-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تغطية صحية شبه منعدمة في مخيمات كوكس بازار(الحلقة الثالثة):

إصابات بالرصاص والخناجر وحروق خطيرة بلا علاج

إصابات بالرصاص والخناجر وحروق خطيرة بلا علاج
حليم معمر

بعد أربعة أيام من العمل داخل المخيمات التحق بنا وفد هيئة الإغاثة التابعة إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقيادة رئيس لجنة الإغاثة عمار طالبي، وهذا لتحضير إجراءات إخراج القافلة الجزائرية من ميناء شيتاغونغ، التي وصلت قبل أكثر من شهر، حاملة ما يزيد عن أربعة ملايين دولار من المساعدات الإنسانية، وقد واجهت الوفد عراقيل كبيرة أضيفت إلى العراقيل التي واجهوها في مصر التي رفضت إدخال القافلة إلى قطاع غزة.
وفيما كان بعض أعضاء لجنة الإغاثة يسابقون الزمن لإخراج القافلة كان لوفد الجمعية نشاط مكثف داخل المخيمات وخارجها، وكان أهم نشاط هو نزول الوفد ضيفا على جامعة بنغالية اسمها “المدرسة الحكيمة العالية بشوناتي” التي نظمت مهرجانا كبيرا على شرف الوفد الجزائري بحضور عدد من المسؤولين من بينهم عضو البرلمان البنغالي، وفي المخيمات زار الوفد الكثير من المدارس، وتوقف عند مدرسة التهذيب التي تستقبل أبناء الروهينغا إلى جانب أبناء البنغاليين، حيث التزم الوفد بإعادة بناء الأقسام الدراسية كما قدم لهم مساعدات مالية لاستكمال المسجد التابع إلى المدرسة.
ولأن قافلة المساعدات لم تتمكن من الخروج من الميناء فقط عاد وفد جمعية العلماء المسلمين إلى الجزائر عدا ثلاثة أعضاء قياديين هو كريم رزقي وبن ساعد تهامي وكمال كانون، لمتابعة إخراج القافلة وإيصالها إلى المخيمات، ومع ذلك لم يتمكن الوفد من إنهاء الإجراءات القانونية خصوصا بعد أن فرضت سلطات الميناء رسوما مبالغا فيها للقافلة، بلغت 54 ألف دولار.

الخارجية البنغالية ترفض تمديد الإقامة لمبعوث “الشروق”

ولم يتمكن مسؤولو لجنة الإغاثة من إخراج القافلة إلا بعد أن انتهت آجال التأشيرة التي سلمت لنا بسفارة بنغلادش بالجزائر، وكان علينا أن نسافر إلى العاصمة دكا من أجل التمديد، وفي دكا واجهتنا إجراءات بيروقراطية عديدة وتنقلنا لمدة يومين بين الوزارات للحصول على التمديد، وانتهت كل تلك الجهود بوثيقة من دائرة الهجرة والجوازات بوزارة الخارجية بتمديد الإقامة للزميل عبد الحميد معمر، فيما رفضت السلطات البنغالية منح التمديد لي بصفتي صحفيا، وهو ما جعلني أقرر البقاء في بنغلادش بصفة غير شرعية لضمان تغطية وصول قافلة المساعدات الإنسانية.
كان وجودنا في العاصمة دكا فرصة لاستكشاف هذه المدينة العجيبة التي يسكنها قرابة 25 مليون نسمة، شوارعها مكتظة وفقيرة، وأسواقها تعج بمنتجات النسيج، حيث تحتل بنغلادش مرتبة متقدمة في تصدير الملابس، وتنتشر مصانع النسيج بكثرة وتوظف الملايين من البنغاليين في شروط قاسية تقترب من العبودية أو السخرة، وقد أدى حريق مهول قبل سنوات في مصنع نسيج في هلاك أكثر من 1300 عامل.

جدار عازل بين الشعب والمسؤولين!

