-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إخاء أربعين عاما

إخاء أربعين عاما
أرشيف

أستسمح روح الشيخ أحمد الشرباصي – رحمه الله- في استمارة عنوان أحد كتبه، وهو “إخاء أربعين عاما”، لأعنون به كلمتي هذه.
إن كتاب الشيخ أحمد الشرباصي هو عن أحد أعلام العرب والمسلمين في العصر الحديث، وهو الأمير شكيب أرسلان، الذي كان حبه للجزائر، وهو الذي لم يرها، أشد من حب بعض “الجزائريين” الذين تقلبوا في نعيمها، وتمتعوا بسحرها، ولكنهم كانوا أشد حقدا عليها من عدوها..
وأما كلمتي فهي عن “أخي الذي لم تلده أمي”، كما سمّاني صادقا، الأخ محمد صالح ناصر، أطال الله عمره، وحسّن عمله، وأحسن عاقبته.
كنت أود أن أعبر عن هذه الأخوة الصادقة مشافهة، وعلى رؤوس الأشهاد في كل من مدينتي غرداية والقرارة، حيث يعقد لقاءان خاصان للأخ الفاضل محمّد ناصر.. ولكن لم أتمكن من ذلك لارتباطات سابقة عن موعد اللقاءين، ويعلم الله – الذي يعلم السرّ وأخفى – أنني لم أستطع تأجيل تلك الارتباطات.
أما أول اللقاءين فيعقد في جامعة غرداية – ولست أدري- وإن كنت أدري – لماذا لم تحمل جامعة غرداية اسم عالم من علماء الجزائر إلى اليوم، رغم أن ولاية غرداية تعج بأسماء علماء تتشرف جامعتها بحمل اسم أحدهم..
يحتضن قسم الأدب العربي في هذه الجامعة يومين دراسيين تحت عنوان: “الإبداع الأدبي والدراسات النقدية في الجزائر – جهود الشاعر الدكتور محمد الصالح ناصر نموذجا”.
لو قدر لي أن أحضر هذين اليومين لحضرتهما مستمعا لما يلقى فيهما من محاضرات، لا مشاركا فيهما بكلمات، لأنني لست في عير ولا نفير هذا الميدان، فما أنا مبدع في أي نوع من أنواع الأدب شعره ونثره، وإن كنت أتذوق جيّدهما، ولا أنا دارس نقدي لهذا الإبداع.. وإن كنت أملك أغلب ما أنتجه فكر الأخ محمد ناصر من دراسات وأشعار وبعض ما كتبت عن مؤلفاته وأشعاره.. وأكتفي بما قاله، أو كتبه، أحد رواد الدراسات الأدبية وأحد المبدعين، أعني أستاذي الدكتور أبا القاسم سعد الله، حيث كتب عن الأخ محمد ناصر، بمناسبة نيله “وسام العالم الجزائري”، الذي لا تقدمه “الدولة” الجزائرية المنشغلة بـ”الرّاي” و”حمره” المستنفرة، وإنما يقدمه معهد “صغير” في الإمكانات البشرية والمادية، كبير في الأهداف والغابات المنشودة، والعزائم القائمة عليه.
قال الدكتور سعد الله عن الدكتور محمد ناصر: “ومحمد ناصر في هذا الميدان ينتمي إلى مدرسة النقد العربي الحديث الأصيلة، وليس إلى المدرسة المقلدة لاتجاهات النقد الأوروبي، التي ما زالت ترفع صوتها في عالمنا بعباءة الحداثة تارة والعولمة تارة أخرى”. (سعد الله. حصاد الخريف. ص 257).
ومحمّد ناصر هو ابن الإسلام فكرا، وفنا، وعاطفة، وتوجّها، ودعوة، ومع ذلك فإنه لا يتبع – في دراساته الأدبية والنقدية- هواه، بل يقف موقف الدارس المحايد الذي يتعامل مع المادة المدروسة ومع صاحبها بروح مجرّدة، ولا يفعل مثل ما يفعله صغار العقول، موبوءو النفوس، الذين يذبحون المنهج العلمي إرضاء للمذهب الأديولوجي ولو كان بادي السّوأة، لأن الإسلام ربّاه على أن لا يجرمنه شنآن قوم على أن لا يعدل، ونشأه على أن لا يبخس الناس أشياءهم، فـ “الرجل مدقق ومحقق، فهو لا يتسرع في إصدار الأحكام، ولا يبالغ ولا يسرف..
فهو دارس باحث عن الحقيقة، ملتزم بالمنهج العلمي حتى في المسائل العاطفية أو التي تحتاج إلى حكم غير عاطفي”. (سعد الله. المرجع نفسه. ص 258).
