-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إدمان .. الموت

إدمان .. الموت
ح.م

هناك بلدان كثيرة، بما فيها بريطانيا وتركيا والبرازيل، كانت مع أولى شرارات الوباء، تريد جرّ شعوبها إلى مناعة القطيع، إما جهلا بطبيعة الفيروس، أو خيارا اقتصاديا قاسيا، من خلال ترك الحرية الكاملة لفيروس كورونا، يمرح بين رئة وأخرى، يتمكن من المرضى والمسنين، ينقلهم إلى العناية المركزة، ويعجز أمام البقية من الشباب القادر على المقاومة، حتى تحصل شعوبها على مناعة كاملة، وينتهي زمن الفيروس للأبد، وبضحايا من البشر، ولكن من دون خسائر اقتصادية. ولكنها بمجرد اكتشافها شراسة الفيروس، حتى تراجعت متأخرةن وبفاتورة ضخمة من الضحايا. وهناك بلدان أخرى لم تتمكن من مقاومة الفيروس، فلا هي أنقذت اقتصادها، ولا هي أنقذت شعوبها من الهلاك، فأدخلت الموت بفيروس كورونا، ضمن يومياتها، تقدم أرقامه مساء كل يوم، وكأنها تقدم نشرة الأحوال الجوية، أو أرقام البورصة، أو نتائج مباريات كرة القدم.

يوجد بيننا من سقط في هذا الفخ “الاستسلامي”، ما بين متحجّج بأن الموت قدر لا يمكن محاولة تفاديه، وتأجيل موعده، وبين من يظن بأنه سالم من فتك الفيروس،

وآخرون يقارنون بما يحدث عندنا وما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعتقدون، عن قناعة، بأننا لسنا أحسن منهم في التعامل مع الحياة، ولا في مواجهة الموت، ولن نتحدث هنا عن الذي مازال مقتنعا بأن الوباء مؤامرة من نسج الخيال.

يتعامل بعض المسؤولين المحليين في بعض الولايات التي صارت موبوءة فعلا، وأرقامها صارت تثير الذعر، من دون قدرة ولا حكمة، يتخبّطون بين الواقع الصعب، يجتمعون بشكل يومي من أجل الاجتماع، غير قادرين حتى عن إصدار قرار بالحجر الكلي أو الجزئي، لتفادي أسوأ السيناريوهات، فلا هم عملوا، ولا هم تركوا مكانهم للذي بإمكانه أن يعمل.

والطامة الكبرى، أن الكثير من المواطنين سقط في هذا الفخ، يعيش من أدنى احتياط، تماما كمن يسوق سيارته بأقصى سرعة مقتنعا بأن الموت واحد.. بل إنه في قرارة نفسه مقتنع بأن الموت نصيب كل الناس، إلا هو.

إدمان المأساة هو أسوأ ما في الحياة، فهناك في الجزائر من هو مقتنع بأن حال البلاد لن يستقيم، فالناس ستبقى تتعامل بالرشوة وبـ”المعريفة”، وبأن السوق السوداء والكلام الفاحش والنميمة وحب النفس والتبذير واحتقار الآخرين والجهوية، كلها قدر محتوم، فتجدهم لا يثقون في شيء، ومقتنعون بأن السيئ في كل الأحوال سيتغلب على الصالح، حتى من دون مبارزة.

لقد عجزت الجزائر على مدار عقود من توقيف نزيف حوادث المرور، بالرغم من أساليب الردع التي حاولت انتهاجها، وآلاف خرجات التوعية التي سال فيها الحبر واللعاب الكثير، وبقيت الفاتورة المحزنة في تصاعد، وحافظت الجزائر على مكانتها الأولى في العالم، وارتفع معدل تهريب وتعاطي المخدرات ومختلف المهلوسات، حتى أدمن الناس أخبارها، ونخشى أن يتحوّل الموت بالأوبئة المختلفة، وليس بفيروس كورونا فقط، ضمن الإدمان على أخباره، بالرغم من أن الحل بسيط جدا.. وهو الالتزام بالنظافة والتباعد الاجتماعي.. وفقط

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ابن الجبل

    هناك بلدان كثيرة تعاملت مع وباء " كورونا " بواقعية مثل فرنسا ، حيث وقعت بين المطرقة والسندان .. الوباء الذي يزرع الرعب من جهة ، وانهيار اقتصادها من جهة أجرى ... فكان الحل :هو بعث اقتصادها والعودة الى الحياة العادية ، فعادت المدارس ودور الحضانة ووسائل النقل ودور العبادة ،مع محاربة الوباء بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة ... أما نحن ، فلا الحياة عادت ،ولا قضينا على الوباء . والنتيجة : ارتفاع الاصابات ،والجوع، والبؤس !.