-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أين نحن من عصر الرقمنة؟!

أين نحن من عصر الرقمنة؟!
أرشيف

قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة بشهر كتبنا عن تدريس الإعلام الآلي في مؤسساتنا التعليمية  ووضعها المزري. وبيّنا أنه تدريس شكلي يبدأ من المرحلة المتوسطة لا يتحلّى بأي عمق فيه ولا إيمان بمخرجاته مقارنة بدول أخرى كثيرة أقل منا شأنا. ثم جاء عهد “الجزائر الجديدة” بحكومة تؤكد في كل مرة بوجوب وأهمية الرقمنة الشاملة في كل القطاعات التي تعرف فيها الجزائر تأخرا فادحا. فاستبشرنا بالنهضة المنتظرة في مجال التسيير التي ستأتي بها الرقمنة… ولا زلنا نأمل.

الرقمنة وتدريس الإعلام الآلي

إن متطلبات الرقمنة المنشودة على المستوى الوطني كبيرة ومتعددة، وتأتي أول بذرة داعمة لها من مؤسسات التعليم بكافة مراحله. فالمدرسة بداية المشوار، وهي مطالبة -في سبيل إنجاح عملية الرقمنة على نطاق واسع وبأسرع وتيرة ممكنة- بتلقين التلاميذ منذ نعومة أظافرهم مبادئ الإعلام الآلي والتحكم في أدواته المختلفة.

وحالنا اليوم هو ما أظهرته جائحة كورونا في مدارسنا وجامعاتنا : الغالبية من التلاميذ والأولياء والأساتذة والطلبة لا يحسنون التحكم في جهاز الحاسوب بشكل جيّد، بدءًا من أساتذة الجامعات إلى المنتسبين لمراحل التعليم الأخرى! فكيف ستنجح عملية التعليم عن بعد وعملية رقمنة الإدارات والمؤسسات التي تعتبر أحد الأهداف الكبرى للسلطة الحالية؟

ووعيا بأهمية هذا التوجه، كانت وزارة التربية قد قرّرت –نظريًا- إدراج مادة الإعلام الآلي في السنتين الأوليين من المرحلة الإعدادية عام 2006، ثم عممتها إلى السنة الثالثة عام 2008، بمعدل ساعة أسبوعيا. وأخيرا، شملت المادة عام 2014 السنوات المتوسطة الأربع، بمعدل 28 ساعة لكل سنة! وجاء في تعليمة وجهتها الوزارة إلى مديريات التربية مبررة هذا المسعى: “إن تقنية التعامل مع الاتصالات والمعلومات أصبحت مرتكزة على استعمال الحاسوب ومتواجدة بشكل متنام في كل مناحي حياتنا اليومية”. ولذا حرصت الوزارة على إدراج الإعلام الآلي في مرحلة التعليم المتوسط “حتى يتمكن المتعلم في نهاية المرحلة التعليمية من إتقان المهارات والحقائق العلمية المقررة في المناهج الدراسية”!

هذا هدف واضح وجميل. لكن من يقف على تدريس هذه المادة في مؤسساتنا (في المرحلة المتوسطة) يدرك أنه مجرد كلام معسول لا يمت للواقع بشيء. فنظرا لنقص عدد المتخصصين من الأساتذة في مادة الإعلام الآلي، أوضحت وزارة التربية في تعليماتها تلك: “يكلف مدير الإكمالية أساتذة العلوم الفيزيائية والتكنولوجية بتدريس المعلوماتية، وإذا اقتضت الحاجة يمتدّ التكليف إلى أساتذة مادة العلوم الطبيعة والحياة بناءً على الكفاءات المتوفّرة في مادة المعلوماتية.”

وفي تعليمة أخرى لوزارة التربية صدرت عام2007،  نقرأ : يكلف مدير الإكمالية أساتذة كل المواد التعليمية بتدريس المعلوماتية بناء على الكفاءات المتوفرة. هذا هو حال تدريس المعلوماتية في مدرستنا! ففي عام 2019-2020 لا زال يدرّس هذه المادة لتلاميذنا أساتذةٌ اختصاصهم التاريخ واللغات والتربية …!!

