-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أين هو الشعب؟

أين هو الشعب؟
ح.م

الموقف المخزي، الذي قابلت به السلطة والشعب معا، المحرقة التي طالت غابات الجزائر أو رئتها الصغيرة المحروقة في جسد يمتد من الصحراء إلى الصحراء، أكّد أن الحَراك الشعبي الذي تمنيناه بردا وسلاما علينا، وثورة وعي وإحساس بالمسؤولية، ودفاعا عن ثروات البلاد، لم يحقق إلى حد الآن ثماره، وأكد أن الجزائر في حاجة إلى حَراكٍ ذهني وفكري، يضع كل فرد أمام مسؤولياته، حتى لا يبقى المتهمون أو الصامتون عن قول الحق أو الذين يرفضون أن يغيّروا المنكر بأيديهم وبألسنتهم، في موقف الضحايا.
يعلم أهل القانون والقضاة الذين زجّوا بعددٍ من أفراد العصابة في غياهب السجون، بأن الساكت عن الجريمة أو الذي لا يبلّغ عنها، مشاركٌ فيها، ويطاله العقاب مثل مرتكبها، وللأسف، فإنَّه في جريمة حرق الغابات وإبادة الثروة النباتية والحيوانية بهذا الشكل المريع، كلنا متورِّطون، مع سبق الصمت واللامبالاة.
لا أفهم كيف يثور المواطنون على انقطاع الماء والغاز وطلبا لمساحات اللعب وتوفير أماكن الراحة والعمل.. وكل ذلك من حقهم، ولا يثورون على إبادة آلاف الهكتارات من النبات وفصائل من الحيوانات التي خلقها الله لتحيى، فاخترنا لها الهلاك حرقا؟ لا أفهم كيف تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي وعيا لتطالب الناس بمقاطعة شراء السيارات وكل ما غلا ثمنُه في بلادنا، ولا أحد يطالب بمقاطعة شراء الفحم أو أكل الشواء المطهوّ على الفحم، وهم يعلمون بأنه غنيمة الحرب على الغابة؟ لا أفهم كيف ترسل الدولة الطائرات إلى الخرطوم وإلى القاهرة لدعم فريق الكرة، ولا ترسل خراطيم المياه الطائرة لقهر النيران؟ وكيف يتجمَّع الجزائريون بالملايين ليحتفلوا بفوزٍ في لعبة كرة القدم، ولا يعلنون الحداد على غابات منحتهم الجمال والأوكسجين والطيور والحيوانات البرية وآوت المجاهدين والفنانين وكبُرت مع أطفال جرجرة والأوراس ومنحت من لونها لعلم الجزائر، وسلمت روحها لبارئها في جريمة اختلطت فيها النار، بنار اللامبالاة؟
الصمت المطبق إلى درجة العار، الذي تابعت به السلطة والشعب معا عملية الحرق “الممنهجة”، التي حوّلت جرجرة وغابات سكيكدة وبجاية وغيرها إلى رماد، بيّن مدى حقدنا على أنفسنا وعلى أبنائنا، فمن غير المعقول أن تثور كينيا بكل أطيافها من أجل إنقاذ الفيلة وتسنّ قوانين ردعية تُدخل كل قاتل فيل، ضمن دائرة الجنايات، وأن يحمي البرازيليون أدغال الأمازون بقوانين قد توصل من يحرقها إلى الإعدام، ويبقى الجزائريون بأهل القانون والسياسة والأمن وجمعيات البيئة والناس جميعا يتفرَّجون وكأنهم غير معنيين، وكأن هذه الرئة لا تنتمي إلى جسدٍ واحد مصاب بالمرض في كل أجزائه.
قيل قديما إن الأغنام تقضي عمرها كاملا، وهي خائفة من الذئاب وتستأنس بالرعاة، ولكن سكين الذبح يأتيها من الذي كان يرعاها، ويبدو أن الغابات التي استأنست بنا من الصحراء الزاحفة وحاولت أن تحمينا، قد طالتها ثقاب كبريتنا، فكنا نحن الذئب ونحن الراعي الذي أكل شياهه، وبين الشجر المحروق والذئاب التي أكلت الأخضر، حان الوقت لطرح السؤال المؤلم: أين هو الشعب بعد أن عرفنا الإجابة عن مكان الدولة؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • Bassem

