين هذه القوى الخفية والوفية للنظام السابق الفاسد، الجمعيات الدينية المسجدية التي تفوق خمسا وثلاثين ألف جمعية دينية، والجمعيات الصوفية والطرقية ومؤسساتها الثرية بالمال والدعم والتأييد، والتي تُعدُّ بالمئات إن لم تكن بالآلاف، والتي تربت وترعرعت وكبرت وتدعمت ماليا ومعنويا وأدبيا وعدديا.. في عهد النظام المخابراتي للنظام السابق، والتي كان يعدّها إحدى عصائبه القوية في حيازة مساحة وحيز جغرافي وديمغرافي ومعنوي وزمكاني، وإحدى أذرعه وقواه الخفية لمناوشة سائر جبهاته القوية المعادية في الحيز الديني، مع ضميمة أجنحة وأشتات التيار السلفي والشيعي، والعلماني والحقوقي والإلحادي واليساري والتغريبي.. وتعالوا الآن نلج هاتين القوتين الخفيتين للنظام السابق.

1– الجمعيات الدينية المسجدية:

تعدُّ الجمعيات الدينية المسجدية، ومن دون تعميم، إحدى القوى الخفية والضاربة للنظام السلطوي والمخابراتي السابق، فبها تمكّن من إحكام السيطرة التامة على المساجد، وبأزلامه المأجورين عمل على شلِّ دورها الديني والروحي والنفسي والأخلاقي والاجتماعي والخيري، وبأعوانه المتسرِّبين استطاع تقييد حرية وعمل الدعاة والأئمة الصادقين، أو الذين تشتمُّ منهم رائحة العداء للنظام.

والجمعيات الدينية –حسب خبرتي كإمام ومدرِّس متطوع في أحد المساجد الجزائرية سنوات 2005-2010م، وحسب خبرة المئات من تلامذتي الأئمة والخطباء والوعاظ والمرشدين الذين تخرّجوا على يدي سنوات 1993-2019م من الكلية الإسلامية- أنها خليط هجين من المتقاعدين من الإدارة والوظيف العمومي ومن الأسلاك المشتركة ومن كبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال، الذين تجمعهم مصالحهم الشخصية البحتة أو مصالح من انتدبهم لممارسة تلك المهمة القذرة، حاشى الطيبين منهم كجمعية المسجد الذي كنت فيه إماما متطوعا.

وأعضاء هذه الجمعيات الدينية مصالحهم مختلفة، وأهدافهم وأهداف الجهات الخفية التي انتدبتهم متباينة، ولذلك تتعطل مهمة الإمام والمسجد وتتعوق عن ممارسة دورها وتأثيرها الحقيقي في الواقع والناس، بالرغم من وضوح مهمة المساجد، من أنها لله وبالله، ولا يُدعى فيها أو إلى أحد غير الله سبحانه وتعالى ودينه وشريعته السمحة الغراء. ولذلك كنت كثيرا ما أستغرب كيف أن أعضاءً في اللجنة المسجدية يخالفون مشروعا خيريا تعود فائدته على سكان الحي، أو على الفئات الفقيرة والمحتاجة، أو يعود نفعه على تلك البلدة، ويعمل أولئك الأعضاء تخريبا ودسا ومكرا ووشاية لدى مديريات الشؤون الدينية لتعطيل ذلك المشروع، وسرعان ما تتضح النوايا الكيدية والتآمرية لاحقا، عندما يكشف الله عمل المفسدين.