وأما اللقاء الثاني فيعقد في مدينة القرارة، مسقط رأس محمد ناصر، وملهمته، وقد أشرف على هذا اللقاء كل من “معهد الحياة” و”جمعية التراث”، وذلك تكريما منهما ووفاء محمّد ناصر الذي خدمهما دون منّ أو استكثار.. وإنما اعتبر ذلك من الواجب الذي يقوم به الكرام.
إن علاقتي بمحمد ناصر بدأت قبل أن أعرفه، وذلك لأنني حفظت قطعة شعرية جميلة – كنا نسميها نحن طلبة مسجد جامعة الجزائر – “بين النخيل”، وذلك في عام 1970 ولم أعرف أن هذه القطعة هي للأخ محمّد ناصر إلا في عام 1978، عندما زرت مدينة القرارة لأول مرة بدعوة كريمة من الأخ ناصر.
ذات يوم من تلك الزيارة الميمونة- ونحن نجوس خلال ديار القرارة- سألت الأخ محمد ناصر إن كان يعرف اسم صاحب قطعة “بين النخيل”، ورحت أردد بعض أبياتها.. تبسم محمّد ناصر، وقال لي: “صاحبها هو صاحبك بالجنب”..
وكانت علاقتي الثانية بمحمد ناصر قبل أن أعرفه في عام 1975، حيث التحقت بالشركة الوطنية للنشر والتوزيع، وسلمني مدير الدراسات فيها – وكان رافضا لالتحاقي بالشركة- ولكنه أجبر على قبولي -، سلمني مخطوطا لأقرأه وأقدم رأيي فيه، إن كان صالحا للنشر أم غير مقبول، وأمهلني أياما معدودات.
كان المخطوط هو “الصحف العربية الجزائرية” لمحمد ناصر.
بعد يومين أو ثلاثة أيام أعدت المخطوط لمدير الدراسات مع تقرير يوصي بنشر المخطوط، بعد تصحيح بعض الأخطاء المطبعية، واقتراحات بإلحاق صور للجرائد المتحدث عنها..
عجب “المدير” من سرعة إنجازي لما طلبه مني، لأنه كان يتمنى – كما علمت فيما بعد – أن أفشل في “الامتحان”، ليبرر للرئيس المدير العام، مبارك أمعزوز – رفضه السابق لعملي في الشركة، ويقترح عليه الاستغناء عني.. وقد انقلب هذا المدير من رافض لي إلى متشبث بي عندما طلبت التحويل إلى مديرية النشر التي كان على رأسها الأستاذ عبد الرحمن ماضوي – رحمه الله-.
أما المرة التي تعرفت فيها على الأخ محمد ناصر فكانت بعد مناقشته رسالته عن “المقالة الصحفية في الجزائر”، وكنت أبحث عن ما ينفع الناس لنشره، وأسعى للتقليل من تلك “الكتب” التي تشيع الفاحشة، وتهدم الأخلاق باسم “الأدب”، والأدب براء منها.. وهي من أسباب إشاعة “قلة الأخلاق والأدب” في الجزائر، ومن أسباب إفلاس الشركة الوطنية للنشر والتوزيع.
سألت شخصا يعرف محمد ناصر، فدلّني على “ورّاقة لبعض أقارب محمد ناصر، ومنذ ذلك الوقت بذرت بذرة “الأخوة” بيني وبين الأخ محمد ناصر، الذي عرفت من خلاله كرام الناس في الوادي الطيب، وعرفت تاريخه، وعلماءه، وما عرفت في أخي محمد إلا الإسلام الصادق، والوطنية الخالصة، والأخلاق الرفيعة، والوفاء النادر لدينه، ولوطنه، ولغته العربية، وأساتذته وأصدقائه..
ولو كنت أقرض الشعر لدبّجت في أخي محمد قصيدة مثل قصيدته فيّ وفي أخينا الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم، التي عنوانها “أخي الذي لم تلده أمي”.. وأدعو الله – العلي القدير- أن يديم بيننا هذه الأخوة الصادقة، والمودة الخالصة.
فهنيئا لأخي الدكتور محمد ناصر بتكريمه المستحق في كل من كلية الآداب بجامعة غرداية، و”جمعية التراث” في القرارة، وليتقبلا مني “عتابا” أخويا لتأخرهما في هذا التكريم، ولعل لهما عذرا.. وأعتذر لأخي محمد، وللأخوة في كل من غرداية والقرارة – باسمي، وباسم أخي الدكتور عبد الرزاق قسوم، عن عدم حضورنا هذين المناسبتين، و”إثم” ذلك يبوء به من تأخروا في إرسال الدعوتين.. وسنستغفر لنا ولهم الغفار..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • نورالدين الجزائري