توجّه الوصاية يعاكس توجّه الحكومة!

ذلك ما يجري في بلادنا، أما في البلدان المتقدمة فالإعلام الآلي يغزو المرحلة الابتدائية، ويتواصل تدريسه حتى المرحلة الثانوية. ولسنا بحاجة إلى الاستشهاد بالدول المتقدمة تكنولوجيًا، بل يكفي أن نلقي نظرة على برامج البلدان العربية في المناهج الدراسية وكتبها الموجهة لتلاميذ مختلف المستويات : في الكويت، مثلا، يبدأ التلميذ بتلقّي هذه المادة من السنة الرابعة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية، وفي سوريا من الخامسة ابتدائية إلى المرحلة الثانوية، وفي قطر من السنة الأولى الابتدائية إلى المرحلة الثانوية بدون انقطاع، وفي كل هذه البلدان نجد كتابا مدرسيا رسميا في الإعلام الآلي مخصصا لكل سنة. يبدو لنا أن هذا التقصير أدركه طاقم وزارة التربية اليوم ويسعى إلى إزالته.

وقد أدركنا مرارة ما يحدث عندما اطلعنا هذه الأيام على مذكرة تخرّج بالمدرسة العليا للأساتذة-القبة وعلى استطلاع لرأي أهل الميدان في المؤسسات التعليمية للمرحلة المتوسطة في عدد كبير من ولايات الوطن. إنه لمؤسف حقا أن نجد في بعض البلدان النامية (ناهيك عن البلدان المتقدمة) أن التلميذ يدخل مرحلة التعليم المتوسط وهو قادر على التبحر في عالم البرمجة المعلوماتية في الوقت الذي نبدأ فيه نحن في الجزائر نعلّم أقرانه في مدارسنا كيف يشدّ بيده على الفأرة!! أبهذا التوجه سندخل عالم الرقمنة قريبا؟ أوَبهذه الوتيرة سنضمن انتشار الرقمنة بين المؤسسات والإدارات وبين المواطنين في القريب العاجل؟

وفي هذا السياق، بلغنا أن وزارة التربية مدركة تمام الإدراك لهذا الواقع عكس ما كان عليه الحال في ماضي السنين. وهذا ما جعلها تخطط لمستقبل تدريس الإعلام الآلي وتطلب من وزارة التعليم العالي تكوين أساتذة مدرسين لمادة الإعلام الآلي في المدارس العليا للأساتذة بإعادة فتح فرع الإعلام الآلي أمام الحاصلين على الباكلوريا كما كان الحال قبل سنوات.

وكنا ننتظر صدور الموافقة التلقائية من وزارة التعليم العالي على هذا المطلب البسيط تلبيةً لرغبة القطاع وتماشيًا مع سياسة الرقمنة التي انتهجتها حاليا السلطات العليا في البلاد وتوليها الأهمية القصوى. غير أن المفاجأة كانت كبيرة عندما اطلعنا يوم أمس في موقع وزارة التعليم العالي على المنشور الوزاري المتعلق بتوجيه حاملي الباكلوريا الجدد لسنة 2020… إذ ظلت وزارة التعليم العالي تمنع في منشورها الملتحقين بالمدارس العليا للأساتذة من التخصص في الإعلام الآلي، حتى يقوموا بتدريس هذه المادة –كمتخصصين- في المتوسطات والثانويات بعد تخرّجهم!!