وقد أسرَّ إلي قيادي شيوعي سابق وهو أستاذ جامعي كبير في العلم والوعي والسن استيقظ ضميرُه الوطني مؤخرا، وصحا قلبه الميت واستيقظ لنصرة دينه وإسلامه ووطنه، وقال لي بالحرف الواحد: إن “قيادة الحزب الشيوعي الجزائري السرية – الهاشمي الشريف توفي منذ عقد تقريبا، والصادق هجرس يعيش في فرنسا وغيرهما من القيادات الحزبية- والمتسترة تحت بريق هذه الأحزاب الثورية والطلائعية المعارضة للنظام شكلا، والتي تدّعي خدمة العمال والفلاحين والطبقات الشغيلة والمسحوقة والأرامل والأمهات العازبات من القوى العلمانية واليسارية.. أنها طلبت من سائر أعضائها والمنتسبين إليها منذ أكثر من عقدين من الزمن الانضمام إلى عضوية اللجان الدينية وإفساد مهمة اللجان وتحويلها عن ممارسة وظيفتها ودورها الديني والاجتماعي والخيري والأخلاقي”، وهذا هو سرّ ضعفها وتشتّتها واختلافها على فعل الخيرات ومقاومة المنكرات، التي لا يختلف فيها اثنان كافران يعملان الخير في الغرب المسيحي، فما بالك بمسلمين مؤمنين برسالة الإسلام العادلة والخيرية.

وأعضاء هذه اللجان غالبيتهم من كبار السن، ومن المتقاعدين من سلك الجيش أو الدرك أو الشرطة أو الجمارك أو الأمن، أو من الوظيف العمومي، أو من كبار الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال، وسبق لهم أن كانوا في مناصب عالية أو في رتب عالية، وتعوَّدوا على إصدار الأوامر، وتربوا في أحضان البيروقراطية الفاسدة والمفسدة، ونقلوا أمراضهم وأسقامهم النفسية وعقدهم في القيادة والإدارة والتوجيه والتحكم ليسلطوها على الإمام والمصلين وبيت الله وعلى تعويق العمل الخيري وتحويله لخدمة مصالحهم الضيقة وفئاتهم الخفية.

بل إن غالبيتهم مازال يتوق للتقرّب من السلطة، فيتقدم نحو الإدارة المحلية بصفة رئيس الجمعية الدينية أو أمين مالها أو الكاتب العام لها، ليقضي مصالحه الإدارية، أو ليقابل رئيس البلدية أو الوالي بحجة خدمة المسجد وأهل الحي، وهذا شكلٌ من أشكال الخروج بالجمعيات الدينية عن أهدافها الخيرية الحقيقية. بل إن الكثير من الأعيان وأصحاب رؤوس الأموال ليتسترون بغطاء هذه الجمعيات لفعل المنكرات وارتكاب الجرائم الاقتصادية والتجاوزات القانونية.

فهل يمكن لجمعيةٍ مسجدية خيرية وُضع قانونها الأساسي لأداء رسالة نبيلة يكون أعضاؤها من هذا القبيل الأخلاقي الرديء جدا من أن تؤدي رسالتها النبيلة على أكمل وجه؟ وهل يمكنها أن تكون في صف الحراك التغييري؟ وهل يمكنها أن تسعى للخير العميم؟ هل فهمنا لماذا يستمر الصراع بين الإمام والمصلين والجمعية الآن؟ وهل فهمنا لماذا لا نتطور ولا نتقدم ولا ننهض؟ أبهذه الجمعيات المدسوسة والخفيّة والمأجورة لتعويق الأمة؟ ومن عطّل حراك أمة وبيت الله فكيف يمكنه ألاّ يُعطل حراك ومسيرة شعب؟ اللهم فاشهد.

2 – الطرق الصوفية ومؤسساتها:

لست هنا في موقف نقد أو تصويب أو تخطِئة مضامين ومنهج وأسس ومكونات الطرق الصوفية، فقد سبق لي أن عالجت هذه المسألة من خلال مكتوباتي عن صراع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مع الطرق الصوفية، ومن خلال رسائل الماجستير والدكتوراه التي أشرفت عليها أو ناقشتها خلال مساري العلمي، أو من خلال مسار الطرق الصوفية المتنوع بين الجهاد والممالأة والتأييد.