    الحراك يجب ان يكون ضد الشعب و ذهنيته التي اوردتنا المهالك ولا ازكي نفسي ولا اقصد الجميع، بربكم نتظاهر ضد الفساد ونحن من عبد له الطريق بتغاضينا عن المفسدين كل في مستواه والله رأيت في الجامعة مثلا فسادا اخلاقيا من طرف الاساتذة من يفترض بهم ان يكونوا قدوة و شعلة تنير الدرب ولا احد حرك ساكنا ولا نبس ببنت شفة لاعتبارات اقل مايقال عنها انها قناع لجبن و خنوع و قصر بصيرة و موت ضمير، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه : ولا يسكتن احدكم عن منكر اصابه أو رآه فإن الساكت عن الحق شيطان اخرص، جحافل من البشر تجوب الشوارع كل اسبوع ضد العصابة و نسيت انه على كل مستوى عصابة، و ما أظن انه ما اخرج جلهم إلا الحماس

  • جزائري

    الحراك مجرد موضة أقول موضة لانه يكيل بمكيالين ازاء الفساد. الحراك ضد فساد السلطة وهذا جيد لكنه لا يحرك ساكنا ازاء الفساد الاخلاقي والمجتمعي اللذي هو اخطر على المجتمع من تهريب اليورو الى الخارج. مظاهر الفساد المجتمعي متفشية في كل مكان وفي كل لحظة. مخدرات. حراءق مفتعلة. كلام بذيء. صراخ ليلي. ....

  • صالح بوقدير

    تحميل المسؤولية للجميع تمييع للقضية وهروب من المسؤولية فالغابات لها هيآت رسمية وأكثر من وزارة تصهر عليها تغترف من ميزانبة الدولة فهلا سألت المنجل عن التخلي عن دوره ومقدرات الامة تهدر في واضح النهار؟

  • محمد

    الحل هو التوعية المستمرة وليس فقط يوم الحرائق، لابد من التوعية المستمرة للمحافظة على الثروة الغابية والحيوانية والتشجير المستمر . من أيام فقط قامت إثيوبيا بغرس 300 مليون شجرة شارك فيها 1.5 مليون مواطن ...وكذلك باكستان والهند ودول أخرى لديها مشاريع غرس مليار شجرة.
    لذلك ، وكما طالبت بذلك مرارا ، لابد للجزائر أن تقوم بهذه المبادرة فتقوم بغرس المناطق المتضررة، وأيضا غرس حوالي مليار شجرة في كل الأماكن، فنحن أسوء من إثيوبيا وباكستان والهند من ناحية المناخ، وكل شجرة نخسرها، نخسر معها الكثير من ناحية التصحر والأمطار.
    الذين أحرقوا الغابات غايتهم الإستيلاء على الأراضي سواء للبساتين أو البناء.

  • محمد

    تبكي على الغابة وأنا أندب على المدينة والقرية اللتين تحولت شوارعها وأزقتها وحتى حدائقها إلى مزابل تتراكم على أرصفتها نفايات ساكني أحيائها.أثناء العهد الاستعماري الذي يحلو لنا إلحاق كل الموبقات والشتائم به كانت مصالح نقل القاذورات تحمل من باب كل بيت قبل الفجر ما يمقته النظر وما تزدري منه النفس الإنسانية.لكن لما تحررنا من العبودية وامتلكنا أمورنا تطبعنا على مجاورة النجاسة عند منازلنا لأن عمالنا امتنعوا عن القيام بوظائفهم وفرضوا على السكان تكديس ما تشمئز منه الطبيعة والبشر.مع ذلك ندعي أن شعبنا يحب النظافة.أما دولتنا المجرمة فلا ترى عيبا في انتشار الروائح الكريهة وتعدد مصادر الأوبئة وتلوث الطبيعة