والسؤال الكبير هنا هو : لماذا تصرّ وزارة التعليم العالي على هذا الموقف المتعنت الذي لا يخدم التوجه نحو الرقمنة الذي تسعى إليه الحكومة؟ هل هو نقص في التأطير؟ لا أبدا. هل هو لامبالاة بمقتضيات المرحلة التي تعيشها البلاد؟ هل حدث ذلك سهوًا ونسيانًا…؟ فبقدر ما نجهل المبرر فنحن نعتبر أن الأمر يتعلق بخطأ فادح تعوّدنا على مثله من الوصاية. ولذا من حقنا أن نتساءل عن مصير الرقمنة في البلاد ووزارة التعليم العالي تدوس على أحد السبل الأساسية المؤدية إليها؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
14
  • قناص قاتِل الشـــــــــــر

    ما دامت علوم الحاسوب (والتي نسميها في الجزائر بالاعلام الآلي) ، تدرس بالفرنسية بدل العربية والانجليزية و تفتقدُ الى حداثة محتواها التعليمي من لغات برمجة و ادارة قواعد البيانات و الحوسبة السحابية و الجيتهاب و أنظمة التشغيل لينوكس و غيرها من المحتويات التعليمية التي صارت الركيزة ، فلا تتوقع أي استعمال صحيح لها في الجزائر ، و ليست قضية أنها صعبة مثل ما قال الأخ في التعليق رقم 6جزائري، وانما هذا راجع لجملة الشخص المناسب في المكان الغير مناسب ، وش تستنا من مسؤول ما يفهم فيها والو في الجيتهاب ولا سي++ ولا البايثون ولا الـMySql.

  • حمة السوفي

    "..فبقدر ما نجهل المبرر فنحن نعتبر أن الأمر يتعلق بخطأ فادح تعوّدنا على مثله من الوصاية..."كيف تنتظر من الوزارة الوصية أن تقرر قرارا صائبا وقد حكمها وزراء جهلة لا يحوزون على الباك و يحملون شهادات بروفيسور و منهم من قال "حامل شهادة نوبل واش ندير بيه؟"و حتى المنظرين للجمهورية الجديدة يرون أن قطاع التعليم العالي غير منتج! بالرغم من أن التعليم العالي بمثابة القاطرة و القطاعات الأخرى بمثابة العربات المجرورة،فالقرارات الصائلة لا ينبغي أن تكون لأنها تهدّد مصالحهم،مناصبهم،أجورهم،مكانتهم المرموقة

  • حماده

    شكرا أستاذنا أبا بكر وجزاك الله خيرا.
    أتمنى أن يقوم الغيورون على هذا الوطن بطرح هذا المقال على مكتب رئيس الحكومة أو رئيس الدولة.

  • أستاذ

    السبب هناك خريجون في تخصص الاعلام الآلي من شتى الجامعات كثر وبالآلاف !! فهم أيضا ويحق لهم المساهمة في تدريس تلامذة المتوسط والثانوي

  • mohsenuss91

    نقطة أخرى يجب التطرق اليها وهي عدم تدريس المعلوماتية في جميع المتوسطات ثم تدريسها في الثانوي الأمر الذي يشكل عائقا للتلاميذ والأساتذة على حد سواء!

  • محمد

    فتدريسها أصبح ضروريا انطلاقا من دور الحضانة وفق أساليب ووسائل تتماشى وسن التلميذ.العهد الذي كانت فيه الإعلاميات وسيلة تسلية وترقية اجتماعية أكل عليه الدهر وشرب.فاليوم لا تخلو مادة علمية أو أدبية من حاجتها إلى اللجوء لهذه الأداة التي تسد العجز في استحضار معلومات وتقنيات كانت إلى وقت قريب محرمة على كثير من الجماعات البشرية.حان لنا وخاصة في قطاع التعليم المتمثل في إدارة الوزارات المكلفة بالتدريس أن تختص فقط بترقية البيداغوجيا وتترك للمجلس الأعلى للتربية والتكوين مجال التفكير في مستقبل المنظومة التربوية بل إن السرعة التي تتطلب الحصول على نتائج في أقصر الآجال واختصار وقتها يحتم علينا تصويب أفكارنا.