ولكنني أوضِّح أن هذه الطرق التي كمنت خلال الفترة الاستعمارية بعد أن مالأت وناصرت وأيدت الاستعمار عدا القليل منها، واستحت من مواقفها المشينة المؤيدة للإدارة الاستعمارية، ظلت كامنة طيلة فترة حكم الرئيس الراحل أحمد بن بلة 1962-1965م وطيلة فترة الرئيس الراحل هواري بومدين 1965-1978م، وطيلة فترة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد 1979-1991م، كما كمنت طيلة نصف فترة العشرية السوداء، وبدأت تبزغ بقرونها التفتينية والشركية مع مجيء النظام البوتفليقي، الذي نشأ في زاوية وترعرع في أحضان الطرقية الضالة المضلة، فوجد فيها ضالته التفتينية والتآمرية الكيدية على الأمة الجزائرية ودينها الصحيح، ووجدت فيه أيضا ضالتها وحاجتها الماسَّة في تحقيق حلمها الملطخ تحت نعال الجلادين والقادة الدمويين الاستعماريين الذي سخَّروها لإذلال إخوانهم الجزائريين، ووجدوا ضالتهم في النظام البوتفليقي الفاسد في تلميع صورتها البشعة الموروثة عن تأييد الاستعمار، فأعلنوا ولاءهم كالمعتاد لكل نظام فاسد، مقابل التمويل، الذي كنت أراه بأم عينيّ في أسبوع تحفيظ القرآن الكريم، الذي شاركت في عشرة أسابيع منه ونلت شهادة شرفية أنا وزملائي المحاضرين على المداخلات التي قدمناها طيلة تلك الأيام فقط، وإذ نعود نحن المحاضرين بالشهادات الشرفية، ويعود رجال الطرق الصوفية محملين بمئات الملايين توزعها عليهم وزارة الشؤون الدينية، في ختام أشغال أسبوع القرآن الكريم، وذلك كله مقابل الشغب على المشهد الديني السويّ وتعطيل مسار الدعوة الإسلامية الصافية، وتحويل تلك المساجد والزوايا إلى قلاع تأييد ومساندة ودعم للرئيس ولمشروعه وبرنامجه..

وقد وفرت لي الوزارة –مشكورة في إطار عمليات التدجين لأمثالي- باستدعائي لإلقاء المحاضرة الافتتاحية الكثيرَ من المعطيات والعيِّنات التي أحتاجها لتدقيق دراساتي التي أقمتها على رجال الطرق الصوفية الذين كانت تغصُّ بهم قاعة دار الإمام بالمحمدية، وهم يلبسون الزي التقليدي الذي يرتديه المغني رابح درياسة، وهم يصفقون للباطل بحرارة، ثم يصفقون للحق بحرارة أيضا، ولا يعلمون الفرق بينهما، وأضرب مثالا على ذلك أن أحد الدكاترة الذي كان يحتل منصب مدير مركزي بالوزارة متخصص في الفلسفة، قال مقولة فلسفية مفادها: (أنه من عرف نفسه عرف ربه)، فصفق له جمهورُ الطرقيين بحرارة، ثم قمت وعقبت عليه وخطأته، وقلت له قولا في سورة الأنعام عن سيدنا إبراهيم الذي عرف ربه فعرف نفسه، وشتَّان بين كلام الله ومنهجه وكلام الفلاسفة الخاطئ، فصفق الحضور أيضا بحرارة وقاموا يقبِّلون رأسي على عادتهم، فقلت لهم: “تبا لكم من أغبياء، صفقتم على الباطل وعلى الحق، فأيُّ رجال أنتم؟ تبا لكم ولما تحملون”.

هذا هو الصنف الذي كان يدعوه الوزير غلام الله ويحتفي به نائبه الوزير محمد عيسى، هذا هو الصنف الصالح للتأييد والمساندة والتصفيق.. وأنا وزملائي والتسجيلات شاهدة على تلك الموبقات التي كان يقترفها النظام البوتفليقي باسم هؤلاء التعساء..
فهل نأمن على الحراك من هذه القوى الخفية والمتربصة والمستنفعة؟ اللهم لا.. وخسر هنالك المبطلون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!