وأثناء تنقلنا بين الوزارات صادفنا حادثة غريبة وقعت بسبب مرور مسؤول كبير، حيث دبت حركة غير عادية وانتشر الجيش بسرعة وتم إخلاء الشارع الذي كان مزدحما، من السيارات والحافلات وعربات التوكتوك، وحدث ذلك في دقائق معدودة، ثم غادر كل الراجلين إلى الشوارع الفرعية وأصبح الشارع الرئيس فارغا تماما، ولم يبق إلا أنا والزميل عبد الحليم معمر، وصديقنا المصري محمد علاء الدين، فتوقفنا ونحن ننتظر ماذا سيحدث، وفجأة توقفت عندنا عربة للجيش، وأدخلونا داخل بناية حكومية وأغلقوا علينا الباب، وأصبح الشارع فارغا تماما، وبعد لحظات مر موكب المسؤول بسرعة فائقة، لتعود الحركة في الشارع من جديد، وأطلق الجنود سراحنا بعد احتجازنا عنوة لدقائق، وهنا كانت دهشتنا كبيرة، إذ كيف يتم إخلاء هذا الشارع المزدحم في دقائق، ولماذا يتم إخلاء الشارع من الراجلين، وماذا يحدث لو أن المسؤول رأى جموع الناس وهو يمر من الشارع، غير أن دهشتنا زالت لما تذكرنا أننا في أحد بلدان العالم الثالث، ثم ألا يحدث ذلك في الجزائر كذلك، حيث تعطل مصالح الناس ويتم غلق طريق المطار أما السيارات لمرور مواكب الرؤساء والمسؤولين الذين يزورون الجزائر، وهي مظاهر لا تحدث في العالم المتحضر.

تدافع كبير للحصول على المساعدات الجزائرية

روهينغا-2

بعد تجربة مريرة في العاصمة البنغالية دكا سافرنا برا إلى مدينة كوكس بازار التي تبعد بـ 600 كلم عن العاصمة في رحلة استمرت ليلة كاملة، وفي صباح اليوم الموالي توجهنا إلى المخيمات لتغطية وصول قافلة المساعدات الجزائرية، حيث تم توزيع 10 أطنان من التمر المعجون على اللاجئين الذين بدوا أنهم يتذوقونه لأول مرة، وفي اليوم الموالي تم توزيع أطنان من الألبسة والأغطية والأفرشة، ورغم أن بعضها كانت ألبسة شتوية فإن سعادة الروهينغا كانت لا توصف، وهم الذين فروا من المذابح ولم يحملوا معهم شيئا، ولأن الأغطية والألبسة كانت أشياء ثمينة جدا بالنسبة إلى اللاجئين فقد حدث تدافع على استلامها ولم تنفع الترتيبات الذي اتخذها الجيش البنغالي، الذي يتابع بدقة عمليات التوزيع حيث يتم في البداية توزيع قسائم الاستفادة على العائلات لتأتي هذه الأخيرة إلى مراكز محروسة لتوزيع المساعدات وتقف في طابور طويل، غير أن هذا النظام لم ينفع بسبب التدافع الكبير والفوضى، إلى درجة أن الجيش عجز عن تنظيم صفوف الروهينغا وتم اقتحام مكان التوزيع.

المستشفى الحكومي بكوكس بازار… الكارثة

قافلة المساعدات كانت تضم كذلك تجهيزات طبية متطورة وغرف عمليات وسيارات إسعاف، لذلك قام الوفد الجزائري بزيارة استطلاعية إلى مستشفى كوكس بازار الحكومي لمعرفة الاحتياجات، علما أن هذا المستشفى يستقبل المصابين والمرضى الروهينغا، وكانت مفاجأتنا كبيرة ونحن ندخل المستشفى حيث المرضى في أرضية القاعات وفي الأروقة وحتى أمام مدخل المستشفى، لا أسرة ولا فراش، والتكفل الطبي بالمرضى يكاد يكون منعدما، ورغم أن المسؤولين عن المستشفى خصصوا بناية للمرضى البنغاليين وبناية أخرى للمرضى الروهينغا، إلا أنه لا فرق بينهما، من حيث الاكتظاظ ونقص التكفل، وقد عقد الوفد الجزائري اجتماع عمل مع إدارة المستشفى لمعرفة الاحتياجات وطبيعة المساعدات، غير أن مسؤولي المستشفى أكدوا أن أي مساعدة ستكون مفيدة مهما كان نوعها.

