-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
خبراء يتحدثون عن عوائق الاستثمار في قطاع الثقافة

إعادة النظر في القوانين وتحرير المبادرة الفردية وتغيير ذهنية “البايلك”

زهية منصر
  • 621
  • 3
إعادة النظر في القوانين وتحرير المبادرة الفردية وتغيير ذهنية “البايلك”
ح.م

عبرت وزيرة الثقافة مليكة بن دودة أكثر من مرة عن الاتجاه الجديد الذي تسعى الحكومة من خلاله إلى إدماج الثقافة ضمن النسيج الاقتصادي الوطني وجعلها قطاعا منتجا، من خلال تثمين التراث الثقافي الوطني سياحيا. وهو التوجه الذي أكد عليه الوزير الأول مؤخرا.

لكن هل الجزائر مهيأة لهذا النوع من الاستثمارات؟ وهل البيئة الاقتصادية مشجعة؟ وهل تملك الجزائر منظومة بنكية ومالية بإمكانها أن تجلب الاستثمارات الثقافية؟ لماذا لا يقدم رجال المال والأعمال على الاستثمار في الفعل الثقافي؟

أسئلة وانشغالات نقلناها لخبراء في الثقافة والاقتصاد فتباينت إجاباتهم وآراؤهم في كيفية جلب الاستثمارات الثقافية، ولكنهم اتفقوا في النهاية على أن الثقافة بحاجة لبيئة استثمارات جالبة وليست طاردة مثلما عليه اليوم كما أجمع من تحدثنا إليهم أن الثقافة يمكنها أن تكون رافدا من روافد الاقتصاد الوطني بشرط تغير منظومة القوانين المقيدة لحرية المبادرة وتلك المتعلقة بالنظم المالية والبنكية.

المنظومة البنكية والترسانة القانونية لا تشجعان على الاستثمار

تعتقد الدكتورة حبيبة العلوي أن الثقافة يمكنها أن تشكل دعامة لاقتصاد البلاد، شرط توفر المناخ المحفّز لمثل هذا الانخراط”، وخاصة ما تعلق بالتشريعات القانونية ومجابهة البيروقراطية الإدارية. وتعتقد عضو مجوعة العمل من أجل سياسية ثقافية في الجزائر أنه “يستحيل أن تنتعش الثقافة بالمفهوم العالمي الجديد؛ بوصفها داعمة للتنمية المستدامة في مجتمع مازال ينظر لها بعين الريبة، بسبب استغلال القطاع الثقافي لعقود طويلة من طرف شبكات فساد اعتبرته أكثر القطاعات هشاشة وأقلّها شفافيّة وأبعدها عن التقييم أو المحاسبة”. وعليه، فإن العلوي مقتنعة بأننا “لا يمكن أن نقول بقدرتنا على تحويل القطاع الثقافي إلى قطاع فعّال ومنافس ومشارك للقطاعات الأخرى في خلق الثروة، إلاّ إذا تمتّعنا برؤية تنموية عامّة تدمج كل القطاعات في خدمة بعض، وفي خدمة مشروع جامع مسنود بدعم وثقة شعبيّة، بحيث يتكامل مثلا القطاع السياحي مع القطاع الثقافي، وهذا الأخير مع القطاع الصحّي، كما يتشارك القطاع الثقافي مع قطاعي التربيّة والتعليم العالي… كلّ هذا تحت إطار تشريعي وسياسي يدعم هذا التوجّه المدروس من البداية بدقّة بالغة. فلا يمكن لرأس المال أن يتشجّع بدعم المشاريع الثقافيّة وهو يخشى سلطة الرقيب، أو عقبة البيروقراطي، أو تضييق نظام بنكي مازال يعيش خارج عصر الرقمنة، كما لا يمكن لرأس المال البشري أن يقدر على تمويل مشاريعه وهو مكبّل بقوانين تجّرم التمويل الأجنبي ولا تضع بدائل عادلة له، كما لا توزّع الدعم العمومي إلاّ بشروط معيقة لروح العمل الإبداعي والانخراط في مسار الأمم التي تقدر على تحويل القطاع الثقافي إلى قطاع مربح، يعوز إلا استعداد قبلي جدّي مسنود بتشريعات غير متوجّسة من الفعل الثقافي وجرأته على النقد وطرح مشاريع التغيير، وبسياسة محاربة لبؤر الفساد في توزيع التمويل من المال العام، وجريئة على تقييم ومحاسبة كل المستفيدين به، ثمّ مشجّعة للخواص في الاستثمار في القطاع الثقافي مع الحثّ على بناء مشاريع متعدّدة الاختصاصات تسمح للمواطن باكتشاف مدى اقتراب الفعل الثقافي من حياته اليوميّة وتفاصيلها.”