  • محمد

    لما كنا ومازلنا نطالب بإقامة المجلس الأعلى للتربية فإن هدفنا أن نؤسس لهيئة عليا متكونة من العلماء في كل المجالات التي يرجع إليه مهام التفكير في ما يصبو إليه المجتمع عبر ممثليه المنتخبين فعلا لسن التوجيهات على المدى الطويل في كل ما يخص تربية وتكوين أجيالنا الناشئة للوصول إلى الرقي الحضاري بشتى مجالاته المعرفية العلمية والتكنولوجية ووفق المخططات التنموية.أما الوزارات المعنية بالتعليم والتكوين في كل الأطوار فهي مختصة بتلقين البرامج الدراسية وفق الطرق البيداغوجية الحديثة أو المستحدثة.أما مادة الإعلام الآلي فهي اليوم مادة أساسية مثلها مثل اللغة أو أية أداة اتصال في عالمنا الحاضر أوالمستقبلي...يتبع

  • تفيش و الخرطي

    كما تعلم أهل العالي تدربو على نسخ-لــصــق, السنة المقبلة سيضيفون هذا الاختصاص, المهم ذكرهم لأن تفكيرهم في شيء أخر , أنت ادرى به. الطمع يخسر الطبع, رجالات الرقمنة و التكنولوجيا و الحداثة من نوع أخر, ربما سننتظرهم من الغرب

  • جزائري

    الرقمنة ستكون صعبة في الجزاءر لان الرقمنة تتطلب النظام والانضباط والمثابرة والشفافية والدقة وغيرها بالاضافة الى التحكم التقني . لكن بغض النظر عن المستوى التقني فانه من الواضح ان ثقافتنا تغيب عنها العناصر اللازمة الاخرى مثل الانضباط والمثابرة . اذن اقول ان هناك مشكلة ثقافية تؤثر سلبا ليس على الرقمنة فقط بل على جميع المجالات لان النجاح يعتمد على هكذا عناصر . وانا اعزو فشلنا في كثير من الميادين الى هذه العناصر الثقافية اللتي تؤثر سلبا خصوصا في مجال الرقمنة . هل يتدارك مسؤولونا هذا الامر .

  • حسين

    يجب فتح شعبة المعلوماتية في الثانوي كما في تونس الجارة ، وتدرس انطلاقا من الحضانة و توليها الدولة اهتمام و الا سوف نعيش العصر الحجري في

  • جبريل اللمعي

    فيما يخُصُّ رقمنة الإدارة (الحكومة الإلكترونية)، فهذه أيضا يجب التّأَنّي فيها. لا يُمكِنُك ائتِمان موَظَّف على معلومات الملايين من الموطنين وهو غير راضٍ عن راتِبِه وظُروفِ عَمَلِه. في الهند مثلا، يُمكِنُك أن تشتَرِيَ هُوِيَّةً هندية بالعُمر الذي تريد والإسمِ الذي تريد ومَقَرّ الإقامة الذي تريد ب800 روبية. (أتوقع أن 10 ملايين سنتيم عندنا "فيها بركة".)

  • جبريل اللمعي

    هاكَ رَأيَ متخصص في الحاسِب الآلي يَدرُس أبناؤه البرنامج البريطاني. 1) الابتدائي: البرنامج مُكَرَّر ومُمِلّ ومَحشُوّ بما لافائدة منه؛ 2) المتوسّط: يَدرس الأطفال ما يُشبِه البرمجة ولكنها بسيطة جدا جدا؛ 3) الثانوي: على الطالب أن يَحفظ أشياء كثيرة أغلبُها عن تاريخ الحاسب وما تبقَّى أشياءُ سيدرُسُها في الجامعة. حسب أبنائي، لا أحَدَ من زُمَلائهم يحبّ هذه المادة. السبب: لا يُمكِنك تكييفُ مفاهيمَ عاليةَ التّجريدِ حسب عَقلِ طفلٍ لَم يَتَعلّم الجَبْرَ بَعْدُ. النتيجة: على الوزارة أن تستشير المتَخصِّصين ولا داعِيَ لدراسة الحاسب في كل أطوار التعليم.

  • Salem salem

    من وراء غلق تخصص الاعلام الالي فالمدارس العليا ? ونحن نرى طلبة الجامعة لا يحسنون استعمال الحاسوب حتى؟؟؟؟

  • Rafik Amara

    بارك الله فيك يا أستاذ، لخصت كل شيء