    الناس تقول مقال دون مقال ولكني أفضل أن أقول مقال خير من مقال
    ما شاء الله عليك شيخنا ومن لحفظ ودّ الكرام حافظ، أتحفتنا بمقالك وبرعت، وإني أرجوا من العلي القدير أن يبارك لك في أخوّتك وفي حفظك وصونك لعهدك، فنعم الرجل من رجالات الجزائر أنتم وقد منّ الله عليّ أن حضرت لبعض دروسك في الوادي وبعض أنحاء وطننا العزيز ولله الحمد والمنّة.

  • merghenis

    كرمت جمعية العلماء المسلمين الدكتور محمد صالح ناصر و الأستاذ الحسني يوم 26-7-2017 ( تكريم... وشكر--2017/08/03 ).في هذه المناسبة،جاء في كلمة الشاعرمحمد صالح ناصر :
    "جمعية العلماء" أس أصالة وأخوة في الله، حضن محبة
    رمز الجزائر، فخرها وضميرها فالعلم للأوطان أعظم منحة
    لكن علما دون "حب الله" ذل قد تردى في مهاوي الظلمة
    فالدين سر الحب من يظفر به يلبس – بعون الله – تاج الحكمة
    الحب هو سعادتي طول الحياة، يمدني في شيبتي وشبيبتي
    فمحبتي مسرى دمي، وعقيدتي وحليب أمي في العروق ومهجتي

  • عيسى بن خرفية

    بوركت شيخنا جعلكم في منبر في الجنة يغبطكم الأنبياء والمرسلين رجاء زرنا هنا في الجلفة ولك رقمي الهاتفي 0672504180 ومعك رئيس الجمعية الجزائرية لإحياء الروح الوطنية متشرفون بكم

  • م/ أولاد براهيم.

    أن كنت مخطئا فيما أقدم .أرجو التصحيح.. الامير شكيب أرسلان .مثقف لبناني. ( درزي؟؟) تعرف على الجزائر؛ وحبها؛ وساندها؛ وبادله الجزائريين نفس الحب..حتى صاروا يسمون ابناءهم بشكيب؛ تيمنا؛ وعرفانا .. من خلال مصالي الحاج؛ والامير خالد.اثناء مؤتمر الاممية الاشتراكية الذي أنعقد ببريكسل سنة1927. واثناء هذا المؤتمر القى أبو الحركة الوطنية الجزائرية كلمة رددفيها مصطلح استقلال الجزائر؛ ومصطلح( ماأخذ بالقوة لايسترد الا بالقوة؟؟) ..ومن هذا المؤتمر ارتبط اسمه بالقضية الجزائرية ؛ وبحبه لها .. وهذا الحب؛ وهذا لم يأت من فراغ ! بل نتيجة المجهود الذي قام به الامير عبدالقادر عندما كان في منفاه بلواء الاسكندرونة.

  • معاذ، الجزاءر

    مقال رائع استاذ محمد الهادي الحسني حول الاستاذ محمد ناصر حفظه الله .. فهو حقيقة من العلماء الذين استفادنا من كتبه و ابحاثه و علمه الغزير ... لي فقط ملاحطة حول كتاب السيد محمد رشيد رضا او اخا اربعين عاما فهو للاستاذ شكيب ارسلان و ليس للشرباصي.. كتاب حول السيد رشيد رضا الذي كانت تربطه به علاقة متبنة و مستمرة طيلة 40 سنة. . و الاستاذ الشرباصي الف كذلك كتابا حول الاستاذ شكيب ارسلان بعد مماته سنة 1938.. و الشرباصي في تلك الفترة التي توفي فيها شكيب ارسلان كان طالبا في الازهر و عمره آنذاك 20 سنة... اذن الاخوة التي دامت اكثر من اربيعين سنة كانت بين الاستاذ شكيب ارسلان و الشيخ محمد رشيد رضا..

  • شخص

    قالها إبن باديس يوماً : ما جمعته يد الله، لن تفرّقه يد الشيطان

  • دحمان الحراشي

    تقبل الله منك هده الكلمات الصادقة في شخص الدكتور محمد الناصر
    حفضكما الله وجعلكما دخرا للامة

  • محمد العربي

    بوركت استاذنا الفاضل مقال شيّق و مفيد كالعاده