تحقيق هذه المقاربة لا يمكن أن يتم بدون وجود طاقات شابة قادرة على “حمل مثل هذه المشاريع المغامرة كما يحتاج الأمر لكثير من الجديّة والصبر أيضا لتغيير الذهنيّة الفردانية للفاعلين الثقافيين الجزائريين إلى ذهنّية تؤمن وتثق في جدوى العمل المشترك”.

من العوائق التي تحول دون وجود اقتصاد ثقافي، حسب عمار كساب، هي ثقافة “الريع” التي تطغى على الاقتصاد الوطني، الذي يحد من تطور الصناعات الثقافية التي لا تجلب المستثمرين إليها. لأنها تتطلب عملا وتمويلا كبيرين، ولا تعطي أرباحا سريعة للمستثمر الذي، في ظل اقتصاد ريعي، يفضل الاستثمار في قطاعات ممولة من طرف الدولة أو في التجارة، تحقق له أرباحا سريعة وباستثمارات قليلة”. أما العامل الثاني الذي يحول دون وجود استثمار حقيقي في القطاع الثقافي كما يراه كساب فهو الحد من حرية الإبداع الفني والعمل الثقافي الذي يعتبر سما قاتلا للصناعات الثقافية. من جهة، المواد الثقافية الموجهة التي يطالها مقص الرقابة لا تستقطب “المستهلكين” لأنها لا تتكلم لغتهم ولغة عصرهم،. ومن جهة أخرى، الحد من حرية العمل الثقافي يعيق الاستثمارات، ومثال بسيط على ذلك، إذا أراد مستثمر خاص بناء قاعة سينما واستغلالها، فالتشريع العام المتعلق بالقطاع الخاص يعطيه كل التسهيلات لأن هذا التشريع يعتبر القطاع الثقافي قطاعا منتجا كالقطاعات المنتجة الأخرى، ولكن حينما يبدأ هذا المستثمر بالعمل تواجهه عدة عوائق تشريعية تابعة لوزارة الثقافة، أصدر معظمها في السنوات العشر الأخيرة: إضافة إلى رخصة الولاية (صالحة لمدة سنتين)، يجب على المستثمر الحصول على رخصة ثانية من طرف وزارة الثقافة لمزاولة العمل (صالحة لمدة 5 سنوات) ورخص أخرى لكل فيلم يعرض، ويجب عليه أن يوقع دفتر شروط مع وزارة الثقافة، وأن يخصص على الأقل الثلث من برنامج العرض السنوي للأفلام الجزائرية، وأن يكون سنه فوق 30 سنة…إلخ. إذن بين الاستثمار في مركز تجاري أو الاستثمار في قاعة سينما، سيختار المستثمر منطقيا الاستثمار الأول لأنه سيجني من خلاله أرباحا أكبر وبشروط أقل. إذن العوائق هي أولا تشريعية. يجب إعادة النظر في كل هذا..

فإلى حد اليوم “لم نر أي نية في تعليق القوانين التي تعتبر أكبر عائق لحرية الإبداع الفني والعمل الثقافي، كقانون السينما الذي يعتبر من اكبر القوانين حدا لحرية التعبير السينمائي، وقانون الكتاب الذي قتل هذا القطاع المهم. وبناء على كل هذه يعتقد كسا بأن الجزائر لا تزال بعيدة عن إدراج الثقافة ضمن الخيار الاقتصادي ومع العراقيل سابقة الذكر يصبح الحديث عن الاستثمار الثقافي مجرد ذر للرماد في العيون.

إخراج الثقافة من الطابع الفلكلوري المناسباتي للاستثمار في الاقتصاد “البنفسجي”

بالنسبة للبروفسور عبد القادر بريش، فإن الاستثمار في القطاع الثقافي أن يكون رافدا للتنمية الاقتصادية ومحركا للتنمية المستدامة من خلال الاهتمام بالجوانب الثقافية وإدخالها في البرامج الاقتصادية، وهو ما أصبح يعرف حديثا بالاقتصاد البنفسجي الذي يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الثقافية والقيمية والإنسانية في التنمية الاقتصادية.

