-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إسقاط الرهان على الانتقال خارج الدستور

حبيب راشدين
  • 1269
  • 0
إسقاط الرهان على الانتقال خارج الدستور
ح.م

الآن وبعد 16 جمعة صار مسار الأزمة متوقفا على نجاح الحوار عن بُعد بين ثلاثة لاعبين يقررون إيقاع اللعبة وما تحتاج إليه من أشواط: مؤسسة الجيش، وقد استعادت المبادرة من يد العصابة بتطهير كثيرٍ من مؤسسات الدولة من قبضة الدولة العميقة، ومؤسسة قضاءٍ حررها الحراك الشعبي وحمتها عصا الجيش الغليظة، وأخيرا حراكٌ شعبي لا يريد إنهاء الاحتجاج قبل ترحيل أبرز رموز النظام الساقط.

على الهامش تتحرك أخلاط من القوى السياسية المترهلة المفككة من الموالاة والمعارضة، وما يوصف بتنظيمات المجتمع المدني قد أضاعت البوصلة، وفوَّتت عليها مؤسسة الجيش فرصة إعادة التدوير والتموقع عبر مرحلة انتقالية لا تكلفها المثول أمام القاضي الأول في أي نظام ديمقراطي، لا رادَّ لقضائه بعد أن يُفتح الصندوق.

الحراك صار قوة ضاغطة على الجميع، حتى وهو محرومٌ من قيادة قد امتنع على الجميع تأليفها من حشود ضخمة، متنوعة، ومتعددة المشارب، لم تتفق حتى الآن إلا على شعار ترحيل الباءات، وترفض منح تفويضٍ على بياض، لا لدعاة “الحل خارج الدستور” ولا لمؤسسة الجيش الراغبة في الانتقال بالأدوات الدستورية وعبر مساراته الآمنة، وقد حرم نفسه حتى الآن من فرصة الانتقال بهذه الحشود إلى قوة وازنة مؤثرة حين يعود البلدُ إلى الصندوق لتجديد مؤسسات الحكم.

الخاسر الأكبر حتى الآن، إلى جانب العصابة المختطِفة للقرار ولأذرعها في مجتمع المال والأعمال، وفي ما تخلَّق منها في عشرين سنة من حكم دولة الـ”دي أر أس” من جمعياتٍ تُنسب زورا إلى المجتمع المدني، هو بلا شك المشهد السياسي الذي وُلد في تسعينيات القرن الماضي بالمادة 40 من دستور 1989 الذي منحها حق التعدد، وحرمها من النمو الطبيعي كأدوات لممارسة التداول السلمي الفعلي على السلطة.

الحراك لم يُعرِّ فقط عورة أحزاب الموالاة التي لم تستوعب الصدمة، كما لم تستشرف هذه الاستفاقة الشعبية، ولا يبدو حتى الآن أنها تملك المادة البشرية ومؤهِّلات صناعة الأفكار، لتقدير الموقف وتجديد الذات، والاستعداد للاحتكام القادم إلى الصندوق، شأنها شأنُ أحزاب المعارضة، التي صنَّفها الحراك في نفس الخانة مع من يجب أن يرحل، وليس لها اليوم من خيار سوى الرهان على مرحلة انتقالية خارج الدستور توزِّع “كوطات” السلطة بالتراضي على دكاكينها كما حصل بعد توقيف المسار الانتخابي سنة 1992.

قرار التمديد للعهدة الدستورية، يكون قد أغلق بلا رجعة باب القفز على السلطة التأسيسية للشعب عبر ما يوصف بـ”الانتقال الديمقراطي” خارج حكم الصندوق، حتى وإن كانت بعض مكوِّنات المجتمع المدني تصرُّ على لعب شوط إضافي تراهن فيه على استمالة الشارع، وقد فشلت في آخر لقاء لها في تحقيق توافق بين خارطتي طريق على طرفي نقيض، فضلا عن فرص التوافق غدا على الأسماء، وعلى قسمة المواقع القيادية في سلطة مستقطبة، لا نعلم ما هي الجهة داخل السلطة القائمة المخولة لتسليمها مفاتيح قصر الرئاسة ومدى استعدادها للعمل تحت إمرتها.

حالة الجمود الظاهر في المشهد مرشحة لحلحلة وشيكة بالشروع الجدي في بناء “الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات” وبما جرى يوم الأحد من تعيينات جديدة على رأس المحكمة العليا سوف تساعد على تسريع مقاضاة النخبة السياسية المتهمة بالفساد من رجالات الدولة (رؤساء حكومة ووزراء وولاة) سوف توجه حملة محاربة الفساد نحو وكر صناعته الأصلي في مؤسسات الحكم، وتمنح البلد سابقة تنهي حصانة المنصب السياسي بلا رجعة، ولا مانع عند الضرورة من الاستجابة لمطلب ترحيل رئيس الحكومة مع الإبقاء على بن صالح الذي يسخِّر اليوم ختم رئاسة الدولة في واحدة من أكبر عمليات التطهير التي شهدها البلد منذ الاستقلال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!