مستشفى جزائري قيد الإنجاز

ولأن الوفد الجزائري وضع حجر الأساس لمجمع جزائري يتكون من مستشفى ومدرسة ودار للأيتام، في منطقة ليست بعيدة عن المخيمات فقط آثر الوفد الاحتفاظ بالمعدات الطبية والاكتفاء بإعارتها فقط إلى المستشفيات الأخرى في كوكس بازار إلى أن يتم بناء المسشتفى الجزائري، لتكون كل المعدات بما فيها غرف العمليات وسيارات الإسعاف تحت تصرف المستشفى الجزائري. وفي هذا السياق، قال كريم رزقي عضو هيئة الإغاثة التابعة إلى جمعية العلماء المسلمين إن الترتيبات الأولى شارفت على الانتهاء، وإنهم سينظمون بعثات طبية جزائرية لعلاج الروهينغا فور اكتمال بناء المسشتفى، وقد عقد الوفد الجزائري لقاء مطولا مع مسؤولي جمعية المناهل الخيرية لتجسيد المشروع حيث التزمت الجمعية البنغالية بتوفير العقار للمشروع فيما التزمت هيئة الإغاثة الجزائرية بتمويله.

الأتراك وحدهم في الميدان

روهينغا

إذا استثنينا الوجود الإنساني الجزائري في المخيمات، فإن الوجود العربي والإنساني منعدم تماما، ولا يوجد غير الأتراك الذين يسيرون العديد من المستشفيات الميدانية والنقاط الصحية كما يشرفون على مراكز توزيع الوجبات الغذائية، كما قام الأتراك بتزويد كل الخيم بتجهيزات الطاقة الشمسية، وأنجزوا الكثير من محطات تصفية المياه التي توفر المياه الصالحة للشرب خاصة بعد فشل تجربة الآبار السطحية التي لا يزيد عمرها عن عام واحد، وقد أعطى الوفد الجزائري إشارة الانطلاق لإنجاز العشرات من محطات تصفية المياه، كما تم الاتفاق مع جمعية المناهل البنغالية لبناء ثلاثة مخيمات تضمن 300 خيمة وثلاثة مساجد وثلاث مدارس بالإضافة إلى باقي المرافق من مراحيض وحمامات وفضاءات الترفيه للأطفال.

مصاريف موظفي الأمم المتحدة تضاهي قيمة المساعدات

في مخيمات الروهينغا الآلاف من موظفي الهيئات التابعة إلى الأمم المتحدة، ويشغلون أرقى الفنادق في كوكس بازار ويتنقلون بالسيارات الفارهة، ويشير العارفون إلى أن مصاريف هؤلاء في الفنادق والسيارات والأجور تأخذ نصف الاعتمادات المالية المخصصة لإغاثة اللاجئين الروهينغا، وذلك واضح من خلال طبيعة المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي، الذي لا يقدم سوى الأرز والعدس، وهذا الوضع أثر على اللاّجئين الذين يعانون من المجاعة بالإضافة إلى ظهور أمراض وأوبئة ناجمة عن سوء التغذية. يذكر أن الدول العربية لا ترسل مساعدات إلى اللاجئين الروهينغا ولا تسهم إلا في إطار الاعتمادات المالية التي تقدمها للأمم المتحدة.

فرنسيون من أصول عربية يبحثون عن هويتهم في المخيمات

ونحن نتجول في المخيمات صادفنا عددا من المغتربين الجزائريين والتونسيين الذين سافروا إلى كوكس بازار لغرض تقديم خدمات إنسانية، وأغلبهم لا يحسن اللغة العربية ومن بين هؤلاء الشابان ناريمان بكر وميكائيل خضر وهما من أصول جزائرية، حيث قاما بالعديد من الأنشطة الخيرية كتوزيع الألبسة والأغطية واللحوم، كما وجها نداءات إلى الجاليات العربية بأوروبا لتقديم مساعدات لشعب الروهينغا، وهي النداءات التي قوبلت باستجابة واسعة.
…..يتبع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • يوسف ابن تاشفين

    خاوتك اليمنيين أولى يا يمني ، 25 مليون محاصرين و يأكلون من القمامة