ويرى المتحدث بأن تصريح الوزير الأول حول ضرورة تثمين النشاط الثقافي وربطه بالبعد الاقتصادي والتنموي اتجاه صائب يجب تثمينه ومرافقته بمجموعة من الإجراءات منها إعادة النظر في القوانين المنظمة والمسيرة لقطاع الثقافة وإخراجه من الطابع المهرجاني والفلكلوري المناسباتي إلى الطابع التنموي المستدام. وهذا من خلال خلق الوظائف وتثمين الإنتاج في الصناعات التقليدية التي تحافظ على الموروث الثقافي والحضاري. وتشجيع القطاع الخاص على الانخراط في الفعل الثقافي والاستثمار في هذا القطاع الهام الذي يتميز بالمردودية على المدى الطويل. وتوقف البروفيسور بريش عند أهمية ودور قطاع الترفيه الذي يعتمد على الأنشطة الثقافية الذي ينبغي تثمينه ليصبح على غرار ما هو في الكثير من الدول يحقق مدا خيل معتبرة تساهم في جلب السياح الأجانب والعملة الصعبة للبلد. فالكثير من البلدان اليوم تستثمر في السياحة الدينية والتراثية أي إدراج القيم الروحية والحضارية للأمة ضمن التسويق السياحي وهو ما يعرف بالاقتصاد اللين.

من جهته، اعتبر كمال ديب أن مناخ الاستثمار في الجزائر من أكبر العوائق في وجه إدراج الثقافة في منظومة الاقتصاد لأنها بيئة طاردة أصلا للاستثمارات، فإذا كانت القطاعات التقليدية من الفلاحة والصناعة والخدمات تعاني من البيروقراطية والريع والفساد زيادة على عراقيل النظام البنكي والمالي في الجزائر وهي القطاعات التي تعد الفائدة فيها آنية، فما بالك بقطاع الثقافة الذي يعتبر فيه الاستثمار طويل الأمد والربح فيه مؤجل إلى حين. ويرى كمال ديب أن الإنتاج الثقافي في الجزائر لا يزال يعتبر قطاعا كماليا فضلا عن كوننا في الجزائر نفتقر إلى نموذج ثقافي بإمكانه أن يسوق لنفسه أو يطرح نفسه للاستثمار، مثلما هو معمول به في بعض الدول. فإذا أراد مثلا مستثمر أن يبني مسرحا خاصا سيصطدم حتما بقلة الإنتاج الموجه للعرض زيادة على قلة إقبال الجمهور الذي لا يزال يعتقد أن الثقافة تستهلك “باطل” ومن واجب الدولة أن تمولها. وبناء على كل هذه العراقيل، فإن الاستثمار الثقافي لا يزال مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي يقول كمال ديب.

وفي السياق الجزائري، وبالنظر إلى التحولات السياسية والاقتصادية التي تعرفها الجزائر في المرحلة الراهنة، يمكن للقطاع الخاص المساهمة في التنمية الثقافية من خلال الاستثمار في قطاع الثقافة وخاصة الإنتاج السينمائي وإدارة دور السينما، كما يمكن للجمعيات التي تنشط في الحقل الثقافي المساهمة بفعالية في التنمية الثقافية ومرافقة جهود الدولة في هذا المجال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • نمام

    علينا تحرير السوق الثقافي من الهيمنة التاريخية للسلطة والايدلوجيا والقوة التقليدية التى تريد فرض تواجهاتها على الثقافة في الشراع و المدرسة و الجامعة والتي ترى باها مكمل لا فاعل بجانب تفرد السياسي الذي يريدها ان تدخل طاحونة الاقتصاد بربح ان و سريع وهنا اصبحت رهينة المحبسين من جانب اخر هل نحن قادرين على وضع ميزانية و برامج للانتاج و التسويق وعلاقة عامة قابلة للتجسيد وهل اصحاب رؤوس الاموال يمكنهم توظيف اموالهم في المجالات الثقافية وهل المثقف شريك ام تابع الموضوع ذو شجون يتطلب ارادة سياسية لان التخلي عن حامل الفانوس يجعلنا نخطل الخطى وخاصة ان تمرد السياسي حرو ب و ثراع غالبا خاسر هل ندركونعي البناء

  • said

    pourquoi en algerie il ya jamais eu une femme voilè comme ministre et pourquoi aussi a la television elles n'existent pas? et pourtant dans la realitè l'ecrasante majoritè des femmes algeriennes portent leur voile

  • دعني اتكلم بحرية من افضل

    على غرار ما هو في الكثير من الدول يحقق مداخيل معتبرة تساهم في جلب السياح الأجانب والعملة الصعبة للبلد
    اقتصاد السياحة هو اقتصاد الذل والشحاذة والعار ورانا شفنا دول مثل المغرب وتركيا وتايلند وفرت كل شيئ للسياح من خمور وبغاء ...والعياذ بالله
    الاقتصاد الحقيقي هو الصناعة والزراعة
    اما وزراة الثقافة هذه وكرة القدم في زمن عصابة بوتسريقة استنزفوا الملايير من خزينة الدولة ولم يفيدوا البلاد والعباد في شيئ